مع إصابة طفل بالسرطان، يبدو وجعه أصعب ما يمكن للأهل تحمّله. لكن يفاجئنا أطفالنا بقوتهم في كثير من الأحيان فنجدهم قادرين على تحمّل ما يعجز الراشدون عن تحمّله. ماجدة (10 سنوات) بدأت علاجها في مركز سرطان الأطفال في لبنان من 4 اشهر وحاربته على طريقتها. تحدت المرض بضحكتها الجميلة وبعينيها اللتين تضجان حيوية وأمل وقلبها الذي ملأته تفاؤلاً وإيجابيةً.
في هذه الفترة التي قد تبدو قصيرة، لكنها في الواقع حملت معها تجربة قاسية للأهل ولطفل من المفترض أن يستمتع بطفولته في هذه المرحلة، فاجأت ماجدة كل من حولها بإيجابيتها وحيويتها وقدرتها على تحمّل ألم يعجز الراشدون عن تحمّله. فتذكر والدتها أنها تحمّلت تقنيات علاجية لم يتحمّلها أحد سابقاً مثلها من دون تخدير. فلم تتذمر مرةً. حتى إن ماجدة نفسها لا تتردد في التأكيد أنه ليس في فترة علاجها في المركز ما يزعجها. “أستمتع بحضوري إلى مركز سرطان الاطفال في لبنان حيث ألعب وأتسلّى ولا تزعجني الفكرة أبداً. إذ يأتي من يلعب معنا قبل العلاج وبعده فلا نشعر بمرور الوقت”.
واقع صعب تتحمّله ماجدة بتفاؤل
رغم صعوبة الواقع وطول مدة علاجها من حالة اللوكيميا التي تعانيها ماجدة، حيث من المفترض أن تصل إلى حوالي سنتين ونصف، تتقبّله بإيجابية لافتة وبحيويتها المعتادة، كما تؤكد والدتها. “تتمتع ماجدة بشخصية قوية لم تتغيّر أبداً ولم تتأثر بالمرض وهذا تحديداً ما يمدّنا بالقوة. يكفي أن نراها بهذا التفاؤل والحيوية لنشعر بالارتياح. حتى أنها فاجأت من في المركز بقوتها وقدرتها على التحمّل. حتى إنها تقبّلت فكرة تساقط شعرها بإيجابية تماماً معتبرةً لك بمثابة تغيير آني في المظهر”. وتوضح والدة ماجدة أنه تم اكتشاف المرض لدى ابنتها من نحو 4 أشهر حيث عانت خلال أيام من بعض التعب، ثم ترافق لاحقاً مع بعض الغثيان ثم مع ارتفاع بسيط في الحرارة. “عندما استشرنا الطبيب، تبين له مباشرةً، وعلى أثر الفحوص التي طلبها أن ماجدة مصابة بالسرطان. كان وقع الخبر قاسياً علينا فماجدة ابنتي الكبرى المدللة ولم تكن هناك حالة سرطان سابقة لدى اي طفل في العائلة. فكان هذا مفاجئاً وشكل صدمة لنا. لكن كان لا بد من تقبّل الواقع فبدأت رحلتنا مع المرض والعلاج. ومع حضورنا إلى المركز وبعد أن تم توضيح كافة التفاصيل لنا بدت الأمور أكثر سهولة”.
لكن من حضور ماجدة إلى المركز بدت في غاية الحيوية ولم يستطع المرض أن يسلبها ضحكتها الجميلة وأملها بالحياة. فكأي طفل آخر، أتت إلى مركز سرطان الأطفال في لبنان حيث تخضع للعلاج وفي الوقت نفسه تستمتع وتفرح بأنشطته الترفيهية الكثيرة وحيث تتابع أيضاً دراستها بشكل عادي لعجزها عن الذهاب إلى المدرسة وممارسة نشاطاتها المعتادة في فترة العلاج. فها هي اليوم تتابع دروس المركز في الرسم والعزف على البيانو أيضاً لتتابع حياتها كأي طفل آخر. فهي تحضر مرة إلى المركز لجلسة العلاج ومرتين من أجل دروسها. في المقابل توضح والدة ماجدة عن أسوأ ما في العلاج “أسوأ في ما في هذه المرحلة بعض مضاعفات العلاج كالألم في الجسم وبشكل خاص بعض الأدوية القوية التي تتطلب المكوث ايام في المستشفى إلى أن يخرج من جسمها. لكن عدا ذلك هي ايام تمرّ ونأمل أن تمرّ على خير”.
ماجدة عن هذه المرحلة:”لا يزعجني شيء”
بفضل أملها بالحياة وإيجابيتها استطاعت ماجدة أن تسهل الأمور على نفسها وعلى أهلها وعلى من يهتم بعلاجها. فتؤكد بعينيها اللتين تشعان فرحاً أنه ما من شيء يزعجها في فترة علاجها. وبالنسبة لها المركز هو بمثابة مكان تستمع فيه أكثر مما هو مكان للعلاج والألم. فتنظر إليه نظرة إيجابية. وتذكر انها مرت ببعض الأوقات التي تألمت فهيا لكنها لا تركز عليها بل يسعدها أنها تتابع أنشطتها المعتادة ودراستها.
عن مركز سرطان الأطفال في لبنان
انطلق مركز سرطان الأطفال في لبنان في عام 2002 بدوره في معالجة الأطفال مرضى السرطان بشكل مجاني. وتوضح المنسقة التنفيذية لجمع التبرعات في مركز سرطان الأطفال في لبنان السيدة لارا تمساح شاكر أن المركز انطلق بشراكة ثلاثية بين مركز سان جود للأبحاث في الولايات المتحدة وبين مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت كأطباء ممرضين والجمعية التي تعنى بجمع التبرعات للمركز. “نحن نقدم العلاج المجاني والنفسي للطفل إضافة إلى دورنا في نشر الوعي حول الموضوع. علماً أن اعتمادنا الكلي هو على جمع التبرعات وما من مصدر تمويل آخر لنا غير المجتمع المدني والأيادي البيضاء لأشخاص يؤمنون بمهمتنا ولولاهم لم استطعنا المتابعة في رسالتنا”. هذا وتشير السيدة شاكر أن تكاليف علاج السرطان مرتفعة جداً وتصل في العام الواحد لكل طفل إلى 55 ألف دولار أميركي، ويعالج في المركز بمعدل 3 سنوات. أما ميزانية المركز للعام فهي 15 مليون دولار. تشكل هذه الأرقام العالية هاجساً للقيّمين على المركز لاعتباره لا يعتمد إلا على التبرعات لكنهم يعتمدون بشكل أساسي على إيمان الناس برسالتهم هذه وبدورهم الاساسي في مساعدة الأطفال المرضى وإنقاذ حياتهم ليتابعوها بشكل طبيعي كغيرهم من الأطفال.
من جهة أخرى، تشير السيدة شاكر “نحن نعتمد على مختلف شرائح المجتمع فليس للكل قدرات متساوية، بل يمكن لكل شخص أن يتبرع بحسب قدرته بدءاً من دولار واحد إلى التبرع الشهري إلى العشاء السنوي لاعتبار أن الكل معني بمهمة المركز. لذلك لدينا برامج متعددة لنصل إلى مختلف الشرائح ونتمكن من جمع التبرعات بحسب ما يناسب كل شخص. كما نتعاون مع مؤسسات كمطاعم وشركات يمكن بالشراء منها التبرع للمركز. لكن مما لا شك فيه أن الصعوبات زادت اليوم بسبب الأوضاع الاقتصادية. لكن ثمة اشخاصاً يستمرون بالدعم لتمسكهم بأهمية الإحسان. نجد صعوبات لكن ثمة خيّرين كثراً في المجتمع.
المصدر جريدة النهار