Home / اخبار رئيسية / كيف دحض السيد نصر الله “نظرية المؤامرة” بالمعطيات؟

كيف دحض السيد نصر الله “نظرية المؤامرة” بالمعطيات؟

حسن شرف الدين – غفران مصطفى|

في خطاب السيد نصر الله الأخير دعا “جمهور المقاومة” إلى الانسحاب من التظاهرات، معقباً أن السبب ليس استناداً إلى “نظرية المؤامرة”، وكرر جملته مرتين، إنما ركز على امتلاكهم معلومات ومعطيات بنى على أساسها قرار الانسحاب.

تُعطي نظرية المؤامرة شعورًا بالرضا من الناحية العاطفية للجماهير، من خلال إلقاء اللوم على مجموعة حقيقية كانت أو وهمية وبناء سيناريوهات تبرر استهداف هذا الشعب أو غيره، فتعمد بعض الحكومات إلى “التخفي” خلف هذه النظرية، لتعفي نفسها من المسؤولية الأخلاقية أو السياسية في المجتمع من خلال إخفاء الحقائق عن الناس.

يُطالعنا كثيراً في الإعلام وما نسمعه في الخطابات ما يُسمى بنظرية المؤامرة. هذه النظرية التي خرجت في عشرينيات القرن الماضي وتحديداً في مجال الاقتصاد، إلى أن تطورت مفاهيمها مع تتابع الزمن وانتشرت، وصار يُبنى عليها في السياسة أيضاً. يتغير تعريف “نظرية المؤامرة” بحسب وجهة نظر مُطلقها، وتختلف وجهات النظر بين مؤيد ومعارض لهذه النظرية، وثمة من يعترض على أصل تسميتها بـ”نظرية” بالمعنى العلمي، لافتقارها معظم الوقت إلى البراهين والدلائل المنطقية، وتكون ذريعة لتبرير حدث ما وإخفاء حقيقته عن الناس وصياغة الأكاذيب.

مناسبة الحديث عن هذه “النظرية” تطرق السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير لها. فحين اندلع الحراك الشعبي في لبنان، كانت أهدافه جليّة لدى عامة الناس، مما دعا السيد نصر الله لمخاطبة الناس في بداية الحراك، متوجهاً إليهم بالتحية لهذه التظاهرات المطلبية المحقّة، نافياً أن تكون مدعومة من أطراف خارجية وأنه لا تشوبها شائبة. لكن وفي الأيام الأخيرة، بدأت تظهر مشاهد “شاذة” عن هدف الحراك الأساسي، إن كان على الطرقات العامة أو في ساحات التظاهرات، أو عمليات الاستفزاز التي كانت تحصل، مما نتج عنها من شجارات معلنة وكثيرة. الأمر الذي استتبعه تغيير في خطاب السيد نصر الله الأخير، المعدّل في مضمونه ناحية الحراك عن خطابه الأول، بعدما باتت النظرية أعلاه تتردد بين الناس، وأن جهات مشبوهة دخلت على خط الحراك، والاستمرار فيه سيؤدي إلى مآلات خطيرة، بحسب السيد نصر الله.

إن التهديد الأمني للبنان ليس جديداً، وسرعان ما يُدخل البلاد في تأزيم دولي وإقليمي عند المحطات الحساسة التي يمر بها، وذلك لما لهذه الدول من مصالح في لبنان، أبرزها استهداف المقاومة وحزب الله.

ففي خطاب السيد نصر الله الأخير دعا “جمهور المقاومة” إلى الانسحاب من التظاهرات، معقباً أن السبب ليس استناداً إلى “نظرية المؤامرة”، وكرر جملته مرتين، إنما ركز على امتلاكهم معلومات ومعطيات بنى على أساسها قرار انسحاب جمهور المقاومة من الساحات وفقاً للمعطيات التي تقول إن هذه الساحات مستهدفة سياسياً من الداخل والخارج، وقد بدأوا العمل على حرف مسار الحراك. وأعاد هذه الفكرة نحو 7 مرات لدحض استناد الحزب، كما يُشاع، على نظرية المؤامرة. فالسيد يعلم أن العمل وفقاً لهذه النظرية هو مخطط بدأ في الغرب، ويستعملونه في أميركا مثلاً لإخفاء الحقائق، وإقناع الشعب بما يريدونه.

أما السيد نصر الله فقد بنى قراره على المعلومات، وليس “التهويل” الوهمي بعدوّ خفي. وبذلك أسقط أي شرعية عن فكرة هذه النظرية، كي لا يتهمه أحد بأنه يحاول إخفاء شيء عن الشعب أو تضليله. وبالرغم من فحوى خطاب السيد نصر الله غير أنه وبمتابعة سريعة لمواقع التواصل، نجد بعض المعترضين على الخطاب أنهم يستندون إلى أن الحزب لا يزال يعيش تحت وطأة نظرية المؤامرة مما أدى إلى امتثال جمهوره لطلب انسحابهم من الساحات. وقد ساهم في هذا الأمر بعض من جمهور حزب الله حين اعترضوا بشكل حادّ على من رفض عدم النزول، وأصروا المشاركة بالتظاهرات، من خلال إجابات مثل “يعلم السيد ما لا نعلم نحن ولا أنتم”، في وقت قدم السيد نصر الله الكثير من الأدلة والإشارات التي تستوجب برأيه الخروج من ساحات التظاهرات، وليعلمهم بالحقائق، ولكي لا يبقوا بلا أجوبة، لأن “المؤامرة” يغذيها الغموض. انسحاب يستتبعه البدء بالعمل بالورقة الإصلاحية التي طرحها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. أما عن المعطيات التي طرحها السيد نصر الله في خطابه وبنى على أساسها خيار الانسحاب، فقد تركزت على شقّين أساسيّين: لبنان دخل دائرة التأزيم والتهديد الإقليمي والدولي، ومخاوف من إعادة اندلاع حرب أهليّة. وفنّدهما بالمعطيات التالية: قطع الطرقات بشكل مستمر وطوال الأيام التسعة للتظاهرات منذ ١٧ تشرين أول/ أوكتوبر، وعدم السماح للناس بالذهاب إلى أعمالهم، انتشار “الخوات” أي الذين يطلبون المال مقابل السماح للناس بالعبور، نشر الشائعات بأن فئة سياسية تدفع الجيش والقوى الأمنية للتصادم مع المتظاهرين، تسييس الحراك والتصويب على سلاح حزب الله في بعض الساحات ووصف الحزب بالإرهابي، دعم مالي مشبوه من بعض السفارات العربية والأجنبية، المطالبات بإسقاط النظام مما سيؤدي إلى الفراغ وهذا ليس من مصلحة البلد، بحسب السيد، وفقدان الحراك إلى مطالب موحدة وقادة تديره.

وبالتالي، حاول السيد نصر الله من خلال عرضه لهذه المعطيات أن يقول للناس، إن حزب الله لن يذهب بالبلد إلى المخاطر المعلنة والمجهولة باستمراره في الحراك، إنما يرفض نظرية المؤامرة من خلال تقديم الشواهد، حماية للبنان.

إن سيطرة نظرية المؤامرة على العقلية العربية، من شأنها أن تحبط العزائم أكثر من أن تشحنها، فهي لا تخدم آلية التصدي للمؤامرات الحقيقية في حال وجودها. والأهم من ذلك كله هو عدم إنكار هذه النظرية التي لا تزال بعض الأنظمة تتسلح بها في وجه شعوبها. عدم إنكارها بهدف دحضها، وأن يكون من ضمن أهداف التغيير في أي حراك في المجتمعات العربية هو محاسبة القادة أو الحكام أو المسؤولين إذا ما خلت كلماتهم وتصريحاتهم من أدلة ومعطيات وإجابات لكل الحذر والتهويل والحجج والتقصير تجاه شعوبهم، لئلا يمرروا بعض مصالحهم التي قد تكون مضادة لمصالح الشعب باسم “نظرية المؤامرة”.

الميادين

Check Also

غزة ما بعد العصر الإسرائيلي: قيامةٌ لا رجعة منها

يمثّل تحرير قطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي محطّة مضيئة في الصراع المستمرّ مع العدو، كونه …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم