في ظل البحث عن موازنة عادلة وعن موارد لضبط العجز، ينبغي أن تكون «الضريبة البيئية» جزءاً لا يتجزأ من الاجراءات التصحيحية والاصلاحية التي يجري بحثها. كما ينبغي على وزارة البيئة، بدل اضاعة الوقت في عقد مؤتمرات مع الجهات الدولية المقرضة والبحث عن تمويل خارجي من «سيدر» وغيره وزيادة الديون… التفكير في سياسات ضرائبية جديدة أكثر عدلاً وتوفيراً على البيئة واللبنانيين.
للضريبة معان ووظائف ايجابية جداً، للدولة والمجتمع والاقتصاد والبيئة. فهي المدخل الرئيسي لبناء الدولة (الراعية للمجتمع ولديمومة الموارد) ومصدر قوتها واستقلاليتها. وهي، أيضاً، مصدر أساس لبناء المواطنية (بدل الزبائنية). لذلك، لا يفترض أن تبقى وظيفتها او اهدافها هي نفسها، كاعادة توزيع الثروة وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، بل يجب أن تتطور لتطال تغيير التوجهات في المجتمع مع تطور الحاجات وحفظ الموارد وحقوق الأجيال المقبلة.
وهذا لا يترجم إلا بإضافة الأهداف البيئية على الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والمالية للضرائب، بما يؤدي الى تغيير السلوك، ويوفر الكثير على الطبيعة وخزينة الدولة والاقتصاد الأسري معاً.
ففليست وظيفة الضريبة البيئية، بالتأكيد، تأمين «تمويل معالجة النفايات» او ما يسمى «استرداد كلفة المعالجة»، كما يبحث الآن. بل ما هو اسمى، مثل تحقيق العدالة الأشمل، اي العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية في آن.
كما لا يفترض البحث في أي نظام ضرائبي من دون نقاش سياسات الدولة. فالضريبة جزء من هذه السياسات في القطاعات كافة، ويجب ان توضع ضمن إطار استراتيجي شامل للتنمية المستدامة، وتحت سقف حماية الموارد وديمومتها. وللضرائب وظائف عدة، إلا أن من بين أهم أهدافها تغيير مسارات وتصحيح اتجاهات خاطئة في الاقتصاد، وتحفيز ممارسات وعادات حميدة، او محاسبة اتجاهات مضر، التثقيف للحماية من مخاطر واضحة او محتملة.
فالضريبة على الأملاك البحرية والنهرية العامة، مثلاً، يجب أن تكون عقاباً على المخالفات لا لتأمين مداخيل للخزينة فقط. والضريبة على الوقود ينبغي أن تفرض لتخفيف الانبعاثات، لا أن تكون مجرد «تشبيح» في غياب أي سياسة للنقل العام وأي خطة لاعادة القطارات الى سككها (وهذا، بالمناسبة، مطلب افضل من اعتبار الدفع لعمال مصلحة السكك الحديد هدراً يجب وقفه). وهكذا. الضريبة التي كان يفترض التفكير فيها بعد بدء تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة (الذي لم يطبق)، هي مضاعفة الرسوم على كل أنواع التبغ وإيجاد الآليات اللازمة لمنع التهريب، للحدّ من زراعة الدخان على حساب المساحات الخضراء التي يفترض ان تخصص للمحاصيل الغذائية أولاً. الأمر نفسه ينطبق على رفع الرسوم الجمركية على مالكي أكثر من سيارة، كضريبة تصاعدية، لتشجيع استخدام النقل العام وعدم استسهال اقتناء الاسرة الواحدة أكثر من سيارتين حداً أقصى، ناهيك عن زيادة الرسوم على السيارات ذات الدفع الرباعي والمحركات الكبيرة التي تتسبب بالانبعاثات المضرة بالبيئة والصحة العامة. وللمساهمة في حل قضايا الإيجارات، يفترض وضع ضريبة على الشقق الفارغة لتشجيع أصحاب الشقق على بيعها او تأجيرها وخفض بدلات الإيجار المرتفعة، وحماية جبالنا عبر خفض الطلب على البحص والرمل والترابة (وهو، بالمناسبة، إجراء أهم من القروض السكنية). رفع الضريبة والرسوم على الأسلحة النارية وخرطوش الصيد والمفرقعات النارية، يمكن إلى إفادته المالية، أن يحول دون تشجيع هوايات القتل (المسمّى بالصيد) وعادات إطلاق النار والأسهم النارية، ويخفّف من التلوث ومن حرائق الغابات والاحراج.
يمكن أيضاً رفع الضريبة على المشروبات الغازية التي تستغل مصادر ينابيع المياه العذبة وتنافسها في السعر، وتحتوي على ملوّنات ضارة، وسعرات حرارية زائفة تتسبب بالسمنة وتضر بصحة أولادنا وتزيد من حجم الفاتورة الصحية، وكذلك على كل أنواع السكاكر المستوردة وأكياس الـ«تشيبس» المضرة والملوثة بنفاياتها والتي تأخذ مكان الإنتاج الوطني من الفواكه والمجففات. كما يفترض إعادة النظر بالرسوم على المياه المعبأة، لا سيما تلك التي تصدّر الى الخارج، وزيادة الضرائب على المنتجات والسلع والأدوات التي تستهلك كثيراً من الموارد في إنتاجها وتتحول الى نفايات خطرة او ضارة وكلفة معالجتها عالية جدا. والمطلوب، ايضاً، رفع الرسوم على الإعلانات بكافة أشكالها، لا سيما تلك اللوحات التي تأخذ مكان الأشجار على الطرقات، نظرا للأضرار والتشوهات التي تلحقها بالمنظر العام مع خلقها حاجات كاذبة والتشجيع على استهلاك سلع غير ضرورية.
هذه، وغيرها الكثير، من الضرائب المصنفة «بيئية» هي الأقرب الى العدالة الشاملة. إذ أنها تؤمن مداخيل مهمة لخزينة الدولة وتساهم في حماية الموارد الطبيعية وتحفظ حق الأجيال الآتية بالتمتع بما هو عام، من دون خصخصة او حرمان.
المصدر: جريدة الأخبار