محمد وهبة-الأخبار
مقاربة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للأزمة بسيطة إلى حدود تجعل الكلام المنسوج حوله صحيحاً بدرجة كبيرة؛ هو وسيط مالي لا معرفة لديه بالاقتصاد ولا يهتمّ به. خطّته لمواجهة الأزمة الراهنة، والتي كشف عنها أمام لجنة المال والموازنة النيابية، تقضي بدعم المصارف لجهة رسملتها ومواجهة المودعين، وهو لا يتردّد في دعوة النواب إلى «إصدار موازنة ليس فيها سوى الرواتب»، أي إعادة جدولة الدين العام بشكل التفافي، ويهوّل على النواب بأن الـ«كابيتال كونترول» يضرب السرية المصرفية
أمام النواب، استعمل سلامة أدوات الوسيط المالي في محاولة تمرير أهداف قد يجهل بعض النواب مضامينها الفعلية. تحدّث عن مستقبل الأزمة، وكأنها آيلة إلى الزوال في غضون أيام، وأن الأمر يتطلب خطوات بسيطة من نوع منح المصارف السيولة الكافية ”لمواجهة السحوبات عندما سيعود السوق حرّاً». بالنسبة إليه، الأمر مرتبط ”بقدراتنا على تجميع سيولة بالدولار لكي نستطيع فتح التعامل بكل حريّة». هذه السيولة هي التي ستتيح العودة إلى ”أسواق منتظمة“ وسيتم تأمينها عبر خطّة من ثلاثة بنود:
– تمكين المصارف من التعامل مع الزبائن قدر الإمكان، وإمدادهم بالسيولة المطلوبة بشرط عدم تحويل الدولار إلى الخارج، «وإلا ستصبح أموال مصرف لبنان كلها في الخارج».
– زيادة الأموال الخاصة للمصارف بمعدل 20% ما يخلق سيولة إضافية.
– تشجيع المصارف على التفاوض مع الزبائن وتقديم حسومات على ديونهم لتسديدها من أجل خلق سيولة بالدولار.
خطّة سلامة لا ترى إلا المصارف، والمقامرة لإنقاذ نموذج مهترئ مؤشراته خطيرة ومن أبرزها عجز ميزان المدفوعات الذي بلغ 3.5 مليارات دولار في نهاية تشرين الثاني، رغم أنه يتضمن سندات خزينة بقيمة تزيد على 3.7 مليارات دولار أقرّ سلامة بأن قيمتها السوقية أقل بنحو 60% من قيمتها الاسمية، أي أن العجز الفعلي أكبر بكثير من دون العمليات التجميلية التي يقوم بها مصرف لبنان، فضلاً عن انخفاض في قيمة الودائع بنحو 10 مليارات دولار يقرّ بأن أكثر من نصفها بات في المنازل من دون أن يشير إلى أن الثقة فُقدت بسبب سياساته النقدية المدمّرة للاقتصاد.
رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ركّز على مسألة أساسية في الموازنة تتعلق بقيام مصرف لبنان بإعادة الفوائد التي يقبضها من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية إلى الخزينة. ففي الموازنة أدرجت المادة 22 التي تتضمن إيرادات من ضريبة الفوائد على المصارف مقدرة بنحو 5 آلاف مليار ليرة، وهناك خدمة الدين التي وعد سلامة بشطب قسم منها من خلال إعادة الفوائد التي يقبضها مصرف لبنان على السندات.
سلامة ربط هذه المسألة بهدف أن يكون عجز الموازنة صفراً. لكنه أشار إلى أن تنفيذ الأمر مرتبط بالتطورات التي حصلت منذ إقرار الحكومة مشروع الموازنة. حاول سلامة التملّص من الإجابة على ما يتعلق بإعادة الفوائد إلى الخزينة، بالقول: «بالطبع الأمور تغيرت»، مشيراً إلى أن «مصرف لبنان لديه مصلحة بأن يخف عجز الدولة، وإذا استطاع، الاستمرار في رد هذه الفوائد التي يقبضها». ولتضييع المسألة قال: مصرف لبنان لديه 54% من الدين بالعملات اللبنانية، و12% من الدين بالدولار.
ولكن إصرار كنعان من خلال تكرار السؤال دفعه إلى مزيد من التوضيح: أنتم كمصرف لبنان قادرون على ردّ الفوائد المصرفية المقدرة بهذه الأرقام؟ ردّ سلامة بالإيجاب، لكنه أوضح أن «المسألة تعتبر عملية محاسبية، هذا أمر خطير جداً، لأن مؤسسات التصنيف ستصنّف لبنان فوراً في حالة إفلاس». وبشكل مبهم أضاف أن «المردود على سندات اليوروبوند المتداولة في السوق الدولية يتراوح بين 40% و80%، أما الفائدة عليها فهي من أعلى الفوائد، والتأمين على المخاطر اللبنانية بلغ نسباً مرتفعة جداً، ووصل إلى 24 في المئة على 5 سنوات. وهذه كلها مؤشرات تدل على وضع بلد لديه مشاكل مالية كبيرة، لذا الحل إذا أردنا إعطاء إشارة إيجابية، يفترض ألا تتضمن الموازنة سوى الرواتب إلى أن يتم وضع خطة معينة للبلد».
مرت هذه العبارة مرور الكرام من دون أن يستوضح أحد ما قصّة السندات ولِم هي ستأخذ لبنان نحو تصنيف الإفلاس؟. فمن جهة يحمل مصرف لبنان 12% من هذه السندات، والمصارف تحمل أيضاً نحو 15 مليار دولار منها، ما يعني أن قيمتها السوقية أقل بكثير من قيمتها الاسمية، وهو ما يترتب عليه خسائر تمحو أكثر من 8 مليارات دولار من رساميل المصارف، وتؤدي بالتالي إلى تصنيف لبنان مفلساً.
أحد الوزراء في الجلسة أوضح أنه لن تحصل إفلاسات في كل المصارف دفعة واحدة، بل ”مصرف أو اثنين».
على أي حال، انتقل الجميع إلى استيضاح الإيرادات التي يفترض الحصول عليها من المصارف، فأشار سلامة إلى أن التوقّعات بأن المصارف ستسجّل خسائر في عام 2020. وأوضح أن الأمر مرتبط أيضاً بخفض الفائدة على الودائع: «مداخيل المالية من الضريبة على فوائد الودائع، ستكون أقل (من 600 مليار ليرة)، لأننا حدّدنا الفائدة بـ5% على الدولار، و8.5% اللبناني».
خطة الحاكم تحصر الاهتمامات ببقاء المصارف على قيد الحياة
وعندما بدأ الحديث عن القيود المفروضة من المصارف على الودائع بشكل استنسابي وغير قانوني، ردّ سلامة بأن الـ«كابيتل كونترول» هو ”قرار سياسي وليس نقدياً أو مصرفياً لأننا عندما سنقوم بذلك، ولا أقول بأني مع أو ضد، ولكن سيكون هناك تغيير لطبيعة لبنان المالية، أي لا توجد هناك سرية مصرفية». أما إذا أقرّ بشكل رسمي، فإن الأمر يصبح مختلفاً: ”كل تحويل سيأتي بالاسم على مصرف لبنان الذي يوافق على التحويل. إذا كان هناك قرار بالكابيتال كونترول فنحن مستعدون للمساهمة والمساعدة في التفاصيل».
أما بالنسبة إلى التحاويل التي جرت من سياسيين وأصحاب مصارف، أو ما يصنّف تحويلات لأشخاص سياسيين، فقد أوضح سلامة حصول هذا الأمر لافتاً إلى أن ”هيئة التحقيق الخاصة ستكون لديها جردة لكل العمليات التي حصلت». إلا أنه وقع في التناقض عندما أضاف بأنه ”لا توجد لدينا معطيات عن التحاويل» مستغرباً استماع النواب إلى ”موظف في السفارة السويسرية».
بعد كل هذا الكلام، ماذا لو استعدنا سؤال النائب حسن فضل الله: المواطن خائف على لقمة عيشه نتيجة الغلاء وارتفاع سعر الدولار وبالتالي هل ستأتي بضائع إلى البلد أم لا؟ أين ذهبت الودائع وسط مشهد الإذلال أمام المصارف؟
أين الحقيقة؟ ما هو مصير الودائع؟ الجواب لدى الوسيط المالي السابق في ميريل لينش هو في إبقاء التعامل بين المصارف والزبائن على حاله بقدر الإمكان!
الليرة إلى مزيد من الانخفاض
أمس انخفضت قيمة الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية، أي لدى الصرافين، إلى مستويات لم تشهدها سابقاً، وبلغ سعر الليرة 2350 مقابل الدولار الواحد، وتردّد أنه بلغ 2500 ليرة أيضاً عند بعض الصرافين. وبحسب التوقعات فإن الضغوط على الليرة ستزداد خلال الفترة المقبلة من التجار والمستوردين الذين يلجأون إلى صرف شيكاتهم نقداً من مرابين يقتطعون ما بين 25% و40% من قيمة الشيكات، مقابل النقد أو شراء الدولارات من الصرافين واعتبارها أموالاً طازجة يمكن تحويلها إلى الخارج. وتشير التقديرات إلى أن الأمر مرتبط بمخزون السلع والطلب الاستهلاكي، فالمستوردون سيلجأون بوتيرة أعلى إلى السوق الموازية عندما يبدأ مخزونهم بالتناقص، وعندها ستبدأ موجة جديدة من ارتفاع الأسعار بسبب انخفاض قيمة العملة وبسبب احتكارات التجار للسلع وضعق قدرتهم على استيرادها وتسديد ثمنها بالدولارات المحدّدة بالسعر المعلن من مصرف لبنان.
المال والموازنة: الأولوية لحماية المودعين
شكّل موضوع حماية صغار المودعين ورفع قيمة ضمانة الوديعة لدى المؤسسة العامة لضمان الودائع من 5 الى 75 مليون ليرة هاجساً أساسياً لدى لجنة المال والموازنة النيابية. أطلقت اللجنة النقاش في هذه النقطة مشيراً إلى ضرورة تعديل القانون 110 لتصبح الودائع لدى المصارف مضمونة بقيمة 75 مليون ليرة في حال التعثر. فتم التوافق على إجراء هذا التعديل على أن يُدرج في مشروع الموازنة. وهذا الأمر أقرته اللجنة إلى جانب الكثير من الملفات مثل تعليق المهل 6 أشهر للقروض المدعومة المتعثّرة السكنية والصناعية والزراعية، وتمديد مهل الدفع والإعفاءات للمستحقات الضريبية على أنواعها لفترة 6 أشهر، وتأمين الاعتمادات لنحو 12 ألف مضمون اختياري، فضلاً عن التوصل إلى خفض في مشروع موازنة 2020 بقيمة 979 مليار ليرة.