الرئيسية / ثقافة عامة / حين ألقاه …

حين ألقاه …

زهراء حيدر عجمي |
وفي حديثٍ عن لسان فتاةٍ شرّدتها الحرب تصفُ فيه شعورها بعد عودتها من مكان هجرتها:” إنّي أقف هنا، أستند على ما تبقّى لي من ذكرياتٍ وطفولة. الدّم في شراييني يكاد يغلي غليان البركان. قلبٌ بين الضّلوع يتخبّط كتخبّط السّجين خلف القضبان. عينان من هول الفاجعة راحت تتآكل شيئًا فشيئًا. شفاهٌ من شدّة الصّدمة ترتجف ويميل لونها نحو الأزرق في كلّ لحظةٍ أكثر. وجهٌ ذو ملامح طفوليّة بات يخطّ تجاعيدًا تحكي وحشة المنظر.
إنّي أقف هنا، قد انكسر ظهري، لا أب يمسك يدي، ولا أمّ تمسح دمعي..
أختي الصغيرة تركت لي حصانًا خشبيًّا تلطّخ بدمها. وأخي مضى. لم يبقَ لي منه سوى عطرًا يحبس أنفاسي.
إنّي أقف هنا، مكسورة الخاطر.. قد وضع أحدهم على رأسي إكليل الوحدة. لا صوتَ يصدر منّي، ولا صدًى يردّه من فراغات جدراني..
منزلي أخذته منّي الحرب. وتركت لي رماد ذكريات. صورٌ احترقت على الجدران فأثلجت صدرها بعد أن كانت مصدر دِفأَها..
إنّي أقِفُ هنا، أنا وسنواتي العشر.. أستنِدُ على وجعي.. أرفع رأسيَ المحني نحو السّماء، أرجوه أن يسكّن روعي، فإنّي يتيمة بعد اليوم لا أحد لي .. أقِفُ بين يديه لأنّني على يقينٍ أنّه وحده من سيشفيني.. أنّه وحده من سيحميني،
وأنّي حين ألقاه سأشكو له ما صنعته أيديهم.. أنّي حين ألقاه سأدلّه على من يتّمني وشرّدني على صِغَرِ سِنّي.. سأقول له كلّ شيء، دون حزنٍ، دون خوفٍ أو تردّد..
سأقول له كلّ شيء..

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم