على امتداد طريق عام حارة صيدا- جباع عشرات القرى المتلاصقة على خط واحد، تنتشر على جانبيها ظاهرة المقاهي المستنسخة عن بعضها البعض، كأنها “موضة رائجة” انتقلت من المدن إلى القرى. فكل عاطل من العمل، ويملك دكاناً أو محلاً، يفتتح مقهى للعب الورق وتدخين النرجيلة وغيرها من أمور التسلية المشروعة وغير المشروعة. فعلى سبيل المثال في بلدتي كفرحتى يحتوي شارع سكني بإمتياز، لا يتجاوز الثلاثمئة متر، على أربعة مقاه! مشكلة حقيقية بدأت تؤثر على حياة جميع قاطني الحي أو المنطقة حيث تتواجد المقاهي، التي بدأ عددها يزداد يوماً تلو الآخر.
مقهى من دون تدخين
على عكس تلك “الظاهرة”، يوجد في بلدة عربصاليم الجنوبية مقهى جديد، قد يبدو غريب الفكرة، لكونه لا يقدم النرجيلة ويمنع حتى التدخين فيه. اسم المقهى CofyBook أراده صاحبه أن يكون بسيطاً، ولعب في تسميته على حرف واحد مستوحياً التسمية من Copybook. وهو مشروع “التحدي” بالنسبة لصاحبه حسن صالح. فالمقهى أشبه بمكتبة عامة تمتلأ جدرانها بكتب، تناسب جميع الأعمار والأذواق، وتتنوع بين السياسية والدينية والروايات، لهواة القراءة. إضافة إلى زوايا في المقهى مخصصة للصغار. فالهدف الأساسي الذي أراده صالح هو المساعدة في نشر ثقافة القراءة، وعرض مفاهيم المطالعة في المجتمع، الذي غزته الهواتف الذكية وجلسة “الأرجيلة”. فقد انطلق صالح من تجربة شخصية عاشها في بلدته، دفعته ليفتتح هذا المقهى. فهو شغوف بالقراءة، وحدث أن اصطحب معه يوماً كتاباً للقراءة خلال تردده على أحد مقاهي عربصاليم لتدخينه النرجيلة. فبدا مخلوقاً غريباً عن المكان، ما جعل منه مادة لاستهزاء الحاضرين.
حكواتي القرية
يعبر صالح عن فكرة مقهاه بعبارة بسيطة: “المقاهي المنتشرة تروّج لسلعها وجلساتها بالأرجيلة، فيما مقهاي تتميز بالكتب، ومذاقات القهوة الجديدة غير المتواجدة في البلدة”. هدف صالح استقطاب المثقفين والناشطين الاجتماعيين في البلدة الذين يختبئون في منازلهم بعيداً عن ثقافة المقاهي القائمة، كونهم بحاجة لمساحة ثقافية فريدة من نوعها.
مع افتتاح صالح للمقهى توقّف عن تدخين النرجيلة، وعمل على تقديم مقهى ثقافي ترفيهي، يعد الأول من نوعه في الجنوب. كما استغل الأيام التي سبقت شهر رمضان للترويج للمقهى، بالإعلان عن إنضمام حكواتي إليه، ليعيد إحياء العادات والتقاليد التي اندثرت.
هذا وسيكون المقهى ملاذاً للأنشطة الثقافية اليومية والأسبوعية، وتقديم النصائح الغذائية لصيام صحي من أخصائي في التغذية.. إضافة إلى إنشطة تحثّ الأطفال على القراءة وعلى تعلم وممارسة الهوايات المتعددة، كالرسم والمسرح وغيرها من الأنشطة، ومحطة أسبوعية لمشاهدة الأفلام ومناقشتها. وسيشهد المقهى ورشاً تدريبية تفاعلية للتطوير الإيجابي وبناء المهارات، وغيرها من الأمور الثقافية والترفيهية التي سيقدمها شباب البلدة، الذين ينشطون في مجالات عدة: “فعربصاليم لديها اكتفاء ذاتي بالقدرات المتواجدة فيها وفي شتى المجالات الصحية والتعليمية والفنية والثقيفية”، وفق ما يقول صالح. أما الكتب فستكون معروضة للإعارة أو بيع وفق رغبة الروّاد ومن دون تكاليف إضافية.
الرهان ضد الفشل
بدت شابات البلدة الأكثر ترحيباً بالفكرة، فيما يراهن كُثر على عدم إمكانية استمرار صالح في مشروعه، كونه موجه إلى فئات معينة وإلى المثقفين. لكن وعلى العكس من ذلك، يسعى صالح إلى نقل تجربته إلى البلدات المجاورة، في السنوات المقلبة، منطلقاً لكسر جفاء المواطنين للكتب والمطالعة، وسعيهم إلى مضيعة الوقت بأمور لا تفيد في تنمية المهارات والقدرات العقلية للبشر.
المصدر صفاء عيّاد المدن