الخبر الأول الذي أعلنته وزيرة الطاقة ندى بستاني يتعلق بتأجيل دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن الغاز من 31 كانون الثاني إلى 30 نيسان المقبل. عَرَضاً، و«منعاً لأي التباس»، كما قالت، أعلنت أيضاً تأجيل عملية الاستكشاف في البلوك رقم 4. لم تحدد موعداً جديداً، كما لم تشأ التطرق إلى التأخير الحاصل. اكتفت بالإشارة إلى أنه «ما زلنا في انتظار وصول الباخرة Tungsten Explorer التابعة لشركة Vantage Drilling الملتزمة بالتوجه إلى لبنان بعد الانتهاء من عملها في الخارج». لكن تجدر الإشارة إلى أن الاستكشاف كان مقرراً في منتصف كانون الأول وتم تأجيله حينها إلى منتصف كانون الثاني، بسبب تأخر باخرة الحفر في مصر حيث تعمل حالياً قبل انتقالها إلى لبنان. لكن بحسب المعلومات الجديدة، فإن الباخرة لم تنه عملها في مصر بعد، وهي واجهت تأخيراً تقنياً نتج عن دخول الحفّارة في طبقة طرية أعاقت عملها وأجّلت إنجازه، مع احتمال أن تجري اختباراً جديداً تليه أيام من الصيانة، قبل أن تنتقل إلى لبنان.
الموعد الجديد الذي لم تُعلن عنه بستاني، لأنه ليس مضموناً، هو التاسع من شباط المقبل. الأكيد أن أياماً بالناقص أو بالزائد لن تؤثّر على انطلاق مرحلة الاستكشاف.

خمس سنوات؟
بالنتيجة، فإن وصول الحفّارة بعد نحو شهر قادر على إعطاء إشارة إيجابية وسط كل هذا الانهيار. لكن، في المقابل، يتردد سؤال بين عدد من السياسيين عن سبب الحاجة إلى خمس سنوات بعد الاستكشاف للبدء بإنتاج الغاز بكميات تجارية. يذهب البعض إلى اعتبار ذلك مقصوداً من قبل الشركات الغربية، تعزيزاً لوضع إسرائيل على خارطة الغاز في المنطقة. لكن، بحسب مصادر مطّلعة، لا مكان لنظرية المؤامرة هنا. تكفي الإشارة إلى أن البئر الاستكشافية الواحدة تُكلّف ما يزيد على 60 مليون دولار (يمكن أن تحفر أكثر من بئر)، وبالتالي، فإن أولوية شركات التنقيب في أي مكان في العالم هي استرداد الاستثمار في أسرع وقت ممكن.
أما بشأن فترة الخمس سنوات المقدّرة، فهي فترة تشمل التحضيرات التي يقوم بها التحالف (مناقصات وعقود تتعلق بتطوير البئر ومدّ الأنابيب في حال تبيّن وجود كميات تجارية، ثم بدء الأعمال التنفيذية). كذلك، فإن تلك الفترة تأخذ بعين الاعتبار عدم وجود بنية تحتية أو تجهيزات لاستخراج الغاز في لبنان. يكفي أن كل الحكومات فشلت في تمديد الخط الساحلي، الذي يُفترض أن يربط بين معامل الكهرباء. كذلك، بخلاف النفط، فإن استخراج الغاز لا يتمّ إلا بكميات وقّعت عقود بيعها مسبقاً. ولذلك، يجب أن تحدد حاجة لبنان من الغاز، قبل البدء باستخراجه. أضف إلى ذلك، فإن التحضيرات التقنية لا تقتصر على مدّ الأنابيب، بل تتضمن تحديد السيناريوات الأفضل لتطوير الحقول، وكذلك اختيار الطريقة الأفضل لمعالجة الغاز وتنظيفه. هل تتم على الشاطئ أم في عرض البحر؟ كل ذلك يحتاج إلى تكاليف رأسمالية باهظة وإلى ما لا يقل عن أربع سنوات.

هذا لا يعني أن الفترة المطلوبة لبدء الاستخراج ثابتة. حقل زهر المصري طُوّر في مدة قياسية قلت عن ثلاث سنوات. هو استثناء مبني على عوامل كثيرة، أولها وجود بنية تحتية مصرية جاهزة، اقترنت بحاجة السوق المصري إلى الغاز بكميات ضخمة، وبالتالي تسهيلها كل الأعمال المرتبطة ببدء التنفيذ.
يذكّر مصدر معني بأن المدة المتوقعة سابقاً كانت سبع سنوات، لكنها انخفضت بفضل تطوير تقنيات الاستخراج، مشيراً إلى أنه «إذا قمنا بكل ما هو مطلوب بالسرعة اللازمة يمكن الحديث عن بدء الاستخراج خلال أربع سنوات، والأمر يتطلب بالدرجة الأولى تسريع الإجراءات، ويرتكز على افتراض أن إنتاج دورة التراخيص سيُخصص للسوق المحلية، فلو كان الإنتاج سيُصدّر لكانت عملية بناء المنشآت تحتاج ربما إلى عشر سنوات».

تأخير إيجابي؟
إذا كان تأخير مرحلة الاستكشاف في البلوك رقم 4 لأيام لن يؤدي إلى مشكلة فعلية، فإن تأجيل دورة التراخيص الثانية والمتعلقة بالبلوكات 1 و2 و5 و8 و10، سيؤدي إلى تعزيز المنافسة، وبالتالي إمكانية الحصول على عروض أفضل. بحسب بستاني، فقد أجّلت هذه الدورة «نظراً إلى تلقي وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول طلبات من شركات بترول عالمية لتأجيل الموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية، لإفساح المجال لهذه الشركات لاستكمال تحضيراتها الإدارية والتقنية المنصوص عليها في دفتر الشروط».
وفي التفاصيل، تبيّن أن شركات صينية أبدت اهتمامها بالدخول في دورة التراخيص تلك، لكنها طلبت التأجيل لفترة وجيزة ريثما تشتري نتائج المسوحات الثلاثية الأبعاد وتُعدّ عرضيها المالي والتقني. كذلك، فإن شركة «توتال» طلبت بدورها التأجيل لتتمكن من إعداد ملفها. كما تبدي شركات روسية اهتمامها بالدخول في المناقصة، أضف إلى شركتي «بريتيش بتروليوم» و«شيل».

في النتيجة، تبيّن لهيئة إدارة قطاع البترول ولوزارة الطاقة أن التأجيل سيكون لمصلحة تعزيز المنافسة ومشاركة أكبر عدد من التحالفات، خلافاً للدورة الأولى التي شارك فيها تحالف واحد وهو تحالف توتال (الفرنسية) – إيني (الإيطالية) – نوفاتيك (الروسية). وفيما لم تُبد شركات أميركية اهتماماً بالتنقيب عن النفط في البحر اللبناني، فإن مصدراً تقنياً يُوضّح أن السبب ليس سياسياً، بل لكون الشركات الأميركية لا تملك الخبرة الكافية للتنقيب في الأعماق، علماً بأن الشركات الكبرى المتخصّصة في هذا المجال في العالم لا يتعدى عددها 12 شركة.