غوى قصير|
لقد تُركَ باب البيت مفتوحًا، رأيتهُ يذهب متخفيًّا من وراء الشق، لقد ترك مفتاحه على المنضدة، لم يأخذهُ، هذه ليست عادتهُ!
شعرتُ بخديّهِ وهو يُلاطفني، كُنت غارقة في نومي، لما رحلَ قبل أن يوقظني؟
تغيّرت عاداتهُ هذا النًّهار، حتّى أنَّ حقيبة سفرهُ كانت ممتلئة بالذكريات، لم يضع أكثر من عباءة واحدة، لكنّه وضع لنا صورًا كثيرة!
ترك لنا قبلاً وسنابل قمحٍ كنا قد قطفناها معًا من على شواطئ مدينة صباه، مدينة الأبجدية، هُناك حيث كبُرنا على يديهِ وأطعمنا حمَام “صور” من قمح مجده.
خُطاك تأخذني إلى رحلتنا الأولى في تلك المدينة حيثُ مشيت وقامتك التي كانت ظلّي، ظلًّا ثابتًا في عمري، كنا نسند ثقلنا عليه، ويداك التي كنا نلقي بينهما حمل الحصار والاحتلال!
أذكر صوتك الذي علا المنبر، وعمامتك السوداء التي كانت تلائم بشرتك البيضاء، وجملتك تلك: “سأبقى القلم الذي لا يُذرف إلاَّ بحبر الحقيقة مهما كانت مُرّة”
لا زلنا نلاحق خُطاك التي لم نكبر في سنينها، بل تركتْ لنا غصّة في الذاكرة، كيفَ لهذا الفقد أن ينضج مع السنين؟
أتعلم؟ صورك تُلاحقنا في أزقّة المدينة القديمة، وعيناك الخُضر زرعناها حقولاً حصدنا ثباتها على مدى غيابك الطويل، لو تعلم الحروب التي خُضناها، لقد هزمنا عدوّك الأوّل، ونصبنا راية النّصر باسمك، وذهبنا إلى قُدسكَ حُلمًا ونحن نردد جملتك: “عيشنا دون القُدس موت و ذُل”، سندخُلها وعدًا ونذكر اسمك يا “موسى” أولاً ونقول باسم ربّك الذي خلق: “ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ”. ونرفع عصاك الثابتة رُغم الغياب في وجوههم.
ستعود يومًا يا سيّدنا، بطريقةٍ ما، بطريقةٍ مختلفة، رُبّما مع الذين غيّبهم حرّ الصيف، ونرفع صورتك عند أعتاب قُرانا ونقول: “عُدت لنا”.
الصورة للامام الصدر مع اهالي مدينة صور