۞لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ۞
الحجّ من الفرائض الإسلامية المهمّة، أوجبها الله سبحانه على المسلمين لحكمةٍ وغايةٍ ومصلحةٍ، قال تعالى “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً “، وأوجبه سبحانه في أيامٍ معدودات ومعلومات، يتجلّى فيها الجانب الروحي والعبادي بالمناسك المفروضة، ولها أهداف اجتماعية عظيمة، ولا يجوز تعطيل الحج، عن أمير المؤمنين (ع): لو عطّل الناس الحجّ؛ لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحجّ .
بالحج تظهر الأمة بمظهر التوحيد والوحدة، في حالة الإحرام الكل بلباس موحّد، والتلبية جميعاَ بلسان عربي فصيح موحّد، وكذلك في حالات الطواف والسعي والإفاضة، الجميع في حالة عبودية وإخلاص، فتسقط فوارق اللون والجنس والمذهب والانتماء والمنصب، فلا خصوصية لأحد، حيث الكل عبيد الله الواحد، وقد أشار إلى هذا المعنى إمام المتقين (ع) حيث قال:ألا ترون أن الله سبحانه أختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع. فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما. ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، وأقل نتائق الأرض مدرا. وأضيق بطون الأودية قطرا. بين جبال خشنة، ورمال دمثة ، وعيون وشلة، وقرى منقطعة. لا يزكو بها خف، ولا حافر ولا ظلف . ثم أمرآدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم. تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهلون لله حوله . ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم ، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا. وتمحيصا بليغا جعله الله سببا لرحمته، ووصلة إلى جنته. ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار، وسهل وقرار ، جم الأشجار، داني الثمار، ملتف البنا، متصل القرى، بين برة سمراء ، وروضةخضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ولو كان الأساس المحمول عليها ، والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء لخفف ذلك مسارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس ، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم. وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه . وقال (ع) في خطبةٍ أخرى: وفرض عليكم حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الانعام، ويألهون إليه ولوه الحمام، وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته . وقد أشارت سيدة نساء العالمين (ع) في خطبتها المشهورة إلى فريضة الحج؛ فقالت: وجعل الحج تشييداً للدّين .
الحج لم تأتي به الشريعة الإسلامية، بل أساس تشريع الحج وتعظيم الكعبة يعود إلى أيام النبي آدم (ع)؛ لأنّ الكعبة هي أوّل بيت وُضع من أجل عبادة الله سبحانه،قال تعالى ” إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ “، فحقيقة الحجّ أنه سفرٌ إلى الله سبحانه، ووفادة إليه، كما ورد عن الإمام الرضا (ع): علّة الحج الوفادة إلى الله . وأيضاً هو لإثبات العبودية والتسليم لرب العالمين؛ عن الإمام الصادق (ع): وهذا بيتٌ استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله قبلةً للمصلّين له ، فهو شعبةٌ من رضوانه ، وطريقٌ يؤدي إلى غفرانه ، منصوبٌ على استواء الكمال ، ومجمع العظمة والجلال ، خلقه الله تعالى قبل دحو الأرض بألفي عام ، فأحقّ من أُطيع فيما أمر وانتهى عمّا زجر الله المنشئ للأرواح والصور .
الحجّ ليس عملاً عبادياً فحسب؛ بل هو شعيرة من أهم الشعائر الإلهية التي أنعم الله بها على المسلمين، وهي بحكم الجهاد بالنسبة للمستضعفين من المسلمين، عن أمير المؤمنين (ع): الحجّ جهاد كلّ ضعيف . روى هشام بن الحكم قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: ما العلة التي من أجلها كلف الله العبادالحج والطواف بالبيت؟ فقال: إن الله عز وجل خلق الخلق لا لعلة إلا أنه شاء ففعل فخلقهم إلى وقت مؤجل، وأمرهم ونهاهم ما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دنياهم فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا، ولينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال، ولتعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله، وتعرف أخباره، ويذكر ولا ينسى، ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد، وسقط الجلب والأرباح، وعميت الاخبار ولم يقفوا على ذلك فذلك علة الحج . وعن الإمام الصادق (ع) أنهُ قال:حجّوا واعتمروا تصحُّ أبدانكم، وتتسع أرزاقكم، وتكفون مؤونات عيالكم . وقال (ع): الحاج مغفور له وموجوب له الجنة ومستأنف له العمل ومحفوظ في أهله وماله . وعن الإمام الصادق (ع) قال:الحجاج يصدرون على ثلاثة أصناف؛ صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله، فذلك أدنى ما يرجع به الحاج .
ومن الأركان المُهمّة في الحج هو الوقوف في عرفات، ورد عن رسول الله (ص): الحجّ عرفة . ليدلّ على عظمة يوم عرفة، وقد سُمّي بعرفة لقول جبرائيل لآدم وإبراهيم وللرسول الأعظم (ص): اعرف مناسكك . كما ورد في فضيلة شهر رمضان؛ أنه مَنْ لم يُغفر له في شهر رمضان لا يُغفر له إلاّ في قابل أو يدرك عرفة، وأكبر الذنوب في موقف عرفة من خرج منها وهو يائس من رحمة الله سبحانه، إذ لا يوم كيوم عرفة في النجاة من الذنوب ومن النار، حيثُ يُغفر لمن وقف في عرفة ولأهله ومن يلوذ به؛ لمن عرف حقّ ذلك اليوم .
الحج الذي نؤدّيه يُطلق عليه الحج الإبراهيمي، الذي دعا له خليل الرحمن بعد أن فرغ من بناء الكعبة، أمره الله أن يدعو الناس للحج، قال تعالى ” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ “، وعند المسلمين صار واجباً بقوله تعالى ” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا “، حتى عُدّ من ترك الحج بعد الاستطاعة كافراً، وحبّبت الروايات الواردة عن أهل بيت النبوة (ع) تكرار الحج لمن أدّى الفريضة، لما يبثّه في نفوس المسلمين من روح الإيمان والتقوى والجهاد، والالتزام الديني، لأنّ موسم الحج يعتبر ملتقى إيمانياً وتربوياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً، مع ما له من الأجر والثواب الجزيل، عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن رسول الله (ص): الحجة ثوابها الجنّة، والعمرة كفارة لكل ذنبٍ . وروى اسحاق بن عمار قال: قلتلأبي عبد اللَّه الإمام جعفر الصادق(ع): إني قد وطنت نفسي على لزوم الحج كل عام بنفسي،أو برجل من أهل بيتي بمالي. فقال: وقد عزمت على ذلك؟ قال: قلت نعم. قال: إن فعلت فأبشر بكثرة المال . وروي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: قال رسول الله (ص) لا يخاف الفقر والحمى مدمن الحج والعمرة.
وفي مثل هذا اليوم سنة 114هـ كانت شهادة الإمام الباقر (ع)، الذي أسّس لجامعة أهل بيت النبوة (ع)، التي أكمل رعايتها الإمام الصادق (ع)، وقد برزت في عهده الكثير من المدارس الفقهية، وكثُر نقل الحديث، وبرز العديد من الفقهاء والعلماء أمثال الزهري وهشام بن عروة، وظهرت بعض الفرق؛ كالمرجّئة والغلاة، وأخذوا ببث عقائدهم وإشاعتها بين الناس، وقد اتخذ منهم الإمام الباقر (ع) موقفاً شديداً، وأوضح في مقابل عقائدهم عقائد أهل بيت النبوة (ع)، وكان (ع) يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على الدين بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك . فأسّس الإمام الباقر (ع) حركة علمية بلغت ذروتها زمان إمامة ابنه الإمام الصادق (ع)، إذ ظهرت حركة علمية ثقافية في أوساط الشيعة كسرت حالة التقية، وأذابت حواجز الخوف عند طلاب العلم، الذين صاروا يقصدون المدينة المنورة لتحصيل العلوم والمعارف من الإمام الباقر (ع) ثم الإمام الصادق (ع)، حتى فاق عدد طلابهما الأربعة آلاف طالب، وفي مسجد الكوفة وحده يقول الحسن بن علي الوشا: أدركت في هذا المسجد ” يعني مسجد الكوفة، تسعمائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد.وقد تحدّث عن إمامة الإمام الباقر (ع) رسول الله (ص)؛ روى جابر بن عبد الله الأنصاري؛ أنه سأل رسول الله (ص): يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه يا جابر .وكان الإمام زين العابدين (ع) يوجّه أبناءه وشيعته لولده محمد الباقر (ع)، روى عمر بن علي بن الحسين قال:كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبتي؛ ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك… ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا (ع) فيملأها قسطا وعدلا وإنه الإمام أبو الأئمة.
كان العلماء يقفون بين يديه بتواضع وتقدير، عن عبد الله بن عطاء المكي قال:ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع)، وقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه.وقال فيه ابن حجر الهيثمي:قال ابن حجر: وارثه منهم عبادة وعلما وزهادة أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبأتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام، والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، صفى قلبه، وزكى علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين . وكتب الذهبي في وصف الإمام الباقر (ع) قائلاً:كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة .
ورد عنه (ع) قوله: إن الله تبارك و تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير هؤلاء الذين أعطاهم الله فمنعوا حق الله في أموالهم.وقال (ع): في التوراة مكتوب مسطور يا موسى إني خلقتك و اصطفيتك و قويتك و أمرتك بطاعتي و نهيتك عن معصيتي فإن أطعتني أعنتك على طاعتي و إن عصيتني لم أعنك على معصيتي و لي المنة عليك في طاعتك و لي الحجة عليك في معصيتك.
استشهد الإمام الباقر (ع) في زمن الأموي هشام بن عبد الملك سنة 114هـ .
إننا ندعو كافة المسؤولين إلى وعي دقة المرحلة التي يمر بها لبنان والمنطقة، والابتعاد عن المناكفات الشخصية؛ لتحصين لبنان في مواجهة ما يُحاك للمنطقة من مشاريع خبيثة، والتي أوّلها [مؤامرة القرن] في فلسطين، وآخرها التدخّل الأمريكي السافر في الشؤون الداخلية اللبنانية، وخاصة دور القضاء في لبنان .
إنّ تلهّي المسؤولين بمصالحهم الخاصة وابتعادهم عن قضايا الوطن والمواطنين يدفع للانحدار سريعاً وعلى كلّ الصعد [السياسية والإدارية والاقتصادية] . وإنّ تعطيل الإدارات الرسمية وخاصة مجلس الوزراء يدفع الأمور إلى الهاوية .ونستغرب كيف يتسارع البعض إلى شراء مبنى بـ 75 مليون دولار، وفي هذه الظروف بالذات، ويهملون مشروع سد نهر العاصي؛ الذي يُكلف أقل بكثير، بينما يؤدي إلى تطوير الزراعة وري أكثر من540 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المُعطّلة بسبب قـلّة المياه .
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين .
شاهد أيضاً
فرصة عمل في صور
Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …