لكن التوتر الماضي، كان يأخذ وقتاً أطول قبل أن يبادر أحد الطرفين الى إسترضاء الآخر، خلافاً لهذه المرة التي بادرت فيها “الجديد” الى التودد لـ”حزب الله” بعد اسبوع فقط على تدهور العلاقة مع الثنائي الشيعي.
مساء الاثنين، فتحت القناة هواءها لنقل مباشر من الضاحية، نقلاً عن قناة أخرى، لنقل وقائع الوقفة التضامنية مع الشهيد حسين شلهوب تحت جسر المشرفية. وسبقتها بليلة واحدة، الاستضافة التلفزيونية لكارول معلوف التي تلقت تقريعاً من مديرة الأخبار في نشرة “الجديد” مريم البسام. وسبقتها بنحو ثلاثة ايام، استضافة الصحافي في “المنار” عباس فنيش، بشروطه، لإيضاح موقف الحزب من ملف تسريب أرقام هواتف الاعلاميين.
والمثير للاستغراب، بالشكل، أن قناة تلفزيونية محظورة من البث في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبالتالي من التغطية المباشرة منها، تفتح هواءها لحدث نقلاً عن قناة أخرى. علماً أن أربع قنوات تلفزيونية رديفة، تضامنت مع “الجديد”، ببيان، في مواجهة حظر البث.
غير أن هذا الاستغراب، سرعان ما يتبدّد، عندما يتمّ النظر في الخلفيات. فغياب “الجديد” فتح باباً واسعاً أمام منافسيها لتحل مكانها، لا سيما “إل بي سي” في المقام الأول، و”ام تي في” في درجة أقل، خصوصاً لجهة متابعة الاحداث المرتبطة بالاحتجاجات اللبنانية، وبينها واقعة “الرينغ” مساء الأحد.
وفي هذه الحالة، فإن حجم “الرايتنغ” الذي كانت تحققه، تضاءل لصالح قناتين أخريين، تتصدرهما “ال بي سي” التي حلت سريعاً مكان “الجديد” على المستوى الشيعي، وخاطبت البيئة الشيعية بصرياً فكسبت جزءاً من ثقتها، على خلفية تغطيتها المباشرة، الى جانب “المنار” و”ان بي أن”، وقائع دفن سناء الجندي وحسين شلهوب يومي الإثنين والثلاثاء. وهو ما يعد بديلاً سريعاً لـ”الجديد”.
ذلك ان “الجديد”، هي أكثر المقربين من البيئة الشيعية منذ حرب تموز 2006، يوم فتحت استديوهاتها لـ”المنار”، ويعتبرها حلف الممانعة الأقرب اليه في المشهد الإعلامي. وتستحوذ على حصة الأسد في صفوف الشيعة غير المحزبين، والسنّة غير المحزبين، الى جانب اليساريين من طوائف أخرى. وعليه، فإن الخسارة على مستوى المشاهدة، بموازاة تراجع الكعكة الاعلانية وتراجع المال السياسي، سيكون مكلفاً، وهو ما تتحسسه “الجديد” لحفظ موقعها، ما يدفعها للتنازل.
وبناء على خلفيتها وقربها من الممانعة، يصبح حظرها أولوية بالنسبة لهذا الحلف الذي حظرها دون “إل بي سي” و”إم تي في”، وهي القنوات المؤيدة للثورة اعلامياً (“ال بي سي” إلى حد أقل)، على ضوء نسبة مشاهدتها العالية في صفوف الممانعين. ويبدو أن حظرها يعود الى هذا السبب، في المقام الأول، يليه سبب آخر مرتبط بالعرض اليومي المسائي المرتبط بفتح ملفات الفساد.
منذ الأسبوع الأول لانطلاق الثورة، جهّز فريق “الوحدة الاستقصائية” ملفات ثقيلة جداً، عرضت ثلاثة منها خلال الأيام الثلاثة الأولى (ملف مدير عام الجمارك، وملف تجهيزات شركة تاتش، وملف الـ11 مليار دولار في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة 2007 و2008)، كما عرضت القناة ملفات ثقيلة أخرى مثل ملف أدوية السرطان وملفات قضائية أخرى. وبسبب البث المتواصل للملفات، بما يتخطى قدرة اي صحافي على الحضور بملفات من الوزن نفسه طوال 30 يوماً على الأقل، يصبح لزاماً عليه، بعد فترة، الذهاب الى ملفات أخفّ.
ذهبت القناة الى شبكة مراسليها لاستحضار ملفات صغيرة في المناطق. وبسبب أن غالبية عناصر الفريق الاستقصائي الذي ينشر ملفات الفساد، تتحدر من البيئة الجنوبية، (وهي من نقاط ضعف الفريق الاستقصائي)، يستحضر هؤلاء المراسلون ملفات الفساد من بيئتهم. وهو ما اعتبره الشيعة استهدافاً للبيئة الشيعية دون سواها، بسبب التركيز على الملفات في تلك البيئة، ما حدا بهم الى اتخاذ قرار منع البث لتحقيق غايتين: الضغط على القناة على خلفية اخلاء الساحة لقنوات أخرى وتراجع نسبة المشاهدة وبالتالي عائداتها المادية، والغاية الثانية تتمثل في تقليص وقع الكشف عن تلك الملفات، عبر حظر القناة، وتقليص حماسة كاشفيها، لأنها لن تصل الى بيئتهم.
هذه المقاربة لاستراتيجية “الجديد”، قادتها الى موقع الحظر. أما منافسة “ال بي سي” لها، فدفعت بها الى محاولة ترميم العلاقة للحدّ من خسائر الغياب، وهو ما ظهر في التغطيات المرتبطة بحزب الله والمتماهية معه، رغم علمها أن قراراً مشابهاً بإعادة البث لا يرتبط بالحزب وحده، ولو أنه مؤثر، ذلك أن الطرف الآخر من الثنائي الشيعي (حركة أمل) قائم ويضع “البلوك” أيضاً، ولا سبيل لفك حظر البث الا بقرار مشترك.