لأوّل مرّة منذ بداية الأزمة المالية في لبنان قبل 4 أشهر، وسعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي يتخطّى حدود الـ2300 ليرة لبنانية لدى الصرافين. فعلياً، فإنّ كلّ ما يحصل يكشف عن تدهورٍ أكبر قد يحصل في الأيام القليلة المقبلة، والأمر مرهون بشكل كبير بالمسار السياسي المرتبط بالحكومة، والذي كشفت كل المعطيات بشأنه أنه عاد إلى المربّع الأوّل.
وعلى أرض الواقع، فإنّ سبب صعود الدولار اليوم بهذا الحدّ الكبير، سببه المعطى السياسي المتعلق بتشكيل الحكومة فقط لا غير، إذ أنّه ما من تحوّل مالي أو اقتصادي مفاجئ حصل بين ليلة وضحاها ليؤسس لتغير كبير في سعر الصرف، كما أنّ الحديث عن إفلاس المصارف ليس إلا “خزعبلات” لتخويف الناس أكثر. ولذلك، فإنّ العديد من الخبراء يؤكّدون أنّ “أول سبب لصعود الدولار هو هلع الناس، ولا صحّة لما يقال عن شحّ في السيولة، كما أن الدولار متوفر بكثرة، والدليل الأكبر هم الصرافون الذين يملكون من الدولار ما يكفي لتحريك السوق، ما يعني أنه لا قيود على العملات الصعبة”. وعلى صعيد الأرقام بحسب الخبراء، فإنّ مصرف لبنان يضم أكثر من 50% من ودائع المصارف، ما يعني أن لديه 80 مليار دولار مجمدة (نقداً وذهباً)، وهو ما يدفع للتساؤل عن حقيقة الأرقام المعلنة من قبل البنك المركزي.
وفي هذا الصدد، تقول المصادر أنّ “مجموعة كبيرة من الصرافين تعمد إلى الإتيان بالدولار من المصارف بناء لإتفاق مسبق، لبيعه وتقاسم فرق العمولة بينهم وبين المصرف”، موضحة أنّ “هناك عمليات تهريب حصلت عبر الحدود مع سوريا، كما أن هناك بعض التحويلات الخارجية غير الخاضعة للقيود، تساهم في ضخّ الدولار في السوق”. ووفقاً للخبراء، فإنّ “الدولار بسبب خوف الناس قد يصل إلى 3000 آلاف ليرة مع استمرار المماطلة في تشكيل الحكومة، وهنا الأمر الأخطر، حيث سيكون لبنان أمام كارثة كبيرة وفادحة”.
ومع هذا، فإنّ العامل الأبرز لعدم وصول الدولار إلى هذا الحدّ، هو إقتناع الناس بأنّ الأزمة مفتعلة، كما أن الصرافين يستغلون المخاوف القائمة من تدهور العملة لرفع سعر صرف الدولار. وحالياً، فإن ما زاد الطين بلة على هذا الصعيد هو أنه، وبحسب التقديرات، بلغت الإيداعات المسحوبة من المصارف والمخبأة في المنازل نحو 6 مليار دولار مع بداية العام 2020، وجميع هذه الأموال خرجت من التداول من السوق الإقتصادية، ولو أعيد ضخّها من جديد، لكان سعر صرف الدولار تراجع بشكل كبير”.
في غضون ذلك، تبرز مسألة تدخّل المصرف المركزي مع الصيارفة للحدّ من المضاربات في الأسواق، ولوضع حدّ للتفاوت في سعر الدولار. وفعلياً، فإنّ مصرف لبنان لن يتدخّل أبداً مع الصرافين باعتبار أنهم لا يمثلون سوى 2% من حجم التبادل المالي داخل البلد، وبالتالي فإنّ المصرف المركزي حينما سيتدخل، سيكون التعاطي مباشراً مع المصارف التي ستزيد من قيودها على سحوبات الودائع أكثر خلال الأيام المقبلة. ومن المرجّح في حال تدخل المصرف المركزي لضخّ الدولار في السوق كما يجب، أن يعود سعر الصرف إلى الـ1500 ليرة لبنانية وربما أدنى، لكن هذا السيناريو لن يكون قابلاً للتطبيق، إذ أنّ الهدف هو العمل على استرداد الإيداعات الخاصة بالناس المفقودة من المصارف، والسعي لتخفيض قيمة الرواتب في القطاعين العام والخاص لاسترداد سلسلة الرتب والرواتب.
وإلى جانب التلاعب الأكبر بسعر الصرف، فإنّ هناك العديد من الصرافين باتوا يلجأون إلى صرف شيكات بالدولار، وهي التي تعرف بشيكات “بانكير – Banqer”. المعطيات كشفت أنّ “الصرافين يقومون بتسليم قيمة المبلغ المنصوص عليه في الشيك مع اقتطاع نسبة 20% منه وأكثر، وهو النسبة المقسومة بين الصراف والمصرف الذي يعود إليه أمر صرف هذا الشيك”. وإزاء كل ذلك، فإنّ ما يحصل بشأن سعر صرف الدولار سينعكس بشكل كبير على السوق الإستهلاكية، حيث أن الأسعار سترتفع أكثر، الأمر الذي سيدفع بالعديد من المؤسسات إلى إعلان إقفالها بسبب عدم قدرتها على الصمود أمام الفرق في سعر الدولار.
المصدر: لبنان 24