كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال الاحتفال التأبيني الذي اقامه حزب الله لفقيد الجهاد والمقاومة الحاج أحمد خليل بيطار في نادي الإمام الصادق (ع) في مدينة صور، بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء فيها:
إننا نجتمع في هذا اليوم المبارك لنعرب عن فروض الاحترام والمودة والتكريم لأخ كان بيننا، وكان نموذجا للتفاني والتضحية والأخلاق الحميدة، فعرفته ساحات الجهاد في جميع مواضعه، ولم يتأخر يوماً عن القيام بالمهمة الموكولة إليه، وفي الوقت نفسه كان في بيئته ومجتمعه مثالاً للإنسان المتدين والأمين الذي يؤدي مهمته كخليفة لله على الأرض، فيحمل الأمانة الإلهية ويؤديها، والتي إن تمثلت بالولاية لصاحب الزمان (عج)، ومن خلاله وفي غيبته إلى قائد الأمة الإمام الخامنئي أعز الله نصره، أو لناحية انتمائه إلى درب الشهداء والمجاهدين، ألا وهو درب حزب الله.
إننا نؤبن فقيدنا العزيز اليوم ونعتبره شهيداً، لأنه من مات على ولاية أمير المؤمنين (ع) مات شهيداً، وفقيدنا العزيز الذي جاهد حق الجهاد، مات على الولاية التامة للأئمة الإثني عشر (ع)، مضافاً إلى الولاية في زمان الغيبة.
ليس المقام مقام إطالة، ولكن لا يخفى عليكم أننا في لبنان في هذه الآونة نعيش في مرحلة دقيقة وحساسة، سواء على الصعيد الاقتصادي، أو على صعيد ما قد يمكن أن يواجهه لبنان من تحديات في ضوء التطورات التي تجري في الإقليم، ولم يعد خافياً على أحد، أن أزمتنا الاقتصادية قد بلغت حافة النزول في الهاوية أو حافة الغرق، وكلنا نعلم أن عجز الموازنة قد تمادى، ووصل إلى حد بات يهدد فيه هذا العيش الذي أردناه ولو في الحد الأدنى كريماً، إلا أنه بات مهدداً بعجز الموازنة المتمثل في أن نفقاتنا تزيد عن وارداتنا كثيراً، ولذلك كان الحريُّ بهذه الحكومة حين وضعت مشروع الموازنة، أن تعمد إلى محاولة الموازنة بين الواردات والنفقات، وهي سعت إلى ذلك، وتقدمت إلى مجلس النواب بمشروع قانون للموازنة، تعكف لجان المجلس على دراسته في هذه الآونة.
إن اللبنانيين جميعاً معنيوّن بنقاش هذا المشروع، لأنه في النتيجة يمس حياتهم اليومية بجميع تفاصيلها فضلاً عن مستقبلهم، وفي هذا الاطار، يجب أن نلاحظ أن مشروع قانون الموازنة هدف إلى ضبط الانفاق، وهو تصرف سليم، ولذلك عندما يزداد العجز في الموازنة، تسعى الدولة إلى ضبط إنفاقها، وهذا أداء سليم، ولكن المسؤولية تحتّم علينا، أن ننظر الى مجموع النفقات بأكملها، لا أن ننظر إلى نفقات دون نفقات أخرى، ونحن نفهم أن الحكومة تسعى إلى ضبط الانفاق الجاري الذي يشكل تقريباً 32% من النفقات، ويعني الرواتب والاستثمارات والموازنات التشغيلية، ونفهم أيضا أن من الإنفاق الذي يجب ضبطه، هو ما يتعلق بالصرف على مؤسسة كهرباء لبنان، لناحية دعم المحروقات أو ما إلى ذلك، وهذا تصرف يجب أن يكون أيضا ويناقش في المجلس النيابي، سواء إن كان يتم على السوية المطلوبة أو لا يتم.
إننا لا نستطيع كمراقبين أو كمواطنين إلاّ أن نسأل، ماذا فعلت الحكومة بشأن ضبط النفقات في الجزء الأساسي الأكبر من النفقات، ألا وهو ما يصرف على خدمة الدين، فنحن ندفع 36% من النفقات فوائد دين، وبالتالي فإن السؤال الذي يسأله المواطن في ظل الإجراءات والنقاشات التي تتم بخصوص رواتب الموظفين والموازنات التي ستعطى للمؤسسات والهيئات والأجهزة والأسلاك وغيرها، ماذا فعلت الحكومة بشأن 36% من النفقات، مع العلم أن عجزنا في الموازنة، يساوي ما ندفعه من خدمة الدين، وهذا يعني أنه لو لم يكن علينا في لبنان خدمة دين، لما كان لدينا عجز في الموازنة، أي أن وارداتنا تغطي نفقاتنا.
عندما طرحت هذا السؤال على بعض المعنيين، قالوا إن هذا الموضوع حساس جداً لأنه يتصل بسعر صرف الليرة، ومن الأفضل أن يتم بحثه بعيداً عن الإعلام، ولكن نعتقد أننا كنواب أو كمواطنين، بأننا لا نستطيع حين نسأل ماذا فعلت الحكومة بشأن خدمة الدين، أن نجيب بأن هذا أمر سري ولا يمكن أن نُطلع عليه أحد، بل إننا من موقعنا لا نعرف لماذا هذه السرية، علماً أنه في جميع الدول التي تعاني عسرة اقتصادية، تجري مفاوضات بين السلطة التنفيذية وبين أصحاب الدين، وعليه، فما المانع من أن تجري مفاوضات واضحة وشفافة بين السلطة التنفيذية في لبنان وبين أصحاب الدين، سواء كان الدين الخارجي أو الدين الداخلي الذي هو أكبر جزء من الدين، وبالتالي فالتجلس الحكومة مع أصحاب الدين وتفاوضهم بضرورة تخفيض نسبة الدين هذا العام، أي أن يتم خفض الرقم الذي يأخذ تقريباً في السنة الواحدة من 7 مليار إلى 5 مليار، لا سيما وأنه ليس هناك من يقول بأنه عليكم أن تشطبوا الفوائد أو خدمة الدين، ولكن عندما نذهب للتفتيش في حلول في المعاشات وغيرها، يمكن لنا أيضاً بالمفاوضات مع أصحاب الدين الداخلي والخارجي، أن نصل إلى تخفيض الفائدة بنقطتين مثلاً، وعندها يمكن أن نوفر على الدولة بين المليارين وثلاثة مليارات دولار، وهذا الأمر يمكن أن يغنينا عن التقطير على مصالح ومعاشات يجب أن لا تمس، ونحن نفهم أنه في الدولة يوجد معاشات غير منطقية وغير مقبولة، ونحن مع السؤال عنها.
إننا نذكّر بأن الاحصاءات الرسمية تبين، أنه من عام 1993 وحتى عام 2017، دفعت الدولة اللبنانية خدمة دين لأصحاب الديون 77 مليار دولار، أي أن الذين أقرضونا منذ العام 1993 إلى العام 2017، ربحوا منا 77 مليار دولار، وفي المناسبة، فإن الدين الذي هو على الدولة اللبنانية بحسب ما تقول الحكومة يبلغ 80 مليار دولار، أي أن 97% من ديننا ذهب إلى خدمة الدين، ونحن نقول هذا الأمر كي نستفيد منه بالتفاوض مع الجهات الدائنة لتخفيض خدمة الدين، ونعتقد أن هذه المفاوضات من الممكن أن تكون شفافة وصريحة دون أن يكون لها انعكاس على المستوى الاقتصادي أو القطاع المصرفي أو سعر صرف الليرة، لا سيما وأن الذي يُهدد به المسؤولون والسياسيون الآن في لبنان، هو أنهم كلما فتحوا مسألة الدين وخدمة الدين، يقال لهم إنكم بذلك تمسون سعر صرف الليرة، ويمكن أن تطيحوا بعائدات اللبنانيين المودعة بالليرة اللبنانية.
أما في شأن ما يجعل هذه المرحلة دقيقة وحساسة هو ما يراه الجميع من تطورات إقليمية، فالوضع في المنطقة دقيق للغاية، فلا نستطيع نحن أن نقول للمواطنين بأن الوضع ليس دقيقاً وحساساً، فبالأمس حصل خطوة مهمة جداً هو إسقاط أهم طائرة استطلاعية من نوعها في العالم، ويمكن أن الأمريكي لم يكن متخيلاً أن الإيراني يستطيع أن يلتقطها أو يراها، ولكن الإيرانيين عرفوا من أي مطار انطلقت وفي أي وقت بالتحديد، وعرفوا عندما دخلت الأجواء الإقليمية التي من حقهم أن يدافعوا عنها، فعندها تم أسقاط هذه الطائرة.
في هذه المرحلة يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لنمنع العدو الصهيوني من استغلال أي مناسبة للانقضاض على لبنان، وهذا لا يمكن أن يكون بضمانات دولية، لأن الضمانة الدولية لا تفيد شيئاً في هذا الإطار، وعليه، فإن الطريق الوحيد لحماية لبنان من احتمال العدوان الصهيوني عليه، هو ما يتمتع به لبنان من قدرات على إلحاق الأذى في الكيان الصهيوني، وعندما يتأكد العدو أن بوسع اللبنانيين فيما لو جرب خيار الحرب معهم، أن يلحقوا به أذىً مباشراً وقاسياً وقوياً، حين ذاك لن يقدم على عدوانه، فاليوم قالوا بأن الرئيس الأمريكي أخذ قراراً بتوجيه ضربات عسكرية إلى مواقع محددة ثم عاد وتراجع باللحظة الأخيرة، وعليه، فإن الذي يدعو العدو للتراجع عن ضربك، هو ما يعرف أو يقدر من رد سيكون لديك عليه، وبالتالي إذا كان العدو يطمئن إلى أن ردك ليس قوياً ومؤثراً، سوف تكون موضع استهداف.
بعض المرات التي يتحدثون فيها عن سلاح المقاومة في لبنان، يمكن أن تكون عن جهل أو عن عمد، ولكن لا يلتفتون إلى أن لبنان كلما ضعف، زادت احتمالات العدوان الإسرائيلي عليه، ولذلك ومن دون أن نتهم أحداً، فإن الداعي إلى المس بسلاح المقاومة، هو من يدعو إلى ضرب لبنان والقضاء على مقوماته بعدوان إسرائيلي غاشم، فالبعض ما زال يفكر في الطريقة القديمة بأن “قوة لبنان في ضعفه”، وأنه يجب علينا أن نجلس جانباً وعندها العدو لا يستهدف بلدنا، ولكن نقول لهؤلاء، أنه من قبل أن تدخل المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، أي منذ العام 1936 حتى عام 1964 وقت دخول المقاومة الفلسطينية، لم يرتاح لبنان ولا القرى الحدودية من هجمات العصابات الصهيونية أو الجيش الصهيوني لاحقا، ولذلك نحن نراقب هذه المرحلة بدقة عالية، وجوابنا عليها وعلى التطورات التي تحصل فيها، بأننا لن نقبل باستضعاف لبنان، ويجب على العدو أن يدرك بأن ما يعتبره فرصة سانحة لضرب لبنان، هو بالأحرى الفرصة التي سينتهزها لبنان لتكبيده هزيمة وخسائر فادحة لم يواجها منذ قيام كيانه الغاصب.
إننا في هذه المناسبة التي نستعيد فيها ذكرى حبيبنا وأخينا الذي عاش بيننا وضل صابراً ومجاهداً حتى الرمق الأخير من حياته، نقول هنا ولأهلنا في مدينة صور التي خرج منها هذا الإبن البار، نحن ملتزمون تجاه هذه المدينة بمسؤولياتنا، ونحن ملتزمون تجاه القضاء بمسؤولياتنا، ونحن نراقب معكم أن لا إصلاح جدي من دون استئصال حقيقي للفساد، ونحن نرى ونعرف ماذا يدور منذ ستة أشهر حتى الآن، فهناك طريق عند أوتوستراد الجنوب عند مدخل برج رحال يسير عليها عشرات الآلاف يومياً ولا تزال مقفلة، وبالتالي كيف للمواطن أن يثق بإجراءات الحكومة وهو يرى أن طريقاً لم يتحمّل الـ4 سنوات حتى بدأت تظهر فيه التصدعات، وحتى إذا انخسف لم يعد أحد يعرف من يتحمل المسؤولية، وحتى إذا بدأنا بالإصلاح، فقد مضى 6 أشهر والطريق لم ترمم حتى الآن.
نحن متحملون لمسؤولياتنا، ولكن ونحن نتحمل هذه المسؤوليات، لن نسمح لأحد وهو الفاسد أن يختفي خلف شقاق حزبي أو أخوي ليخفي فساده، لأن أول المتضررين من الفاسد، هو من يزعم أنه يمثلهم أو ينتمي إليهم، ونحن سنكمل في عملية إيصال الحق إلى أصحابه، ومحاسبة الفاسدين على أفعالهم .
تصوير:رامي أمين