ما حصل يوم امس من تلاعب في سعر صرف الدولار خض سوق العملات بالكامل. فبعد ارتفاع “جنونيّ” استمر لأيام وصل سعر صرف الدولار الواحد ظهراً الى 2400 ليرة لينخفض “بسحر ساحر” الى 1800 ليرة مع اغلاق السوق ابوابه مساءً.
قيل بدايةً ان السبب يعود الى انخفاض السيولة بالليرة اللبنانية عند محلات الصيرفة، ليتضح لاحقاً ان ايدٍ خفيّة تخفضّ السعر تحضيراً لصرف آلاف الرواتب بداية شهر كانون الاول المقبل.
تصدياً لاستغلال سعر الصرف، اتجهت مؤسسات تجارية مختلفة في الضاحية الجنوبية لبيروت منذ ليل أمس للإعلان عن مبادرات قد تكون الاولى من نوعها في عالم التجارة: “اشتري الآن وادفع عندما يتحسن سعر صرف الدولار!”.
المبادرات التي بدأت بشكل فرديّ وعفويّ، توحدت بشكل سريع لتشكل مجموعةً لكل ما يحتاجه المواطن من حاجيات خلال الشهر: البسة، احذية، ادوات تنظيف، سوبر ماركات، عطورات، محارم، وغيرها الكثير من السلع الضرورية والكمالية.
مبادرتنا انسانية بحت ..
على صفحته على فايسبوك، كتب “ابو علي حجازي”، صاحب محل “King Sport”: “انا عندي محل البسة واحذية رياضية، بتمنى من الشباب يلي رح يقبض بالدولار وما بدو يصرف الدولار يلي معو عالسعر القليل اذا نزل، يجي وياخد يلي بدو ياه من عندي وما يحاسبني وبس يطلع الدولار وتصرف مصرياتو عالسعر العالي يرجع يجي ويحاسبني”. وعلى هذا المنوال نشرت صفحات عشرات المؤسسات تغريدات تحمل الصيغة نفسها.
يقول حجازي في حديث لموقع “ضاحية” إن اللعب بسعر الصرف هو خديعة من محلات الصيرفة ومن ورائهم المصرف المركزي، فالدولار مفقود من السوق والطلب عليه في تزايد مستمر، فكيف انخفض قبل بداية الشهر وقبل بدء العرض (بدء عمليات التصريف) 500 ليرة لبنانية! يضيف “نحنا من هل الشعب، ولح نحافظ على سعر السلع وفق ارتفاع سعر الصرف، بعيداً عن الاحتكار واستغلال السوق. مبادرتنا انسانية بحت، ومساهمة منّا مع الناس حتى ما توقع بفخّ الصيارفة الهادف الى المزيد والمزيد من الربح”.
ازمة الدولار لم تنحصر بغلاء السلع الاساسية، اذ ارتفعت الاسعار في التعاونيات بمعدل وصل إلى 25%. بعض المحرومين من قروض الاسكان اتجهوا قبل سنوات الى عقد اتفاق مع أصحاب المشاريع السكنية، يقوم على دفعة اولى وتقسيط باقي المبلغ بالدولار. حينها كان معدل سعر الصرف لا يتجاوز الـ 1515 ليرة، وكان التاجر يرضى بالـ 1500 ليرة، لكن اليوم المعادلة اختلفت!
أغلب هؤلاء تتراوح دفعتهم الشهرية بين الـ 750$ والـ 1200$، وعلى سعر الصرف الجديد لا بدّ من زيادة المبلغ 35%، خاصةً لمن يتقاضى رواتبه بالليرة اللبنانية. هكذا، ينذر مطلع الشهر بأزمة “كارثيّة” بين التجار والزبائن، فلا الاول مستعدٌ للتنازل خاصةً إذا كان ملتزماً بقروض للمصارف، ولا الثاني قادرٌ على تحمل الاعباء الاضافية، خاصةً لمن رسم نمط مصروفه الشهري وفق راتبه الحالي.
وسط هذه الازمة، تتجه الانظار نحو حلول توافقية تقوم على تحمل كل طرف نصف الخسارة. يقول تاجر عقارات لموقع “ضاحية” إنهم مدركون حقيقة الازمة، ورغم عقد البيع القانوني، إلا انهم مستعدون لتقديم نصف التنازلات، لأن البديل سيكون هو تعنّت المشتري عن الدفع او اصراره على الدفع مقابل 1500 ليرة. هم طبعاً – بحسب التاجر – قدموا تنازلاً اولياً بقبول البيع دون معاملات الاسكان، وهذه مبادرة دفعهم اليها كرهاً لا طوعاً ما آلت اليه الاوضاع، لكن اغلبهم يسدد قروضاً للبنك، ولا يستطيع في ظل الازمة تحمل المزيد.
اما عن المستأجرين ..
المستأجرون للعقارات السكنية في الضاحية، تنتابهم الهواجس نفسها. فعرفاً هم ابرموا عقود الآجار بالدولار، والـ 400$ التي كانت تعادل 600 ألف ليرة في الماضي باتت اليوم 800 ألف. هم حتماً لن يرضوا بدفع الفارق او الدفع بالعملة الصعبة، لذلك تتجه الامور لتحمل نصف خسارة سعر الصرف.
يحتج المستأجرون ان الشقق السكنية ليست سلع مستوردة، فما علاقة ارتفاع سعر صرف الدولار بالموضوع، فيأتي الجواب سريعاً من اصحاب العقارات: “ونحن نعتاش من الآجار وزيادة الدفعة الشهرية مردّه الغلاء المعيشي”.
بين كل هذه الازمات يقف المصرف المركزي على كتف التل، ينظر الى الازمة وكأنه لا علاقة له بها. يلتزم عند الموعد بدفع 1.58 مليار دولار لسندات اليوروبوندز، ويتذرّع ان سعر الصرف الرسمي لم يتغيّر. يمنع وجمعية المصارف المودعين من الحصول على اموالهم، ويشترط عليهم سقفاً للسحب الاسبوعي! سياسية نقدية اوصلت البلد لحافة الانهيار، فمتى سيؤخذ القرار الرسمي بإعادة النظر بها وإلزام المصارف بالتدخل لإيجاد الحلّ؟
موقع الضاحية