اذا صحّ ما شاع ليلاً من معلومات فإنّ الاستشارات النيابية الملزمة التي «تحررت»، إذا جاز التعبير، من ترشيح الرئيس سعد الحريري بفعل إعلانه عزوفه الثاني عن هذا الترشيح، ستشهد حال عدم تأجيلها منافسة بين مجموعة اسماء، أبرزها نواف سلام أو خالد قباني من جهة، والوزير السابق حسان دياب من جهة ثانية، وسط معلومات سرت ليلاً ومفادها انّ الحريري وكتلة «المستقبل» سيسمّيان سلام أو قباني الى جانب كتل كانت سمّت سلام، وربما انضمّت اليها كتلة «القوات اللبنانية» التي كانت اعلنت انها لن تسمّي أحداً. وذلك في مقابل تسمية كتل «لبنان القوي» و«التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» وغيرها من الكتل الحليفة، للمرشّح دياب، او ربما لإسم آخر يمكن ان يبرز في ربع الساعة الأخير قبل انطلاق الاستشارات التي تبدو وكأنها تسابق وصول الموفد الاميركي ديفيد هيل الى لبنان مساء اليوم، في زيارة يطرح كثيرون علامات استفهام كثيرة حول اهدافها وابعادها والخلفيات.
بدا المشهد أمس كوميديا سوداء تعرض مسرحية هزلية بفصول مملّة تبدو فيها الامور وكأنها عملية تبادل كرة نار ما بين المتحكمين بالاستحقاق الحكومي، بين مشهد سابق أفضى الى تأجيل استشارات فُسِّر «لكمة» وجّهت الى رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، وبين مشهد الامس بعزوف الحريري مجدداً عن الترشيح لتأليف الحكومة، بما فسّر ايضاً «لكمة» رداً على اللكمة. يأتي ذلك في وقت تتفاقم الازمة الاقتصادية والمالية ومعها السياسية بما يهدد مصير البلاد، في الوقت الذي يتلهى المسؤولون ومختلف الأفرقاء السياسيين في البحث عن مصالحهم بين ركام ما هدمته ايديهم في بنيان البلد وحياة مواطنيه الذين بدأوا يتعرضون يومياً للاذلال في كل نواحي حياتهم.
توقيت العزوف
وتوقفت مصادر معنية بالملف الحكومي عند التوقيت الذي اصدر فيه الحريري بيان عزوفه الثاني عن الترشح لرئاسة الحكومة، حيث جاء قبل ساعات قليلة من الاستشارات الملزمة التي ستنطلق اليوم، إن لم يصدر بيان رئاسي بتأجيل ثالث لها.
وبمعزل عمّا اذا كان التوقيت مقصوداً أم غير مقصود، فإنّ النتيجة واحدة، وهي حَشر القوى السياسية جميعها عشيّة الاستشارات، بعزوف يفرغ نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، من أي أسماء، خصوصاً انّ الحريري كان المرشح الوحيد في هذا النادي حتى صدور بيان عزوفه.
ويبدو جلياً انّ بيان الحريري، وبحسب مصادر مواكبة لحركة الاتصالات، جاء نتيجة لفشل ما سمتها «محاولات اخيرة»، جرت قبل صدور بيان العزوف، لإعادة «تجسير» العلاقة بين الحريري و«التيار الوطني الحر»، بما يحول أصوات تكتل «لبنان القوي» نحو تسميته في الاستشارات. وكذلك جاء نتيجة لحركة اتصالات أجراها الحريري في الساعات الماضية، لتسويق الافكار التي طرحها عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال اللقاء الذي جمعهما امس الاول في عين التينة.
وتبعاً لهذا الفشل، تضيف المصادر، ذهب الحريري الى قرار العزوف، علماً أنه قبل إعلان عزوفه أبلغ الى بري بتوجّهه.
وعلمت «الجمهورية» انّ بيان الحريري، اطلق بعد صدوره حركة مشاورات مكثفة على اكثر من خط، تركزت بين عين التينة و«بيت الوسط»، وبين الثنائي الشيعي، وكذلك بين الثنائي و«التيار الوطني الحر» بالتوازي مع تواصل على خط الرئاستين الأولى والثانية.
وبحسب المعلومات، فإنّ موقف الحريري احدث إرباكاً سياسياً عارماً، وأرخى ظلالاً من الشك حول الاستشارات وما اذا كانت ستستمر في موعدها، خصوصاً في ظل عدم التوافق على اسم بديل للحريري. وهو امر متعذّر الوصول اليه في فترة الساعات القليلة الفاصلة عن موعد الاستشارات.
والملاحظ بعد صدور البيان، اعتصام تيار «المستقبل» بالصمت حيال موقفه النهائي من الاستشارات، سواء ما اذا كان سيسمّي شخصية بديلة للحريري، ام انه سيدخل الى هذه الاستشارات بلا مرشّح، وبالتالي عدم التسمية. وهو أمر إن حصل، سيوقع الاستشارات في وضع حرج يخضعها لاحتمالات عدة، إن للتأجيل أو لحدوث مفاجأة في التكليف بحيث يأتي بشخصية أخرى لا تكون محل توافق بين الكتل النيابية.
كل ذلك، يفترض ان يتوضّح مع ما ستقرره كتلة تيار المستقبل التي ستجتمع صباح اليوم، علماً انّ بعض المصادر تحدثت عن تداول جرى مساء امس بعدد من الاسماء، من بينها اسم النائب بهية الحريري، وكذلك الرئيس تمام سلام.
لكن مصادر واسعة الاطلاع، ابلغت الى «الجمهورية» انّ كتلة «المستقبل» قد تذهب الى عدم تسمية اي شخصية بديلة للحريري، ورجّحت ان يكون الثنائي الشيعي في جو موقف «المستقبل» لجهة عدم تسمية اي شخصية غير الحريري لا من تيار «المستقبل» ولا من خارجه.
سيناريوهان
الّا انّ مصادر اخرى رسمت عبر «الجمهورية» سيناريوهين:
ـ الاول ان تشارك كتلة «المستقبل» في الاستشارات الملزمة ومن دون ان تسمّي احداً، ومن شأن هذا الامر اذا حصل ان ينسحب على مواقف الكتل الاخرى، ولاسيما منها تلك التي اعلنت انها مع الحريري او من يسمّيه، وعدم التسمية معناه ان اي مرشح آخر ليس حاظياً بالغطاء السني، وبالتالي يصبح احتمال تأجيل الاستشارات وارداً جداً.
ـ الثاني، أن يفاجئ الحريري القوى السياسية ليس بعدم تسمية أحد من تيار «المستقبل»، بل أن يخرج عن التزامه الذي قطعه لمَن تواصَل معه امس بأنه لن يسمّي احداً، وان يفاجئ الجميع بتسمية نواف سلام، وهذا الامر، بحسب المصادر، من شأنه ان يحدث نقلة نوعية في هذه الاستشارات بما يعني لجوء حركة «امل» و»حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهم من تيار «المردة» الى الحزب السوري القومي الاجتماعي و»اللقاء التشاوري» ومجموعة من المستقلين الى تسمية شخصية غير صدامية، بل مقبولة سنياً وتصنّف بأنها معتدلة كالوزير السابق حسان دياب مثلاً، وذلك لقطع الطريق على وصول نواف سلام، علماً انّ هناك اقتراحات أُرسلت الى الحريري لتبنّي تسمية الوزيرة ريا الحسن، الأمر الذي لم يقبله.
وافتراضاً انّ معارضي وصول نواف سلام نجحوا في ايصال دياب أو غيره الى التكليف، فهذا الاخير سيجد نفسه ايضاً أمام مسألة حساسة جداً، بمعنى هل يُكمل من دون غطاء سني أو يعتذر لتعود بعدها دوّامة الاتصالات فالاستشارات مجدداً، وهذا سيكون معناه العودة الى الدوران في الحلقة المفرغة، وبالتالي يُبقي احتمال ان يصبح الحريري في الاستشارات المقبلة مرشحاً اساسياً ايضاً.
روايات أخرى
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» مساء أمس انّ كتلة «المستقبل» التي دعاها الحريري الى اجتماع استثنائي التاسعة والنصف قبل ظهر اليوم ستسمّي نواف سلام، وهو ما تبلّغه المعنيون بالملف. واعتبرت انّ هذا الترشيح يرضي الحراك ويُنهي معظم ملاحظاته. فيما تحدثت معلومات عن أنّ النواب المستقلين سيسمّونه الى جانب كتلة نواب الكتائب، حيث انّ المكتب السياسي الكتائبي إجتمع إستثنائياً مساء امس وانتهى الى تأكيد موقفه تسمية سلام.
إتفاق على دياب
وفي المقابل علمت «الجمهورية» انّ «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» و»حزب الله» والحلفاء إتفقوا ليل أمس على تسمية دياب، وتولى الوزير علي حسن خليل التواصل مع الحريري الذي أكد له أنه لن يسمّي احداً.
واكدت مصادر مشاركة في الاتصالات «انّ الوقت لم يعد للمراهنات والمناورات، وأنّ معادلة «ما بكون وما بسَمّي» لم تعد تمشي، ولا يمكن ترك الامور هكذا لمزيد من التسويف والممطالة. وقالت «انّ اسم نواف سلام مطروح في وضوح، وهذا ما دفع الكتل الى حسم خيار ثان».
وعن إمكانية ان يكون الاسم المرشح قادراً على الانقاذ، قالت المصادر: «لا احد يستطيع قيادة المرحلة، نحن دخلنا في دهليز كبير وفي مهوار وعلى الجميع تحمّل المسوولية والعمل معاً».
«القوات»
من جهتها مصادر «القوات اللبنانية» أكّدت لـ«الجمهورية» أنّها ستشارك في الإستشارات اليوم، إذا لم تؤجّل، مشيرة إلى أنّها «لن تسمّي أحداً، كما أعلنت في بيانها الذي صدر عن الإجتماع الإستثنائي لتكتّل «الجمهورية القوية» مساء الأحد، إنطلاقاً من العنوان الأساس الذي تركّز عليه، وهو الوصول إلى حكومة اختصاصيين وتقنيين ومستقلّين، حيث تعتبر «القوّات» أنّ جوهر المشكلة في لبنان هو في الحكومة التي يجب تأليفها بين من يقول حكومة سياسية تحت مسمّى «تكنو- سياسية» وبين من يقول حكومة إختصاصيين مستقلّين».
وشدّدت المصادر على أنّ «القوات تعتبر أنّ المدخل الإنقاذي للوضع المالي والإقتصادي في لبنان هو حكومة اختصاصيين». وقالت إنّها «ربطت مسألة الثقة بالحكومة وليس بالتكليف، لأنّها مصرّة على هذا العنوان الإنقاذي في هذه المرحلة».
بيان العزوف الثاني
وكان الحريري رد على ما سمّي الكمين الذي نصبه له باسيل عشية الاستشارات الاولى بإعلان انّ تكتل «لبنان القوي» لن يسمّيه لرئاسة الحكومة، بكمين تمثيل بإعلان عزوفه عن الترشيح لرئاسة الحكومة وعدم تسمية أحد لهذا الموقع في الاستشارات المقررة اليوم.
وكتب الحريري في تغريدة «تويترية» جاءت بمثابة بيان تلقّفته سريعاً كل وسائل الاعلام، وفيه:
«منذ أن تقدمتُ باستقالتي قبل خمسين يوماً تلبية لصرخة اللبنانيين واللبنانيات، سعيتُ جاهداً للوصول الى تلبية مطلبهم بحكومة اختصاصيين رأيت انها الوحيدة القادرة على معالجة الازمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي يواجهها بلدنا.
ولمّا تبين لي انه رغم التزامي القاطع بتشكيل حكومة اختصاصيين، فإن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي هي مواقف غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن انني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة.
وإنني متوجّه غداً للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الاساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت. وقد دعوت كتلة «المستقبل» النيابية للاجتماع صباح الغد (اليوم) لتحديد موقفها من مسألة التسمية».
وفي معلومات «الجمهورية» انّ الرئيس سعد الحريري ابلغ الى الخليلين صباح امس عدم رغبته الاستمرار في الترشح «لأن الظروف التي دفعته الى طلب تأجيل الاستشارات الاثنين الماضي لم تتغير، فلا «القوات اللبنانية» بدّلت موقفها، ولم يحصل تواصل مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، والعلاقة مع رئيس الجمهورية متوترة. لكنّ الخليلين استمهلاه لإجراء بعض الاتصالات وأبقيا على نقل التمسّك به كمرشح، وحصلت اتصالات عدة بين الحريري وبري حاول فيها رئيس المجلس ثَنيه عن موقفه، لكنّ الحريري وبعد ان وصل الى افق مسدود إتخذ قراره بالانسحاب والاعتذار، وأبلغ انّ كتلته «ستمتنع» عن التسمية اليوم في الاستشارات.
باسيل «يُقدّر»
ولاحقاً، صدر عن المكتب الاعلامي لباسيل البيان الآتي:
«نقدّر الموقف المسؤول الذي اتخذه دولة الرئيس سعد الحريري بالإعلان أنه لم يعد مرشحاً لرئاسة الحكومة المقبلة، وأنه ذاهب إلى الإستشارات النيابية الملزمة غداً (اليوم)، ونرى في هذا الموقف خطوة إيجابية نتمنى أن يستكملها الرئيس الحريري بأن يقترح من موقعه الميثاقي شخصية موثوقة وقادرة ليُعمَل على التوافق عليها والتفاهم معها حول تشكيل حكومة تحظى بثقة الناس وتأييد الكتل النيابية الوازنة، فضلاً عن ثقة المجتمعين العربي والدولي، من دون ان يضع البلد والناس امام المجهول كما حدث في استقالته الأخيرة، وذلك بتحديد خياره في اللحظة الأخيرة قبل الاستشارات النيابية الملزمة وبطلب تأجيلها أو بفرض إجرائها حسبما يريد ويستنسِب لمصلحته الخاصة فيما هي صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية يستعملها بحسب ائتمانه على المصلحة العامة والدستور».
حرب شائعات
اقتصادياً، وفي موازاة الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها اللبنانيون، تبرز مشكلة الشائعات التي تنتشر يومياً مثل النار في الهشيم، بسبب حال القلق السائدة، والتي تساهم في دفع المواطنين الى تصديق كل ما يُقال وينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
واضطرت جمعية المصارف امس الى إصدار بيان لتنفي «الاخبار المتكاثرة والمتناقلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول إقفال المصارف بعد فترة الاعياد، وحول التوقّف عن إجراء عمليات الدفع نقداً «الكاش» بالعملات الاجنبية». واكد البيان انّ هذه الاخبار «هي محض اشاعات وعارية من الصحة تماماً».
الكهرباء
الى ذلك، وكأنّ أزمات النقص في المواد الغذائية والسلع المتوقعة بدءاً من مطلع العام الجديد لا تكفي، حتى تُضاف اليها «كارثة» الكهرباء المتوقعة، كما يشير مصدر في مؤسسة الكهرباء لـ«الجمهورية».
ويكشف المصدر انّ المؤسسة بدأت حالياً مرحلة من التقشف الاضافي بحيث أصبح معدل التغذية اليومي حوالى 8 ساعات ونصف. لكن المشكلة الحقيقية ستظهر بدءاً من العام 2020، حيث لم يتم تخصيص سوى 1500 مليار ليرة للكهرباء. وهذا يعني انّ المؤسسة مضطرة الى اعتماد برنامج تقنين دائم بمعدل 8 ساعات يومياً. لكنّ ساعات التغذية ستقل عن هذا المعدل في فترة الصيف، حيث يبلغ الطلب على الطاقة الذروة. وبالتالي، سترتفع فاتورة المولد لدى المواطنين. ومن المعروف انّ تعرفة كهرباء المولد تساوي 3 أضعاف أو اكثر تعرفة كهرباء الدولة.
لكنّ الخبر الاسوأ، انّ موازنة 2020 كما بات معلوماً تعاني نقصاً كبيراً في الايرادات، بما يعني انّ الدولة ستكون مضطرة الى اعادة توزيع الاموال وفق الاولويات. وبما اّن الرواتب ستكون اولوية، قد يؤدي ذلك الى خفض الانفاق على الابواب المتبقية، ومن ضمنها الكهرباء. وفي هذا الوضع سيكون المواطن أمام تقنين قاس جداً، وهو بالكاد سيشعر بوجود كهرباء الدولة، وسيعتمد بشكل كامل على المولّد، وسيدفع فاتورة مضاعفة في ظل هذه الضائقة المالية التي تطوّق الجميع.