إتَّخذَ فريق حلفاء واشنطن في بيروت قرارًا بتعطيل كلّ شيء تقريبًا، من الحكومة إلى مجلس النواب و”نزول”. حيث أنّ المطلوب اليوم أميركيًّا تجميد كل مظاهر الحياة السياسية في المجتمع اللبناني وإنتظار ما سيترتب عن الضغوطات التي تتوزَّع بين الاقتصاد والشارع.
هذا الخيارُ، باتَ واضح المعالم من خلال رصدِ أسلوبِ التعاطي مع مسألةِ تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، إذ يفرض الرئيس الأميركي معايير التشكيل ويُسلّحها بألغامٍ قابلة للانفجار متى حاولَ أحدٌ ما تفكيكها. ومن المستغرَب، أنّ رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري الطامح للعودة “على حصان طروادة”، هو من يقوم خلف توفير الحماية المطلوبة لتمرير هذا المشروع.ويبدو، أنّ الحريري، يستأنس في ملازمةِ وضعيّة التعطيل من ادناه إلى أقصاه وهو بملءُ الاستعداد لتعميمه على المستويات السياسية الرسمية كافةً، إذ يرفض القيام بأيِّ دورٍ ذات صلة بمفهوم “تصريف الاعمال” داخل الحكومة التي بتر أطرافها بقرارٍ معلوم المصدر ولو ضمن الاطار الضيق المتعارف عليه بمسألة “التصريف”، رافضًا توقيع أي قرار بصفته رئيسًا لحكومة تصريف الاعمال، وهذا الأمرُ انعكسَ على أدوار غالبية الوزراء، ولاسيّما المحسوبين على خطّهِ السياسيِّ، الذين يرفضون الحضور الى مكاتبهم لتوقيع أمورٍ ضرورية.في الوقتِ الراهن، يبدو أنّ لسياسات الحريري المستجدة داخليًا انعكاسات سلبيّة على طبيعة علاقته مع شركائه في الداخل، وهذا ما تجسَّد أمس الجمعة خلال العرض العسكري “الرمزي” الذي اقيم في اليرزة بمناسبة “الاستقلال”.الوقائع تدلّ، الى أنّ الحريري قد ابتعد كثيرًا عن شريكَيْه، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. تكرَّس هذا التباعد من خلال البرودة في السلام والكلام التي طبعت المشاركة، مضاف إليها النظرات التي لم تكن تخلو من العتبِ المُضمرِ الراكدِ تحت رمادِ الغضبِ، وهذا مفهوم، لكون مباحثات الملف الحكومي عالقة عند عدم رغبة الحريري في التنازل، و تموضعه ضمن خانة تطيير الحلول الممكنة، مراهنًا على عامل الوقت الذي سيؤدي دوره لاحقًا في تعزيز الشروط، كما يظن الحريري.في المحصّلة، يرفض الحريري القبول إلّا بحكومة تكنوقراط صافية مسقطًا الحُرم على ما عداها من حكومات، كذلك، يمنع “الشيخ سعد” غيره من الصعودِ إلى كرسي السرايا، مفعِّلاً حركة دائرية نحو أيّ مشتبهٍ به تؤدي إلى تطويقه وفي مرحلةٍ لاحقةٍ إسقاطه، هذا ما جرى مع الوزير السّابق محمد الصفدي والمحتمل حصوله مع أي إسمٍ جديدٍ.هناك اعتقادٌ راسخٌ، أنّ الحريري، يستحوذ اليوم على كرسي الرئاسة الثالثة فارضًا مظلة أمان حولها، وهو بالتالي يؤدي وظيفَتَيْن: ابقاءها فارغة ريثما تتبلور الاجواء وفق أجندته، وإبعاد الاسماء المرشَّحة عنها.لكن وعلى الرغم من ذلك، فإنّ “ماكينات الحلول” ما زالت تسعى إلى إنتاجِ أفكارٍ وتسويقها أو إعادة طرحِ أفكارٍ قديمةٍ وتعزيزها، كمثل حكومة تكنو – سياسيّة يقتصر عدد اعضائها على 24 وزيرًا مقسَّمين بين ثلثَيْن من التكنوقراط والثلث الباقي حزبي يسمَّى على حقائب وزراء دولة. لكن المعضلة تكمُن في شقَّيْن: من هو الرئيس المُقَتَرَح أن يتولّى هذه الحكومة ومن سيُسَمّي وزراء التكنوقراط المُفترَضين!لغاية الآن، تدور النقاشات الحكومية ضمن دائرة قصر بعبدا – عين التينة وحارة حريك، أي بين الحلفاءِ الثلاثة: رئيس الجمهورية – التيار الوطني الحر، حركة أمل وحزب الله الذين يبدو أنهم اتخذوا القرار بوضعِ حدٍّ للنزف الحاصل في الملف الحكومي ضمن حدود المحافظة على السلم الأهلي وإنتاج “حكومة عمل إنقاذية” تقوم على نهجِ التغيير ضمن تركيبة “تشاركيّة” بين السياسيين والتقنيين (تكنوقراط).
ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح