لكن أم علي تخفي في تشققات وجهها سنوات من الإصرار والعزم، سنوات من #الاستقلالية والتحدي، وسنوات من الإيجابية والمحبة. أم علي القصة المخفية خلف هذا الصاج والوجه المشرق الذي يشبه بإشراقه خيوط مناقيشها الذهبية من طحين الذرة.
ففي زمن أصبحت معايير نجاح المرأة مكتباً فردياً مطلّاً على البحر، وأحمر شفاه من أغلى العلامات التجارية، في زمن أصبحت فيه المرأة الحديدية هي التي تتبوأ المراكز العليا لتقفز بعدها من ورشة عمل إلى أخرى، ومن مقابلة إعلامية إلى أخرى. بعيداً من لوائح Forbes لأنجح مئة إمرأة التي تجمع عدداً معيناً من النساء المثابرات. هناك في هذا السهل البعيد، قصص نساء ناجحات تحدّين واقعهن ومجتمعاتهن، وصنعن أحلامهن الصغيرة المخبأة في علب الشمس، حيث لم يتجرأ أحد بعد أن ينبش الغبار عنها.
أم علي، تلك المرأة المتواضعة التي تجلس خلف صاجها، هي امرأة حديدية أيضاً، وإن لم تضعِ أحمر شفاه، أو لم تجلس في مكتب فردي. أم علي، التي تتحسر على أنها لم تتعلم الكتابة والقراءة، صنعت اليوم اسماً امتدّ على حدود الوطن وطار ليحلق بعيداً في دول أوروبية عدّة.
تجلس أم علي لتتحدث إلى “النهار” عن بدايتها وطريقها التي شقّتها بساعديها وتكشف عن اسمها الحقيقي (منى الدر) الآتية من مجدل زون على الحدود الجنوبية. تروي لنا باقتضاب عن طفولتها التي حرمت فيها من أهلها. فقد ربّتها جدتها. وتتوقف لتقول: “مش مهم، عادي، مهم نعرف نكفّي حياتنا ونعيش فيها كيف ما نكون..فقراء..أغنياء..”. وتتابع: “كنت أشعر بحسرة لأنني لم أُمنح فرصة التعلّم، لكن جدتي زودّتني بمعرفة كبيرة ما زالت ترافقني حتى أيامنا هذه. علمتني أن أحب الناس، وأن لا أمرّ بلحظات غضب مهما كان السبب”. وتضيف بينما تحرك يديها: “كانت في كل مرة أغضب فيها تقول لي احملي الغضب عن جسدك وقولي “يا بحر خده”، اليوم أرى أنها هي الدافع والداعم الأساسي لي لكي أمضي في طريقي وأبحث عن لقمة عيشي”. وتنتقل لتقول إنها يوماً بعد يوم، تكتشف أنه بإمكان المرأة أن تصنع شيئاً أينما كانت ومهما كانت ظروفها. فالسلاح الوحيد الذي تحتاج إليه المرأة هو أن تعطي من قلبها بعد أن تكتشف قصة شغفها فتنتقل لتعطي أشياء من القلب إلى القلب، عندها تحقق المرأة نجاحات تعبّد طريقها المستقلة وتدفعها إلى الأمام”.
بدايات أم علي كانت عندما قررت دعم زوجها المزارع عبر زراعة حديقة المنزل بمحاصيل عدة وبيعها في دكان الضيعة في الجنوب، وبدأت تحصّل أرباحاً قليلة في التعسينيات، خولتها لأن تستخدم مدخول زوجها كمدّخرات فقط، لتفاجئه يوماً ما بكمية أموال جيدة طالبةً منه فتح حساب في المصرف. أما بالنسبة إلى رحلتها باتجاه العاصمة، فبدأت عبر سوق الطيب في عام 2004 عندما اكتشفها كمال مذوق بمساعدة نساء أخريات من اللواتي دعمنها في بداية المشوار، تحت إسم “شركاء الأرض” التي هدفت إلى تحضير المونة البيتية الجنوبية وبيعها في السوق. بعد فترة قصيرة شعرت أم علي أنها تحتاج إلى عنصر تحدٍّ جديد، فأضافت الصاج الذي لقي أصداءً مشجِّعة في البداية، ثم بعدها أصبح هناك زوار للسوق ليتذوقوا فقط منقوشة: “أم علي”، الإسم اشتهر اليوم، لتصبح أم علي الوجه خلف محل المناقيش “أم علي” المعروف في الجميزة.
على الرغم من قصة النجاح هذه، تشير أم علي إلى أنها تعرضت للكثير من المواجهة في عائلتها، فدعاها البعض إلى التوقف عن العمل وعدم الذهاب إلى بيروت. وذهب البعض إلى االقول: “بنتك مفحّلة متلك” إشارةً إلى قوّتها وصلابتها وتحدّيها للواقع وللمجتمع. وعند سؤالنا لها هل أزعجتها تصنيفات المجتمع هذه؟ أجابت: “كلا، تضايقت قليلاً في البداية، لكن إيماني بقدراتي وبنفسي وبطاقتي الإيجابية دفعتني إلى المضي قدماً غير آبهة بكل ما رُسم حولي محددةً أهدافي”. مضيفةً: “أحلى مني الله خلقو أشطر مني دم اللي فلقو”.
أم علي تقول لكل إمرأة إنه يمكنها حماية نفسها. فهي قوية لا تحتاج إلى أحد لكي يساندها، وتدعوها إلى العمل والبحث عن كافة السبل التي تعطيها استقلالها المادي، لا أن تجلس في منزلها تنتظر أي رجل ليعطيها لقمة عيشها، فلماذا الضعف والخنوع؟