۞إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ۞
النبي إبراهيم (ع) هو أبو الأنبياء، من ذرّيته إسحاق؛ جدّ أنبياء بني إسرائيل، وإسماعيل جد النبي محمد (ص)، آمن بالله سبحانه حين رأى قومه يعبدون أصناماً صنعتها أيديهم، أكّد لهم أنّ هذه التماثيل لا تضرّ ولا تنفع، وبتفكيره الفطري أدرك أنّ خالق هذا الكون واحدٌ ليس كمثله شيء، وثبت على إيمانه، ولم يُرعبه قرار النمرود وقومه برميهِ في النار، ليقينه أنّ من أعطى الإحراق للنار يمكنه أن يُنجيه من حرّها، وكان الله عند حسن ظنّ عبده به؛ فصيّرها برداً وسلاماً، وكانت أوّل انتصار إلهي لخليله إبراهيم (ع)، زاد إيمانه ووقع التشكيك في نفوس أعدائه الذين صدّق بعضهم إبراهيم (ع)، عاش نبي الله إبراهيم (ع) في موطنه إلى أن خرج بزوجته هاجر وولده إسماعيل إلى وادي البيت العتيق، وتركهم حيث لا ماء ولا كلاء، إذ قالت له هاجر: أتتركنا هنا حيث لا ماء ولا كلاء؟! فدمعت عينُ إبراهيم، فقالت له هاجر: هل هذا بأمرٍ من الله؟ فأومأ لها برأسه دون أن يكلّمها، فرضيت بأمر الله مؤمنةً بأنّ الله سبحانه لن يتركهما لقدرهما، فأخرج لهم الله ماء زمزم، وصار المكان معروفاً، وصار إسماعيل فتى يرفع مع أبيه قواعد البيت، ويستسلم إسماعيل لرؤيا أبيه التي أدرك أنّها أمرٌ من الله، فقال لأبيه ” يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ” فألقاهُ على وجههِ ليذبحه، فأمسك بيده جبرائيل وقدّم إليه كبشاً من السماء ليذبحه بدل ولده فداءً له، فصار العاشر من ذي الحجة يوم عيدٍ يمارس المسلمون فيه سُنّة إبراهيم الخليل (ع) في الذبح في يوم النحر الذي صار شعيرةً من شعائر الحج، يجوز للحاج بعده أن يُقصّر ويحلّ من إحرامه، ولا يبقى عليه من محرمات الإحرام إلاّ الطيب الذي يحل بعد السعي، والنساء التي تحل بعد طواف النساء، وهو آخر أعمال الحج .
عيد الأضحى أحد عيدين جعلهما الله للمسلمين في ختام عبادتين أساسيّتين؛ عيد الفطر بعد الانتهاء من صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى بعد الخروج من عرفات حيث ينادي ملكٌ بأمر الله: أيها الحُجّاج؛ عودوا إلى أعمالكم، قد غفر الله لكم . فجعل لهم صبيحة تلك الليلة عيداً هو الأضحى، يقول فيه أمير المؤمنين (ع): اَلا وَ اِنَّ هذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ حُرْمَتُهُ عَظيمَةٌ ، وَ بَرَكَتُهُ مَاْمُولَةٌ ، وَ الْمَغْفِرَةُ فيهِ مَرْجُوَّةٌ ، فَاَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ ، وَ تَعَرَّضُوا لِثَوابِهِ بِالتَّوْبَةِ وَ الْأِنابَةِ ، وَ التَّضَرُّعِ وَ الْخُضُوعِ ، فَاِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ، وَ يَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ ، وَ هُوَ الرَّحيمُ الْوَدُودُ .ويقول: وَ اْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ اَعينُوا الضَّعيفَ ، وَ انْصُرُوا الْمَظْلُومَ ، وَ خُذُوا فَوْقَ يَدِ الظَّالِمِ وَ الْمُريبِ وَ اَحْسِنُوا اِلى نِسآئِكُمْ ، وَ ما مَلَكَتْ اَيْمانُكُمْ ، وَ اصْدُقُوا الْحَديثَ ، وَ اَدُّوا الْاَمانَةَ ، وَ اَوْفُوا بِالْعَهْدِ ، وَ كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ ، وَ اَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْميزانَ ، وَ جاهِدُوا فى سَبيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَ لا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ . وورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع) يوم عيد الأضحى: أللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ، وَالمُسْلِمُونَ فِيْهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أقْطَارِ أرْضِكَ، يَشْهَدُ السَّائِلُ مِنْهُمْ وَالطَّالِبُ وَالرَّاغِبُ وَالرَّاهِبُ، وَأنْتَ النَّاظِرُ فِي حَوَائِجِهِمْ.
يجتمع المسلمون صبيحة يوم العاشر من ذي الحجة في منى في مشهد واحد، وتلبية واحدة، ولباس موحّد، يتوجّهون إلى جمَرة العقبة لرميِها استذكاراً لرمي إسماعيل لإبليس حينما حاول أن يوسوس له فلا يُطيع أباه، وبعدها النحر، في مشهد واحد يقوم الجميع برمي الصخرة بسبع حصيّاتٍ تأسياً بإسماعيل، إسماعيل (ع) رمي ابليس؛ فهل نرمي خطايانا ونجعل هذا الموقف الموحد لندرك أنّ الإسلام أمّة واحدة وجسد واحد؟ ولا تكون أفعالنا مجرّد طقوس دون أن تنعكس إيماناً يجعلنا نسلّم في كلّ أمورنا إلى الله سبحانه ننفذ ما يأمرنا به الله، ولو لم ندرك مصلحتنا الدنيوية من ذلك، بل يتأكّد عندنا التسليم لله لتكون أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، لأنّ الله لا يأمر إلاّ بما فيه مصلحة دين ودنيا العباد، ولم ينههم عن شيءٍ إلاّ وفيه مفسدة في دنياهم وآخرتهم يجب أن يجتنبوه، ونستذكر ما ورد عن رسول الله (ص) في حجّة الوداع ونعمل عليه: أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت .
إنّ يوم الأضحى فرضه الله لنا لنكون على استعداداً للتضحية بكلّ شيء في سبيل الله، ولا يشغلنا شيءٌ عن ذكر الله وطاعته، فتكون طاعة الله آثر شيءٍ لدينا، وأحب أمر عندنا، لأنّ ربّنا واحد وأبانا واحد فكلّنا من آدم، وآدم من تراب، ولا فضل لأبيضٍ على أسودٍ ولا لذكرٍ على أنثى ولا لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى، ولا نسب ولا مال يرفع يرفع ميزان أحد مقدار ذرّة ” إِنَّأَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” ولم يرد في كتاب الله ولا في السنة الشريفة آية أو حديث يمدح فيها إنساناً بنسبه أو بذم نسبه، وإنما يمدح بالإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان، وقد ذمّ القرآن ابن نبي الله نوح (ع)؛ فقال لنوح ” إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ ” ومدح رسول الله (ص) سلمان الفارسي بقوله: سلمان منّا أهل البيت . لأنّ سلمان انتسب للإسلام فقال: أنا ابن الإسلام . في وجه من أراد أن يتفاخر عليه بنسبه بأنه ابن الأوس أو ابن الخزرج .
إنّ شعيرة الحج فرصة لمراجعة النفس، سواءً على صعيد الفرد؛ ليدرك مقدار إخلاصه وطاعته لله، أو على صعيد الأمة؛ لتوحّد صفّها وتطيع ربّها وتواجه أعداء الله سبحانه، التزاماً بقوله تعالى ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” إنّ من يبقى في قلبه بعد الحج غضاضة على مسلم، أو استهتار بفريضة أو حق؛ فإنّه لا يُكتب من الحجيج؛ بل من أهل الضجيج .
لأنه لا يكون ملتزماً بالمنهاج الذي رسمه له رسول الله في خطبته بعد حجة الوداع، التي رواها الفريقان،وعرفها العام والخاص، وكما أخرجها أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني بهما أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما .
بطاعة الله سبحانه وطاعة رسوله (ص) يكون الفوز والنجاة، وعندما اختلف المسلمون وخالفوا رسول الله (ص) وقع بنهم التنازع، وتسلّط عليهم أعداؤهم، وتسلّط عليهم حكّامٌ تسمّوا بالمسلمين – وهم أبعد ما يكونوا عن الإسلام – فظلموا أنفسهم وظلموا الأمة بركونهم إلى الكفار ومخالفتهم لله فيما نهاهم عنه “وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ” .
قسّموا العرب بعد سايكس بيكو وأخذوا منهم فلسطين، وعملوا على تقسيم ما قسّموه دولاً إلى دويلات، لكنّ عباد الله الصالحين الذين أخذوا بالكتاب والعترة أسقطوا مؤامراتهم وأفشلوا الحرب الطائفية التي افتعلوها في لبنان لتقسيمه، وإن أخفوا قائد المحرومين والمستضعفين لتنفيذ مخطّطاتهم؛ لكنّ الخط الذي رسمه وبدعم الجمهورية الإسلامية في إيران، والأحرار في لبنان، فقد تمكّن المقاومون من هزيمة المشروع الصهيو أمريكي، ودحروا الجيش الذي – قيل أنه – لا يُقهر، ومنعوه من تحقيق حلم الصهاينة بإسرائيل الكبرى، وقالوا له ” وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا “، فكانت حرب تمّوز التي عشنا فيها نصراً إلهياً كانت ذكراها من أيام، ولم ينجح المشروع الصهيو أمريكي بتسليط التكفيريين على المنطقة، وكانت ذكرى هزيمتهم بتحرير الجرود منهم، فكان النصر المؤزّر على المشروع التكفيري، وبقي لبنان موحّداً بفضل الشعب والمقاومة والجيش، لكنّ مصالح المواطنين ومقدّرات البلد بقيت تحت أيدي من سلبوها، فمسؤولية الثالوث الذي حرّر الأرض أن يُحرّر مصالح العباد، إذ لا أمل في التغيير ما دامت الأمور خاضعة للمحاصصة والاستنساب، لأنّ المصالح الشخصيّة والأطماع لدى المسؤولين، والمحاصصة المتقاطعة مع أجندات الخارج؛ هي التي أضعفت الخدمات الاجتماعية، وتكاد تقضي عليها، فالعيد الحقيقي هو بطاعة الله سبحانه في أمورنا الخاصة والعامة، وامتلاك أمورنا والسعي لتحسينها، ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” .
إننا نهنئ المسلمين عموما واللبنانيين خصوصا بعيد الاضحى المبارك متمنين أن تتوقف بعض الانظمة العربية والاسلامية عن التضحية بقيم الاسلام من أجل المحافظة على سلطتها على الشعوب.
إننا نؤكد أن لبنان يحتاج لمسؤولين يتعلمون التضحية من الثلاثية الالماسية (جيش-شعب-مقاومة) لا لمسؤولين يتقاسمون السلطة مشددا على أن الثلاثية حمت وتحمي لبنان من العدوين الصهيوني والتكفيري ولكن على المسؤولين منع خطر الفساد المتمادي من النيل من قوة لبنان.
ونختم بالتأكيد على أن محور مواجهة المشروع الصهيوامريكي من سوريا الى اليمن مرورا بفلسطين سينتصر لان ارادة الله اقوى من كل القرارات والمجازر والارهاب الذي صنع ويصدر من المشروع الصهيوامريكي تارة صهيوني وتكفيري وتارة اخرى ضغوطات وحصارات وفتن وغيرها .
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين .