بدون شك التدابير المصرفية المشددة لم ترض المودعين ولم تبدد مخاوفهم رغم كل التطمينات التي هطلت والتي اعتادوا عليها.
واقع الحال، ان التضييق المطبق على السحوبات النقدية يطرح اكثر من سؤال .
وكأن من خالف التطمينات السابقة بان الوضع المصرفي متين ولا خوف على اموال المودعين فنقل حساباته الى الخارج قد ربح الجولة ونفد من الحصار المالي الراهن وذل الانتظار في المصارف.
صحيح ، ان التدابير المصرفية تسمح ببعض السحوبات المالية المقيدّة الا انها غير موّحدة بين المصارف وبحاجة الى اضفاء بعض المرونة عليها وذلك لاعادة الثقة الى المودع عمليا.
لقد أصبحت حركة الرساميل مقيّدة “Soft Capital Control”، وفقدت عمليات تحويل العملات الحرية المطلقة التي كانت تتمتّع بها، وأسوأ من ذلك، باتت التحويلات المالية من الخارج شحيحة ومقتصرة على مساعدات غير المقيمين لعائلاتهم.
واذا كانت المصارف غير قادرة على التقيّد بسقف المبالغ النقدية التي سبق وحددتها جمعية المصارف بألف دولار أميركي كحد أقصى في الأسبوع، لان سيولتها بالاوراق النقدية ضعيفة، فان تدّخل مصرف لبنان اصبح ملحا لمنع التعثّر .
المادة 123 من قانون النّقد والتّسليف، تنص على ان ” تخضع الودائع لأحكام المادّة 307 من قانون التّجارة، وبالتالي فإن الوديعة يتم تشغيلها من قبل المصرف، وفق ما يريده وكيف ما يشاء، ولكن عند الإستحقاق في حال طلب المودع ودائعه، فعلى المصرف أن تلبية الطلب ولو بدفعة واحدة أو بدفعات”.
على الصعيد القانوني ، الايداع في المصرف هو نوع من عقد بين المصرف والزبون (مودع). و هذا العقد هو بين طرفين يتمتّعان بحقوق وواجبات بموجبه. وإذا كان المودع يتقد بواجباته، فعلى المصرف أيضاً أن يتقيد بها
ولكن ، التدابير غير عادية لظروف غير طبيعية.
هل دخل لبنان دخل فعلياً نظام تحديد التبادل بين الداخل والخارج ؟ هل التدابير المصرفية الاخيرة حفظ ام حجز ام الاثنين معا على اموال المودعين ؟
بدارو
برأي الاقتصادي الدكتور روي بدارو انه لا يمكن فصل الوضع النقدي والاقتصادي عما يجري حاليا من مجموعة كباشات دولية واقليمية وداخلية حول الازمة الراهنة في لبنان. واركان هذا الكباش هم الاميركي والروسي والايراني والسوري ومن يمثلهم .
ويلفت الى ان اصحاب المصارف يترددون في استدانة الدولار من مصرف لبنان بعدما عمم هذا الاخيربضرورة الاستدانة بالدولار بفائدة 20% سنويا على فترة شهرين واذا تم تجاوز الفترة تصبح الفائدة 25% . وهذا الاجراء قابل للتغيير .
اذا ، لم تحصل الاستدانة مقابل السيولة علما انه في فترة سابقة ، ولزيادة الرسملة سمح للمصارف بضخ المزيد من السيولة بنسبة تصل الى 20% من رأسمالها الخاص بالدولار مقسمة بنسبة 10% في 2019 و 10% في مطلع العام 2020.
ويقول “للاقتصاد” : لا يوجد اوراق نقدية كافية للتداول في السوق المحلي . وبرأيي ، مصرف لبنان لم يلبي الطلب بما يكفي في 21 تشرين الاول الفائت حيث كان باع بما قيمته تتراوح كحد اقصى بمليون دولار لبعض المصارف فيما ان هذه القيمة كان المفترض ان تكون بحدود 4ملايين دولار . وتفاقم الوضع عندما سحب احد المصارف كل الدولارات من اجهزة الصرف الآلي ATM، وهذا انعكس بلبلة في السوق وخوفا لد ى المودعين . وما رافق ذلك من تصريحات لبعض الاقتصاديين غير المسؤولة زاد الطين بلة.
المرحلة صعبة . ورغم ذلك ، حتى اليوم، ما زلنا قادرين على الخروج من المأزق . ومسألة منع التحويلات تقع ضمن الكباش الدائر بين رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري وحزب الله وبعض احزاب السلطة.
اظن ان الضغط سيزيد بعد ايام قليلة خصوصا عندما سيعجز معظم الشركات عن دفع رواتب الموظفين والمسخدمين كاملة .
اما بالنسبة لقانونية التدابير المصرفية ، يقول بدارو : هناك فرق بين الحق والقانون . لاشك ان بعض المصارف طمع بالارباح دون احتساب الحاجة الى السيولة التي وصلت في القطاع المصرفي الى 2نسبة % ، بينما في السابق ، كان التباهي من قبل البعض منها ان هذه النسبة هي 30%.
فالحفاظ على القطاع المصرفي ضرورة ، ولكن على المصارف تلبية حاجات المودعين واحترامها علما ان الادارة في بعض المصارف لم تكن رشيدة كما يلزم .
لذا من الضروري ، اعادة رسملة المصارف والشروع في دمج بعضها وحتى ادخال مستثمرين جدد عرب واجانب او حتى دول مساعدة.
في الواقع، بغض النظر عن الاسباب الامنية والجيوسياسية التي اوصلت الامور الى هذا الوضع المأزوم، فان المسؤولية تقع بدرجة اولى على النظام السياسي والاقتصادي وعلى المحاصصة السياسية – الاقتصادية.
وكشف عن مرحلة سابقة في مطلع 2019، وبالتزامن مع فرض العقوبات الاميركية ، وما تبعها من زيارات متتالية لبعض الوفود الاميركية الى لبنان بغرض الاستقصاء انه جرى سحب ما بين 7 و8 مليارات دولار من المصارف دون ان يتم تحويلها الى الخارج ، وبعد ثورة 17 تشرين الاول قام احد اصحاب المصارف بتحويل مبلغ بقيمة 350 مليون دولار الى الخارج تبعها آخر بمبلغ بحدود 450 مليون دولار.
والسؤال لماذا سمح باخراج الرساميل الكبيرة ؟ هناك كباش بين مصرف لبنان وبعض المصارف.
وخلال الـ 20 يوما الاولى من الثورة بلغت قيمة التحويلات الى الخارج بما يناهز 800 مليون دولار وهي تعود لبعض اصحاب المصارف ولبعض النافذين.
من المسؤول ؟
عن الجهة المسؤولة عن هذه العملية، يقول: بدرجة اولى ضمير المسؤولين، وزير المال، مصرف لبنان والحكومة. أما اليوم، فلا ننسى ان جزءا من القرار أصبح بيد الانتفاضة التي عليها المراقبة والمواجهة وليس فقط بيد المؤسسات.
وعما اذا كان تشكيل حكومة جديدة من ذوي الاختصاص حائزة على الثقة يمكن ان يضخ الاطمئنان في الاسواق واعطاء النبض للاقتصاد يرى ان هذه الحكومة ستكون كالرأس بلا يدين . السلطة التنفيذية بدون القدرة على اصدار المراسيم التشريعية لا تستطيع صنع المعجزات . ويبدو ان ثمة عائقا كبيرا من قبل مجلس النواب للسماح بهذا و تسريع اتخاذ القراراللازم .
وبالتالي ، هناك ايضا بيان وزاري من المفترض تضمينه رؤية مستقبلية سليمة للخروج من الازمة الاقتصادية وتحقيق النمو . ولا يجدر بالحكومة الجديدة اتباع سياسة النعامة . لا بل على العكس عليها التمركز في موقع المواجهة بدون الدخول في لعبة المحاور .
ويضيف بدارو : اتكلم يجب توزيع الآلام وليس الاكلاف ولكن الألم الاكبر يجب ان يتحمله المستفيد الاكبر فيما لا يجب تحميل الفقير اي ألم .
ما وصلت اليه الامور اليوم على الارض لايمكن الرجوع عنه ، ولا عودة الى الوراء .
الصدمة الكهربائية الايجابية والتي تمهّد للحل مرتبطة بكيفية تعاطي حزب الله مع هذه المرحلة بواقعية وتقبل خروجه من الوزارة ، مع ضمانات وتطمينات من الداخل ومن الخارج ، كما يسعى اليه الفرنسيون .
فالشعب لم يعد يمتلك القدرة على الاحتمال . انها مرحلة انتقالية .
ويضيف الدكتور بدارو : هناك مساع فرنسية وبريطانية واميركية لايجاد المخرج المناسب في لبنان. وفي المقابل، هناك تمّن في تقديم مساعدة فرنسية والمانية عن طريق رصد مبالغ من اليورو وضخها في لبنان ضمن آليات خلاقة ، ولكن مع توجيهها الى القطاع الخاص وذلك خارج مؤتمر” سيدر” .
باختصار ، لا يمكن الاستمرار بالنموذج الاقتصادي- السياسي الحالي الذي قاد البلاد الى الانهيار.
الأزمة المالية والنقدية الراهنة في لبنان التي هي نتيجة تراكم سياسات خاطئة من الدولة لا وجود لحلول تقنية لها ، وليست بمتناول مصرف لبنان فقط ، بل بحاجة قرارات جريئة مبنية على المحاسبة والشفافية لاسترجاع الاموال المنهوبة والمنقولة في الداخل والى الخارج.
الاقتصاد