ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل
تخيَّلوا. حكومة “لمّ الشمل” تحتاج لِمَن يلمّ الشمل فيها بين الرئيسِ المُكَلَّف حسان دياب والقوى السياسيّة التي سمَّته من دون استثناء. بين رئيس الجمهورية ميشال عون ودياب، الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل، بين بري دياب، وبين القوى المُقاطعة للحكومة وتلك الداعمة لها، وبين وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال وحزب الله، وبين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وحاملي المكيال في الحكومة..
لا يستقيم هذا الواقع، سوى مع مشهدِ التطاحن بين كبار المرجعيّات حول شكلِ الحكومة وجنسِها فيما “البوسطة”، بسائقها وركّابها، تسير بسرعة جنونيّة نحو الهاوية.وليس مجرّد هاوية: انحلال دولةٍ لم يعد لها أي صوت أصلًا على المنابر الدولية، وسمعتها بالحضيضِ في عواصمِ دولِ العالم، ولا تستحي حين يُبادر مسؤولٌ دوليٌّ على مستوى المنسِّق الخاص للامم المتحدة يان كوبيش على توبيخها، واصفًا إبقاء لبنان من دون حكومةٍ في ظلِّ التطورات في المنطقة بالعمل “غير المسؤول”!أين الـ 69 مغامرًا الذين سمّوا حسان دياب “خَلفًا” للرئيس سعد الحريري؟ عمليًا يبدو الرجل كمَن فقد رصيدًا إتّكَأَ عليه ليُنجِز مهمّة مستحيلة صدَّق فعلًا أنّه قادرٌ على القيامِ بها: حكومة تكنوقراط واختصاصيين ترمي بكبسةِ زرٍّ القوى السياسيّة في المنطقةِ العازلة باعتبارها مجموعة موبوءة بقوّة الشارعِ!!أسبوعٌ واحدٌ يفصِل عن مهلةِ الشهرِ التي ألزَمَ الرئيس المُكَلَّف نفسه بها لتأليفِ الحكومة من فريقِ عملٍ مُصَغَّرٍ، تقني، غير سياسي، لا نواب وزراء فيه من أجل مواجهةِ الكارثة المالية وكذلك الاقتصادية.حتى الآن، يبدو ما ينتظر حسان دياب، في ظلِّ هذا الجنون كلّها، أصعبٌ بكثيرٍ ممّا سبق أن خَبِرهُ خصوصًا في ظلِّ مشهدٍ اقليميٍّ مُبهَمٍ بالكاملِ وشديد التعقيد والخطورة، الى جانب تلويحِ قوى سياسيّة بأنّ واقعَ تفعيل تصريفِ الأعمال أقوى من واقعِ التأليف، وبالتالي، تشدُّد دياب في شروطهِ قد يحيل الحريري العائد من إجازتهِ الطويلة “المقصودة” رئيس حكومة تصريف أعمال حتى إشعارٍ آخر، من دون أن يصلَ الأمر بالتأكيد الى حدودِ تكليفه مجددًا.أما بالنسبة الى دياب، فكما أعدَّ وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي مطالعة قانونية إبّأن مرحلة تشكيل سعد الحريري حكومة العهد الثانية فحواها أنّ للتكليف مدّة زمنيّة غير مفتوحةٍ وإلّا يمكن سحبه، فإنّ “وزيرَ القصر” حاول إفهام الرئيس المكلف بأنّ رئيسَ الجمهورية شريكٌ اساسيٌّ في التسميةِ من التكليفِ الى التثبيتِ (يصدر منفردًا مرسوم التسمية) وحتى التأليف أو الاعتذار. أما لبّ الرسالة الرئاسيّة لحسان دياب فهي “إِلزَم حدودك”.وبالتأكيد، لا يمكن فَصِل المسار “الوقح” في تعاطي القوى “الحاكِمة” مع مشروعِ تأليفِ الحكومة المُفترَض أن يَكسرَ الجرَّة مع المساراتِ السابقةِ التي طَبَعت تشكيل الحكومات على مدى ثلاثين عامًا عن ردّةِ فعلِ الشارعِ.في هذا الإطار، برَزَت مؤشراتٌ جديّةٌ في السّاعاتِ الماضية، مُرفَقة بتقاريرٍ أمنيّةٍ في هذا السّياق، تشي بتحرّكاتٍ احتجاجيّةٍ شعبيّةٍ واسعةٍ تعيد الى الاذهان مشهد الاسابيع الاولى لانطلاق الحَراكِ في ظلِّ هاجسٍ تحوَّل الى كابوسٍ حقيقيٍّ مرتبط بمصير أموال اللبنانيين وودائعهم في المصارفِ التي باتت خبيرة في إجراءاتِ التنكيلِ يوميًّا بزبائنها من أصحابِ الطبقات الفقيرة والوسطى. سيكون من الضروري في هذا السّياق، التأكيد أنّ هذا النوع من صغار المودعين هو تحديدًا من “يعتقل” لساعاتٍ داخل المصارف للحصول على 100 أو 300 دولار، فيما خدمة “الدليفري” الى المنازل حاضرة لتسهيل أمور كبار القوم من دون الالتزام بالضرورة بسقفِ الاجراءاتِ العامة المُعلَنَة من جانبِ المصرفِ.هكذا وجدَ دياب نفسه، وفي ظلِّ احتدامِ الصراعِ الايراني الاميركي ربطًا باغتيال قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، أمام فريقٍ سمَّاه، هو في “جيناتهِ” رافضٌ في الأساسِ لمخلوقٍ هجينٍ إسمه “حكومة تكنوقراط”، لكنه يتحَجَّج اليوم بالحدثِ العراقي وامتداداته “العسكرية” في المنطقةِ كي يعيد إحياء حكومات “تقبير بعض” و”التمرير لبعض”!وبلغةٍ أخرى، هي حكومةُ “لمّ الشمل” العنوان الأفظع لمسارٍ حكوميٍّ منذ التسعينيّات الذي شكَّلَ الغطاء السياسي والراعي الرسمي لكل عمليات النهب وتقاسم الحصص على امتدادِ العهودِ. وربما الأكثر استفزازًا في هذا الطرح تجاهل واقع وجودِ بركانٍ شعبيٍّ في مرحلةِ الغليان لكنه لم يلامس حدّ الانفجار… حتى الآن!ووفق المعطيات، يبدو أنّ دياب يقف، مدعومًا من جزءٍ من الشارعِ، في مواجهةِ كافة القوى التي سمَّته من فريقِ رئيسِ الجمهورية الى حركة أمل وحزب الله الذي بات أمام حساباتٍ حكوميّةٍ مغايرة تمامًا بعد اغتيال سليماني تدفعه أقلَّه صوب دائرة التريث في دراسةِ احتمالاتِ المواجهة داخليًا وخارجيًا. مع العلم، أنّ مصادرَ الرئيس المكَلَّف تؤكد، أنّ “الحزب لا يزال داعمًا لدياب وهو من المُستَعجلين لولادة الحكومة ومن أكثر المُسهِّلين لها”.وفيما بدت الاتصالات في الساعات الـ 48 الماضية جامدة كليًا، تؤكد المعطيات، أنّ الرئيسَ المكَلَّف أطفأَ محرّكاته حيث توقفت الحركة المكوكيّة للمهندس شادي مسعد بين المقرّات خصوصًا بين دياب وباسيل بانتظار مبادرةٍ ما تعيد إحياء المفاوضات.ويجزم مطلعون، أنّ في الظاهرِ، برزت عقدةُ الخارجية بين دياب وباسيل كأمِّ العقد ومع وصول كافة الحلول المطروحة في شأنها الى الحائطِ المسدودِ، توالت بشكلٍ واضحٍ المواقف المعرقلة عبر اصطفافِ القوى الداعمة في البدايةِ لدياب في المقلبِ المضاد له من رئيسِ الجمهورية الى الرئيس نبيه بري ودعوته الى حكومةِ لمّ الشمل التكنو سياسية المُناقِضَة تمامًا لجوهر تكليف دياب، الى باسيل الذي يكاد يرفع البطاقة الحمراء بوجه إبن بيروت، وسليمان فرنجية الذي يطالب بوزيرَيْن وصولًا الى حزب الله الذي يستعجِل ولادة الحكومة “من دون التوقفِ عند أيّ اعتباراتٍ”، كما يقول، لكنه لا يمارس القدر الكافي من الضغوطِ على من يُكبِّل الرئيس المكَلَّف في مهمّتهِ. أما الاخير، فموقفه ثابتٌ: لا اعتذار تحت أي ضغطٍ كان.