“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
فصلٌ جديدٌ من الكباشِ الحكومي يفتتح في لبنان في مستهل تدشين مرحلة شديدة الحساسية إن لم نقل الخطورة في الإقليم في ضوءِ عملية إغتيال اللواء قاسم سليماني والرجل الثاني في الحشد الشعبي، أبو مهدي مهندس.
التعقيدات الاقليمية شديدة الخطورة المتولدة من المرحلةِ السياسيّةِ الحساسة الجاري الدخول إليها اليوم، يريد فريق “الثنائي الشيعي” تحويلها إلى فرصةٍ تصلح لاستيلاد الحكومة بشكلٍ أسرع بدليل أنّ رصدَ حركة تسهيلاتهم، يفصح عن رغبةٍ في التعجيلِ تداركًا من أن تداهمنا التطورات الإقليمية المُتسارِعة.
و”الثنائي”، بخلافِ ما يُنشَر، لم يُدخِل تعديلات على موقفهِ من تركيبة الحكومة الجاري تأليفها ولم يبلغ أي فريق بشيءٍ من هذه القبيل، حتى الآن.
لكن هذا التفكير من غير المرشحِ أن يدومَ طويلًا كون لا أحد يضمن دخول متغيّرات طارئة على مستوى الخارطة الاقليمية قد تفرض نفسها وتؤدي إلى إجراءِ تبدلاتٍ سياسيةٍ في الداخل. بهذا المعنى، فإنّ كلّ مماطلة في التشكيل من أي جهة أتت قد تجعل الأمر مستحيلًا بعد فترةٍ وجيزةٍ ولا تصب في خانةِ التسريعِ.
من هنا، واكبَ مصدرٌ بارزٌ في الثامن من آذار هذه المعطيات بدعوته عبر “ليبانون ديبايت”، إلى “الإفراج عن الحكومة بشكلٍ أسرع” قائلاً: “هم يقولون الثلاثاء وأنا أقول معكم حتى آخر يوم عمل من هذا الأسبوع، وإلّا فتحمّلوا المسؤولية، لأن ما نشده من مسودةٍ اليوم، قد ينقلب رأسًا على عقب غدًا”، ملمحًا، إلى أنّ “التطورات في حال طالَ التأليف قد تفرض العودة إلى خيارٍ حكوميٍّ يتمتَّع بوضوحٍ سياسي أكثر”.
مراسمُ إفتتاحِ الفصلِ الجديدِ من الكباشِ الحكومي ليست مكتومة القيد السياسي بل تُنسَب براءة إختراعها إلى كلٍ من رئيسِ الحكومة المكَلَّف حسّان دياب ورئيس التيّار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل، إذ تناوبَ الطرفان خلال السّاعات الماضية على تبادلِ كراتٍ محمَّلة بالحممِ السياسية الثقيلة على إعتابِ سعي قصر بعبدا وحلفائه إلى إنزال حمولة الحكومة على الرصيف الإقليمي بأقلِّ أضرارٍ ممكنة.
الكباش الجديد، يدور حول حقيبتَيْ الداخلية والخارجية، إذ يسعى الرئيس المكلف إلى تأمين حضور ممثلٍ سنيٍّ “مرموقٍ” في “الصنائع” يستعيض به عن آلام فراق الشارعِ السني ويعيد الحد الأدنى المطلوب من التوازن المفقود، كذلك، لا يثير الاسم المرشح غضب تيار المستقبل الذي ما برح لغة التهديد والوعيد على المنابر وفي الشوارع، وحساسية دار الفتوى الباحثة عن “إشاراتٍ إيجابية” يمكن استثمارها في إرساءِ موقفٍ “متوازنٍ” من المختار لتولي زمام الرئاسة الثالثة.
عند هذه الأسباب، يطرح الرئيس المكَلَّف إسمًا محسوبًا عليه بالمطلق ويمتاز بحمل تلك الجينات، وعلى الأغلب، أنّ الاسمَ المُراد توزيره والذي تتحفظ الأوساط القريبة من الرئيس دياب على ذكر إسمه، ينتمي إلى صنفِ الضباطِ الكبار الذين يحملون صفة التقاعد والاستقلالية.
ليس هذا فقط، بل يريد دياب أيضًا في سياق محاولته تأمين حصته في الحكومة والتي يقدّرها بـ4 وزراء (2 ذات هوية سيادية) من أصل 18 وزيرًا، أن يسحبَ إلى منطقته حقيبة الخارجية بل جعلها درّة تاج حكومته، وهو يميلُ إلى توزير ماروني عليها، يتمتع باستقلالية سياسية وينحدر من صنفِ الوزراء الآخذين في الاعتبار مصالح لبنان ومحاذير الإقليم، وهو للغاية ما زال يطرح إسم دميانوس قطّار للمهمة.
لكن المشكلة تكمن لدى الوزير جبران باسيل، الذي ما زال يعتقد أن وزارة الخارجية هي حقٌ مكتسبٌ للتيار السياسي الذي ينتمي إليه. وهو يستندُ في تبني هذا المذهب إلى التقسيم الجاري تطبيقه منذ ما بعد التسوية الرئاسية، الذي يعطي للفريق المسيحي “الأكثري” وزارتان سياديتان، رست في المرحلة الماضية على الخارجية والدفاع.
وبما أنّ التقسيم الهرمي العددي لهذه الحكومة حتَّمَ أن تقسَّمَ الحصة للاكثرية المسيحية بين رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، قضى الاتفاق الداخلي بينهما، بأن تذهبَ الخارجية إلى رئاسة الجمهورية وأن يتاحَ للرئيس تسمية المناسب عليها مقابل بقاء وزارة الدفاع في عهدة “التيار”.
ويستند باسيل في موقفه هذا إلى صلب رأي حزب الله الذي تعنيه جدًا وزارة الخارجية والشخصية التي ستتولاها، تبعًا للأدوار الملقاة على عاتقها، خاصّة في هذه المرحلة بالذات التي لا مصلحة للحزب في وجودِ عنصرٍ منزوع الصفة أو التأثير السياسي وقابل للتعرض إلى هبّات ساخنة قد تجعله يتأثر بالمتغيرات المفترضة في الإقليم، بل يميل إلى تفضيل شخصيّةٍ إن لم تكن على وزن باسيل فأقلّه على وزن الوزير السّابق عدنان منصور.
في المقابل، يريد الرئيس دياب، أن يكون “قصر بسترس” من ضمن فريق عمله الحكومي اللصيق، أي أنه يسعى إلى إيجادِ وزير للخارجية على تفاهمٍ وتجانسٍ معه ويمثل وجهة نظره في الخارج، وعلى وجه الدقة، هو لا يريد تكرار نموذج التباين بين رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية الذي طبعَ الحكومة الماضية.
الطرحُ الحالي أو المخرج، يقول بإجراءِ مقايضةٍ سياسية بين “الفريق المسيحي” والرئيس المكَلَّف، تقوم على استغناءِ دياب عن طلب تولي وزارتَيْن سياديتَيْن والعودة إلى القاعدة الأساسية أي وزارة سيادية واحدة من حق السُنّة هي الداخلية، ثم طرحها على مزادِ المبادلة مع الخارجية التي حتَّمَ العرف الحديث أن تُمنَحَ إلى المسيحيين.
هذه التخريجة، يقول المواكبون أنها الحلّ الوحيد لإخراجِ التشكيلة الحكومية إلى النور، وهي تتيحُ للرئيسِ المكَلَّف أن يمسكَ “التمثيل الخارجي” كما يريد.
لكن هناك معضلة يواجهها الرئيس دياب، تكمُن في عدم رغبته بالتخلي عن الداخلية، حتى ولو ضمن ذلك حصوله على الخارجية ضمن إطار المبادلة، كي لا يُحسَب عليه من قبل خصومه في الطائفة أنّه تخلى عن الداخلية لمصلحة “العونيين “خصوم تيار المستقبل” الذي يعتبر نفسه، أنّه وقَفَ بوجهِ رغبة “التيار” حين قاتل من أجل الاستحواذ على هذه الحقيبة خلال مباحثات حكومة الحريري المستقيلة