كعجينة منسية في الفرن يحترق عيش اللبنانيين واقتصادهم. وعلى وقع اللهب الحارق لأزمة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي نَدَر وجوده، تظهر الفقاعات على شكل تداعيات هنا وهناك. وأبرز التداعيات التي تسطع وتخفت مراراً، هي عدم توفر المحروقات، أو ارتفاع أسعاره. إذ يتغيّر شكل الأزمة بين منطقة وأخرى. أما الحل، فمرهون بحل أزمة البلد.
مازوت أم دولار؟
تناسى اللبنانيون قليلاً معضلة إقفال محطات المحروقات. فتحليق سعر صرف الدولار بات شغلهم الشاغل، لأن استمرار الارتفاع يعني تناقص قيمة عملتهم. غير أن حديث ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا، حول شح مادة المازوت، وعدم كفاية الكميات الموجودة في المحطات، لحاجة السوق، خَرَقَ صمت النسيان، وأعاد إلى الأذهان مشهد الإقفال وطوابير الانتظار. فقد أكد أبو شقرا في حديث لـ”المدن”، أن المحطات تعاني من “شح في المازوت”، ملقياً اللوم على الدولة، ورافضاً إيجاد أي حل على حساب الموزعين.
يُعيد أبو شقرا سبب الشح إلى عدم تمكّن الموزعين من تأمين المازوت للمحطات بالقدر الكافي، جرّاء عدم توفر الدولار بالكميات المطلوبة، “فالشركات المستوردة تطلب من الموزعين تأمين 15 بالمئة من قيمة المازوت بالدولار، فيما الدولة تسعّر المحروقات في جدول الأسعار، بالليرة اللبنانية، معتمدة على سعر الصرف 1500 ليرة للدولار، والمحطات تأخذ من المواطنين ثمن المحروقات بالليرة، وهذا ما يوقع الموزعين في أزمة تأمين الدولار، وبالتالي تأمين المحروقات، وخصوصاً المازوت، للمحطات”.
لا يكفي تأمين منشآت النفط جزءاً من كميات المازوت المطلوبة، بنظر أبو شقرا. فالحل الأنسب هو “تأمين مصرف لبنان للدولار، وحل مشكلة الـ15 بالمئة”. ويرفض أبو شقرا مقولة أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، “لا يمكنه ضبط سعر صرف الدولار أو التدخل لتأمينه”. وبرأيه “الحاكم يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه”.
التخزين هو المشكلة
يخفف رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض من وطأة الأزمة. فما يُحكى عن شح المازوت “ليس دقيقاً”، فالشركات ما زالت تستورد “والدولة لديها كميات من المازوت توزّعها في السوق”.
وجهة نظر فياض سرعان ما تلتقي بمفاعيلها مع كلام أبو شقرا. إذ أن الكميات التي توفرها الشركات والدولة، لا يستفيد منها كل من يطلب المازوت، إذ “هناك مشكلة في التوزيع. فبعض تجار المازوت يخزّنون المازوت لإعادة بيعه بسعر أعلى”، حسب ما يقوله فياض الذي يشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن “كميات المازوت المسحوبة من مستودعات منشآت النفط ومن الشركات المستوردة، أكبر من حاجة السوق”. ومع ذلك، يرى فياض بأن ما يحصل “هو أمر مُتَوَقَع في هذه الظروف”.
وتوفّر المازوت في السوق تبيّنه الأرقام. إذ يلفت فياض النظر إلى أن “حاجة السوق اليومية للمازوت في فترة الشتاء، تتراوح بين 7 إلى 8 مليون ليتر، في حين توزع منشآت النفط والشركات بين 11 الى 12 مليون ليتر. كما أن هناك بواخر مازوت تنتظر التفريغ، وهي متوقفة حالياً في البحر بسبب الطقس”.
نحو المجهول
مع اختلاف طبيعة الأزمات المتفرعة عن الكارثة التي يمر بها لبنان، يبقى رد المواطنين هو انعدام الثقة بأي تطمينات أو وعود. فسعر الدولار أصدَق من التصريحات السياسية والقرارات والتعاميم.
وغياب الثقة يدفع تجار المازوت وبعض المواطنين إلى تخزينه ورفع سعره. فقد وصل سعر صفيحة المازوت في بعض المناطق البقاعية إلى 21 ألف ليرة بدل السعر الرسمي، أي 17800 ليرة، ومن المرجّح ارتفاعه أكثر.
كما أن أزمة الثقة تنسحب على الشركات المستوردة والموزعين وأصحاب المحطات أيضاً، لأن عملية الاستيراد باتت اليوم معقدة، وسط غياب إدارة حقيقية في البلاد، وهذا ما يصبغ المرحلة المقبلة بلون المجهول.
لكن حتى اللحظة، يطمئن أبو شقرا بأن الموزعين والمحطات لن يأخذوا أي خطوات تصعيدية، خصوصاً على مستوى اقفال المحطات، “فنحن نريد حل المشكلة بالتفاهم”.
غير أن التطمينات مرتبطة هي الأخرى بالوضع الاقتصادي والسياسي، والتي قد تفتح من أزمة المازوت باباً على أزمات أخرى تطال الخبز، لأن المازوت جزء أساسي من عملية إنتاج الخبز. ومع كل ظهور لبوادر أزمة في المازوت، تُطلق الأفران سيمفونية رفع أسعار الخبز أو تقليص وزن الربطة.