حين تغوص في القراءة عن نديم الملاح، وتمارس السّماع عنه، تكتشف شخصيّة لم تنل حقّها من الاهتمام.
هو رجل علم ومعرفة رفعاه قيمةً وزاداه تواضعاً. والأهم أنّه لم يكتفِ بما ناله من ثقافةٍ واسعة، بل سعى الى نشرها في محيطها وتعميمها على الآخرين، فكان صاحب رسالة ضحّى من أجلها مراراً ودفع أثماناً في حياته.
وهو تعمّق في الدين، ولكن زاده الأمر انفتاحاً على الآخرين ونبذاً للطائفيّة، بل تُسجّل له مناصرته لقضايا الإنسان، أينما وُجد ولأيّ دينٍ انتمى. وقد عبّر عن ذلك في ما كتب وعمل، فكان مُجيداً في الأسلوب والمضمون.
ولعلّنا في هذا الزمن الذي تراجعت فيه القيم وشحّت الوطنيّة وبات الاعتدال استثناءً، نحن أحوج ما يكون الى كبارٍ من أمثال نديم الملاح، ينثرون في هذا الشرق من عمق ثقافتهم وسعة عقولهم وصفاء أذهانهم.
نحن أحوج ما يكون الى تثبيت هذا الشرق كمنطلقٍ لحوار الحضارات وتكاملها لا تصارعها، كما يحصل في أيّامنا.
ونحن بأمسّ الحاجة الى نبذ التعصّب الذي أنبت الحركات التكفيريّة التي، من حيث تقصد أو لا تقصد، تخدم العدوّ الإسرائيلي وتتكامل معه في ضرب صورة شرق مهد الأديان السماويّة.
بقي من نديم الملاح الذكرى الحسنة، وبقي إرثه الثقافي والعمل الوطني وسيرته الناصعة.