ومن جهة ثانية أضاف العلامة ياسين ان حالة المراوحة في اقرار الموازنة تعكس عدم مسؤولية البعض تجاه الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان وعدم الاهلية لقيادة هذه المرحلة الدقيقة.
كلام العلامة ياسين جاء ضمن خطبة الجمعة في مسجد المدرسة الدينية في مدينة صور حيث اضاف في الشأن الاقليمي شجب الجريمة البشعة التي يتعرض لها الشعب اليمني والتي كان اخرها بالامس التي ادت الى استشهاد مدنيين واطفال عزل من قبل التحالف الدولي والاقليمي على الشعب اليمني دون اعتبار لحرمة شهر رمضان.
وختم العىامة ياسين في ذكرى النكبة مؤكدا على ان المقاومة الفلسطيني هي التي تحمي القضية من كل المخططات وليس اخرها لعنة القرن المسماة بصفقة القرن التي ستفشل امام ارادة الشعب الفلسطيني المبدع والصلب والشجاع في مقاومته.
خطبة الجمعة[وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي 17-5-2019م
في السّنة العاشرة للبعثة النبوية الشريفة، وقبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات؛ توفي ناصرا رسول الله (ص)؛ أبو طالب وخديجة بنت خويلد، وكانت وفاة أبي طالب قبل وفاة السيدة خديجة بثلاثة أيام، بعد ثلاثة أشهر من خروجهم من حصار شِّعب أبي طالب الذي استمر ثلاث سنوات، حيث مَنَعَ عنهم المحاصرون [من بني أمية وقبائل مكّة] الطعام والشراب والبيع والشراء والتزاوج والتزاور، لأنّ بني هاشم رفضوا تسليم النبي محمد (ص)، وقد يكون ذلك الحصار سبّب لهم الضعف والمرض ثم الوفاة، وسمّى النبي (ص) ذلك العام بعام الحزن .
أبو طالب كفل ابن أخيه محمد (ص) والذي كان عمره ثمان سنوات، بوصيّة من أبيه عبد المطلب، احتضنه أبو طالب وقدّمه على أولاده، وقد كان يرى من الطفل محمد الخير والبركة، وقد أحبّه حبّاً شديداً، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه، وكان يُخرجه معه متى خرج، وكان يتوسّل فيه كل الخير .
أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب، أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب، ومعه غلام كأنه شمس دجن، تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام بأصبعهوما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، وأغدق وأغدوق، وانفجر له الوادي، وأخصب النادي والبادي. وفي هذا يقول أبو طالب:
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه … ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم … فهم عنده في نعمة وفواضل
ولأنه لم يكن يخرج بدون محمد؛ اصطحبه معه في رحلته إلى الشام، وكان محمد آنذاك في الثانية عشر من العمر، فلمّا وصلت القافلة إلى بُصرى تلقّاهم الراهب بُحيرا، بعدما رأى من محمدٍ ما جعله يستضيف القافلة، ليخلو به، وبعدها أوصى عمّه أبا طالب أن يحترز له من اليهود، فأسرع أبو طالب بتجارته وعاد بمحمدٍ إلى مكّة، وعندما بلغ محمد (ص) الخامسة والعشرين سنة؛ أراد له عمّه أن يخرج بتجارة إلى الشام بأموال خديجة بنت خويلد، بعد أن قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا . فعلمت خديجة بالأمر، فعرضت على محمد أن يخرج بتجارتها على أن تًعطيه ضعف ما كانت تُعطي غيره من الرجال، وقد كان ربحه أضعافاً مُضاعفة، فضاعفت له خديجة في الأجر، وكان ميسرة خادم خديجة الذي أمرته بمرافقة محمد؛ قد حدّثها عند عودته عمّا شاهده من محمد (ص) في هذه الرحلة من كرامات، فأرسلت خديجة مّنْ يُرغّب محمداً بالزواج، قيل أنها كانت أخت خديجة، وقيل مولاتها نفيسة، فكان جوابه (ص): ما بيدي ما أتزوّج به .
وجاء أبو طالب ومعه بنو هاشم ووجهاء قريش ليخطب خديجة من عمّهاأسد بن عبد الله بن أسد لابن أخيه محمد، فقال أبو طالب:الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضىء معد، وعنصر مضر، وجعلنا سدنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به رجل إلا رجح به؛ فإن كان في المال قلة فإن المال ظل مائل وأمر حائل، ومحمد قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها ما آجله وعاجله من مالي كذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل جسيم.
فلمّا أتم أبو طالب الخطبة؛ تكلّم ورقة ابن نوفل ابن عم خديجة، فقال: الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت، وفضلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كله، لا تنكر العشيرة فضلكم، ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم، فاشهدوا علي معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على أربعمائة دينار. ثم سكت ورقة. فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها، فقال عمها عمرو بن خويلد: اشهدوا علي يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد. وشهد على ذلك صناديد قريش.
وهذا يدلّ صريحاً أنّ أبا طالب كان مؤمناً بالله على دين جدّه إبراهيم الخليل، ولم يتحدّث عن اللات والعزى، وبعد أن نزل الوحي على النبي (ص) ودعا لتوحيد الله وترك عبادة الأصنام، وصلّى في الكعبة وعن يمينه علي، يأمر أبو طالب ابنه جعفر بأن يُصلّي معهم قائلاً له: صِلْ جناح ابن عمّك . ولمّا بلغه إسلام الحمزة فرح أبو طالب بذلك، ورفض عرض قريش بأن تُعطيه خيرة شبابها ويسلمهم محمداً (ص) ليقتلوه، فقال لهم: بئس ما تسوموني؛ تعطوني ابنكم أربيه لكم، وأعطيكم ابني تقتلوه ؟! فهدّدوه بإعلان الحرب عليه إن لم يفعل، فأخبر محمداً بالأمر، فكان جواب رسول الله (ص): والله يا عم؛ لو أعطوني الشمس بيميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه . فقال أبو طالب لابن أخيه مُطمئناً:
وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم *** حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا
فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ *** وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا
وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ *** وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا
وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ *** مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا
لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّةً *** لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا
وتحمّل الحصار في الشعب ثلاث سنوات، يأكل من ورق الشجر، وكان يُضحّي بأولاده ليحمي محمداً، فكان يضع النبي (ص) بينهم عند النوم، وعندما هاجر المسلمون للحبشة؛ أرسل أبو طالب إلى النجاشي أبياتاً يقول فيها:
تعلم خيار الناس أن محمداً *** وزيراً لموسى والمسيح ابن مريم
فلا تجعلوا لله نداً وأسلموا *** فإن طريق الحق ليس بمظلم
إنّ من طمس الله على قلوبهم يتهمون أبا طالب بالكفر، وأنه مات كافراً، رغم كل ما سمعوه من شعره وحرصه على رسول الله (ص) وحمايته له، وسار على ذلك من سُمُّوا علماء، متأثرين بالرواية الموضوعة ممن باعوا دينهم للسلطان، وخالفوا صريح الروايات، التي من بينها الحديث المشهور عند الفريقين، قول رسول الله (ص): يا علي؛ لا يُحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق .
لقد كان أبو طالب حكيماً، كتم إيمانه ليحمي رسول الله (ص)؛ قال أبو العزائم في كتابه [النجاة في سيرة رسول الله (ص)]: والحقيقة أن سيدنا أبا طالب هو رجل السياسة الأول في دعوة الإسلام، فالشواهد التى مرت من كلام الكهان، وعلامات النبوة جعلته يؤمن بسيدنا رسول الله (ص) من البداية سراً، وأظهر أمام قريش عدم النطق بكلمة الإسلام حتى يتمكن من فض المنازعات بين الرسول الكريم وبين صناديد الكفر والشرك في قريش، وكان له ما أراد والأدلة على ذلك كثيرة .
ويذكرالتلمسانى في حاشيته على الشفاء فقال عند ذكر أبى طالب: لا ينبغى أن يذكر إلا بحماية النبى (ص) لأنه حماه ونصره بقوله وفعله، وفي ذكره بمكروه أذية للنبى (ص) وكفر، والكافر يقتل .
توفي أبو طالب نتيجة المرض والمعاناة في شعب أبي طالب، مرافقاً وحامياً لرسول الله (ص)، فقبل الهجرة بثلاث سنوات فقد النبي (ص) المُحامي المُخلص، والعم الناصح .
أمّا خديجة بنت خويلد التي نشأت وترعرعت في بيت عزّ وجاه، ومن سلالة مؤمنة، كانت تُعرف قبل الإسلام بالطّاهرة، ومن رجاحة عقلها زواجها من محمد (ص)؛ خير شباب مكّة، عاشت مع رسول الله (ص) قبل البعثة خمسة عشر عاماً، فكانت مثال الزّوجة المُخلصة المؤمنة بما عليه زوجها، وراضية به، فكانت عندما اختار النبي (ص) الاعتكاف في غار حراء تحمل له الطعام والشراب، فتصعد جبل النور من دون كلل أو ملل، وعندما نزل عليه الوحي آمنت به، وأنفقت أموالها في سبيله، حتى قال البعض: قام الإسلام بحماية أبي طالب، ومال خديجة، وسيف علي . فكانت (ع) تُخفّف عن رسول الله (ص) ما يُعانيه من أذى قريش، وتهوّن عليه ما يلاقيه من سفهاء قومه، وشاركت النبي (ص)قساوة الحصار في شعب أبي طالب، ولم تذهب إلى قومها، وبعد الحصار بثلاثة أشهر لحقت بأبي طالب الذي سبقها بثلاثة أيام على ما في الروايات، حزن عليها رسول الله (ص) كثيراً، وكفّنها بالثوب الذي كان يلبسه عندما نزل عليه الوحي أوّل مرة؛ بطلبٍ منها .
كانت خديجة شريكة رسول الله (ص) في كل آماله وآلامه، وكانت المُعينة له على مكاره الدهر وأذى قريش، فحظيت بالمكانة الرفيعة والعظيمة عنده (ص)، فكان دائماً ما يذكرها، عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص)إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ، فذكرها يوما ، فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضبا . أسقطت في خلدي وقلت في نفسي : اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء ، فلما رأى النبي (ص) ما لقيت ، قال : كيف قلت ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني . وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في
مطلع قصيدةٍ له:
ولولا أبو طالب وابنه ***لما مثل الدين شخصا فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى *** وهذا بيثرب جس الحماما
ظُلم أبو طالب لأنه والد علي (ع)، حيث أنهم لم يجدوا مثلبةً ولا منقصة في علي (ع) فاختلقوا روايات تنال من إيمان أبيه، الذي أثبت بسيرته إيمانه، وأنه أول القوم إيماناً، ولو كان مات أبو طالب كافراً لاغتنمها معاويةُ فرصةً كبيرةً للهجوم على علي (ع) كما استدل بذلك سبط ابن الجوزي على إيمان أبي طالب؛ بأنه لو كان أبو الإمام علي (ع) كافراً لشنّع معاوية وحزبه والزبيريون وأعوانهم وسائر أعدائه عليه (ع)، خاصةً أنّ الإمام علي (ع) كان يذمّهم ويذكرهم بكفر آبائهم وأمهاتهم ورذالة نسبهم .
والروايات عن أئمة أهل بيت النبوة (ع) كثيرة في مدح أبي طالب وعظيم إيمانه، قال الإمام الباقر (ع): مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً . وكان الإمام علي (ع) يعجبه أن يروي شعر أبي طالب، وأن يُدوّنه، وقال: تعلّموه وعلّموه أولادكم؛ فإنّه كان على دين الله وفيه علم كثير .
في كل سنة من شهر رمضان المبارك علينا أن نواسي رسول الله (ص) بحزنه الطويل على فقد العم الحامي والكفيل وفقد الزوجة الوفية المخلصة، مع استخلاص العبر وإحياء ذكراهما (عليهما السلام).
إننا نشيد بالموقف المسؤول الذي تجلى من قبل الرؤساء الثلاثة في مواجهة محاولات تضييع حق لبنان في حدوده البحرية والبرية، وعدم الرضوخ للضغوط الأميريكية التي تخدم المصلحة الصهيونية على حساب لبنان.
إن حالة المراوحة في إقرار الموازنة تعكس عدم مسؤولية البعض تجاه الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان، وعدم الأهلية لقيادة هذه المرحلة الدقيقة.
وفي الشأن الاقليمي نشجب الجريمة البشعة التي يتعرض لها الشعب اليمني والتي كان آخرها بالأمس،والتي أدت إلى استشهاد مدنيين وأطفال عزل من قبل التحالف الدولي والاقليمي على الشعب اليمني دون اعتبار لحرمة شهر رمضان.
ونختم في ذكرى النكبة بالتأكيد على أن المقاومة الفلسطينية هي التي تحمي القضية من كل المخططات، وليس آخرها لعنة القرن المسماة بصفقة القرن، التي ستفشل أمام إرادة الشعب الفلسطيني المبدع والصلب والشجاع في مقاومته.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين .