جدياً إتخذ القرار بتسمية رئيس حكومة مكلف، غير الرئيس سعد الحريري، وذلك عقب اجتماعٍ عقد في أحد المقار الرسمية، بداية الأسبوع الراهن، جمع ممثلين عن التيار الوطني الحر، حزب الله، وحركة أمل، وذلك جراء المماطلة، والطروحات اللامنطقية، التي وضعها الأول، شرطاً لموافقته على قبول التكليف، بتشكيل حكومةٍ جديدةٍ، ومن هذه الطروحات غير المتوازنة، المتعلقة بشكل الحكومة المرتقبة، أن تكون بمجملها من غير السياسيين، أي من ذوي الاختصاصات، أو ما يعرف بـ “التكنوقراط”، والغريب- العجيب في هذا الطرح، أن رأس السلطة التنفيذية الفعلي، أي رئيس الوزراء، هو رئيس كتلة نيابية، وحزب سياسي، أمسك بزمام السلطة في لبنان، مع بدايات ولادة ما يسمى بالجمهورية الثانية، “دستور الطائف”، وتحديداً منذ العام 1992، حتى اليوم، تخلله غياب الحزب المذكور “المستقبل” عن السرايا الكبيرة، أعوام قليلة، من تلك الحقبة، خلال تولي الرؤساء: سليم الحص، عمر كرامي، نجيب ميقاتي، رئاسة الحكومة، لمدة لا تتجاوز بأسرها، الستة أعوام.
وهنا تطرح الأسئلة المحقة: “من المسؤول عن الحالة المتردية التي وصلت إليها البلاد، من فساد، ومحسوبيات، وإهدار الأموال العامة، وحماية المرتكبين، اليست الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ 1992؟.
ومن هي الجهة التي ضربت قطاعات الانتاج في لبنان، جراء اعتماد الاقتصاد الريعي، وشل اليد العاملة في لبنان، خصوصاً بعد رفع الفوائد على الودائع المالية في المصارف؟ وهل ينطبق على واقع لبنان الراهن، مقولة أبو النواس: ” … داونـــي بـالـتـي كــانــت هــــي الــــداءُ” لإنقاذ البلد من الانهيار والفوضى، باسترداد ولو قسم من الأموال العامة المنهوبة؟
إضافة إلى مسؤولية فريق الحريري الجسيمة، في ما آلت اليه الأوضاع، ففي حال وافق ثنائي التيار و الثامن من آذار على شرط الحريري، المذكور آنفاً، وإطلاق يده لتشكيل حكومة تكنوقراط، فهذا الأمر يشكل إنقلاباً على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، الأكثر ديموقراطية في تاريخ لبنان الحديث.
بالإضافة الى ذلك فإن مطلب الحريري، غير متاح، بعد تطبيق الطائف، الذي نزع السلطة من رئاسة الجمهوية، ووضعها لدى مجلس الوزراء مجتمعا، وهذا يعني، أن رئيس الحكومة المستقيل، يسعى لتشكيل حكومة ليس بوسعها أن تأخذ اي قرار، خصوصاً في ضوء التطورات التي تحدث في المنطقة، وتحديداً إستعادة الجيش السوري لمعظم أراضي بلاده، الأمر الذي يحّتم ضرورة عودة النازحين السوريين الى بلادهم، لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن لبنان، ولكن هذا الأمر، لن يتحقق الا بقرار حكومي لبناني شجاع، فهل تتخذ حكومة تكنوقراطية، هكذا قرار؟ . كما أن الحريري يضع شروطا أخرى على الثنائي المذكور، لقبوله “التكليف”، كشرط إستبعاد الوزير جبران باسيل رئيس أكبر كتلة نيابية عن الحكومة، كذلك وزراء حزب الله، وبعض الوجوه التي يعتبرها “مستفذة”، كالوزير علي حسن خليل.
أمام هذا التعنت لرئيس الحكومة المستقيل، تكونت لدى التيار والحركة والحزب، قناعة بضرورة التوجه الى اختيار أسم غير الحريري، لتشكيل الحكومة العتيدة، لأن أوضاع البلاد، لا تتحمل المزيد من “الغنج” والمماطلة، وتسويف المسؤولية. ومن باب حسن النيات، والتمسك بالحفاظ على الاستقرار، وتضامن مختلف المكونات اللبنانية، وتكافلها في التصدي للأزمة التي تتهدد الكيان برمته، قصد باسيل الحريري، لإبلاغه هذا التوجه، بعدما أبدى الأول بشكلٍ ظاهريٍ عدم رغبته بتولي المسؤولية، ولكن باطن الأمر ليس كظاهره، ويبدو أن هذا التوجه، أغاظ الحريري في الصميم، فأوعز الى الأجهزة التي تأتمر به، بالعودة الى لعبة الضغط في الشارع، واستغلال الاطلالة التلفزيونية للرئيس العماد ميشال عون، للتحرك بعدها، وقطع الطرق، وإثارة الشغب، في محاولة لثني هذه الثلاثي عن توجهه، بحسب مصادر سياسية مطلعة على مجريات الأمور.
أثر ذلك اختلطت الأوراق مجددا، وعاود “الثلاثي” الاتصال ببيت الوسط، وكما هو معلوم تم البحث بامكان تكليف الوزير السابق محمد الصفدي، تشكيل الحكومة المرتقبة، الأمر الذي استفذ الشارع، كونه أحد رموز السلطة السابقة، ومتورط بقضايا فساد، بحسب المعلومات المتداولة في الاعلام، وحتى الساعة لم تتضح الأمور، ومن هي الشخصية التي “ستكلف”؟
النشرة