وبما انّ التحويلات المالية الى الخارج كانت محظورة ظاهرياً منذ ان عاودت المصارف فتح ابوابها أول مرّة، إلّا انّ عمليات خروج أموال بأحجام كبيرة تواصلت منذ اندلاع الثورة في 17 تشرين الاول، وقد بادرت لجنة الرقابة على المصارف حالياً بالطلب من المصارف الحصول على لائحة مفصّلة بجميع التحويلات إلى الخارج منذ 16 تشرين الاول، على أمل أن يَلي ذلك تصرّفاً جدّياً بناءً على المعلومات.
وبما انّ إجراءات الـCapital Control التي اتفقت عليها جمعية المصارف، والتي على اساسها تعاود المصارف فتح ابوابها اليوم، حظّرت تحويل الاموال الى الخارج بشكل شبه كامل، وبالتالي بعد ان هرّب من هرّب أمواله الى الخارج، من المفترض ان تلتزم ادارات المصارف من اليوم وصاعداً حرفياً بالقيود وتمنع كليّاً خروج الودائع، علماً انّ قيود تقييد حركة التحويلات لن تساهم سوى في شراء الوقت وتأخير نفاد الموجودات النقدية بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان.
في النتيجة، لم يعد أمام المودعين المذعورين من فقدان أموالهم، خيارات كثيرة لحماية مدّخراتهم والحؤول دون خفض قيمتها بسبب ترجيح فرضية اللجوء الى الـ haircut عاجلاً أم آجلاً. لذلك، يقوم حاكم مصرف لبنان بتوجيه أصحاب الرساميل نحو الاستثمار في القطاع العقاري عبر تملّك الاراضي والشقق، وتحويل سيولتهم الى عقارات.
وكون السيولة النقدية غير متوافرة ولا يمكن ان تتم أي عملية بيع وشراء نقداً، سيلجأ أصحاب رؤوس الاموال الى شراء العقارات، ودفع قيمتها للمطوّرين العقاريين من خلال شيكات مصرفية، لأنّ العمليات المصرفية الدفترية، أي على الورق فقط، يمكن تنفيذها اليوم، لا بل هي مُحبّذة من قبل مصرف لبنان والمصارف ويتم الترويج لها. لماذا؟
– أولاً، لأنها تساهم في خفض حجم القروض المتعثرة التي فاقت بمعدّلها المعدّل المُسجّل في الولايات المتحدة قبل أزمة الرهن العقاري في عام 2008. فقروض القطاع العقاري تبلغ نحو 11 مليار دولار، وتمثّل نحو 16 في المئة من مجمل قروض القطاع الخاص، تبلغ القروض المتعثرة لهاذ القطاع حوالى مليار ونصف المليار دولار، أي نحو 25 في المئة من مجمل القروض المُتعثّرة.
وبالتالي، فإنّ أصحاب رؤوس الاموال سيبحثون عن مطوّر عقاري يقبل الدفع عبر شيك مصرفي يمكن ان يودعه في حسابه للمساهمة في خفض قيمة ديونه المصرفية التي تضاعفت جرّاء الفوائد المرتفعة.
– ثانياً، لأنّ توجيه الودائع نحو القطاع العقاري يساهم في حلّ جزء من أزمة المصارف عبر تحسين موازناتها من خلال خفض حجم القروض الهالكة، وإدخال سيولة نقدية فعلية تساعدها في معالجة مشكلة عدم التطابق في تواريخ الاستحقاق بين موجوداتها ومطلوباتها، وهو الأمر الذي أشارت اليه «ستاندرد اند بورز» في تقريرها الاخير.
– ثالثاً، يكون أصحاب الرساميل قد أمّنوا على مدّخراتهم وحوّلوها من سيولة في المصارف الى ممتلكات عقارية رغم انّ أسعار العقارات قد تشهد انخفاضاً، إلّا انّ التعويل يبقى على تعافيها في المدى الطويل.
فارس
في هذا الاطار، أكد رئيس مجلس ادارة «ليغاسي سنترال» المنصة الاستثمارية العقارية وأمين عام جمعية المطورين العقاريين في لبنان مسعد فارس انه بعد «قطيعة» طويلة، بدأ المطوّرون العقاريون خلال الاسبوعين الماضيين يتلقّون اتصالات كثيرة من المهتمين بشراء شقق وأراضٍ ومكاتب.
وقال لـ«الجمهورية» انّ «الجميع يتطلّع لفرص استثمار في العقار وعلى لسانهم كلمة واضحة، لطالما كان العقار أضمن استثمار»، معتبراً انّ هذا الحدث مُفرح ولو أتى خلال ظروف صعبة تمرّ بها البلاد.
وأشار فارس الى انّ المهتمّين بالشراء يتوقعون ان تكون أسعار العقارات «بالأرض»، إلّا انّ الحقيقة غير ذلك، «لأنّ المطوّر العقاري غير المديون على عقاره، لن يكون مستعدّاً لخفض أسعاره بشكل اضافي من اجل إيداع الاموال في حسابه المصرفي. أمّا المطوّرون المديونون للمصارف، فهم مستعدّون لخفض الاسعار ولكن بنسب ضئيلة، لأنّ الشاري اليوم بحاجة الى المطوّر بالدرجة نفسها التي يحتاج المطوّر إليه. وبالتالي، لن يكون هناك تراجع في الاسعار اكثر من الانخفاض الحاصل، والذي بلغت نسبته بين 25 و30 في المئة».
وأكد انّ المطوّرين على استعداد لقبول الشيكات المصرفية مقابل عمليات البيع، مشيراً الى وجود صناديق عقارية متخصصة مرخصة من هيئة الاسواق المالية يمكن ايضاً الاستثمار فيها.
المصدر: الجمهورية