على الرغم من الحاجة الملحة إلى الحماية الاجتماعية، لا يزال الحق الأساسي في الضمان الاجتماعي غير متوفر لنسبة كبيرة من المواطنين، إذ يتصف نظام الحماية في لبنان بانخفاض معدلات التغطية وانعدام الدعم. فقرابة الـ 80 في المئة من السكان فوق الـ 65 عاما ليس لديهم لا تقاعد ولا تغطية كرعاية صحية، بينما لا يغطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سوى 30 في المئة من الفئة العاملة، بالمقابل لم يتم تأسيس صندوق توظيف لحماية الذين يسرحون من وظائفهم أو لا يستطيعون إيجاد وظائف في ظل عدم كفاية الحماية الاجتماعية وغياب القوانين.
إن هكذا إجراءات تؤثر سلبا على المسنين، لذا يعتمد كثر على مداخيل غير مستديمة كالعمل في القطاع غير المنظم، وحصارهم في دائرة الفقر وحرمانهم من أهم مستلزمات الرعاية وهي ضمان الشيخوخة.
شهادات
أخبرتنا المواطنة أم وليد عن معاناتها في الإستشفاء: “أنا إمرأة مريضة وعمري 66 عاما أعاني مرض السكري والضغط وغير قادرة على دفع أجرة الطبيب لأننا فقراء”.
فهي تعتمد على “بسطة خضار” في تحصيل قوتها اليومي وحتى الدواء هي غير قادرة على شرائه، فيقوم محسنون بتأمينه لها ولزوجها.
أما نجيب مبارك فحدثنا عن تجربته: “كنت موظفا في معمل للخياطة وكنت مضمونا بنسبة 75 في المئة وعندما تقاعدت لم يعد يشملني الضمان. وعدونا ببطاقة استشفاء وحتى الآن لا نستطيع استعمالها”.
سنية علوش مضمونة على اسم زوجها على نمرة عمومية تخبرنا:” ضماننا لا يغطي معظم علاجاتنا، فالفواتير التي نقدمها لا تقدم نصف قيمة الأدوية وبعض الفواتير ترفض كليا حتى لو كانت قيمتها 200 ألف ليرة”.
وزارة الصحة
وأكدت وزارة الصحة أن “قانون ضمان الشيخوخة يطبق بشكل ضئيل جدا في المستشفيات الخاصة والعامة، فالوضع المادي للبلاد يعيق هكذا مشروع. المستشفيات الخاصة لا يمكنها الاستمرار عندما لا يتم دفع المبالغ المستحقة لها من الدولة لقاء تقديم خدمات الاستشفاء للمسنين بخلاف المستشفيات الحكومية التي تضطر أحيانا إلى إعطاء الأفضلية لمعالجتهم”.
وأكد المستشار الإعلامي لوزير الصحة محمد عياد أن الوزارة تبذل جهودا لدعم المسنين، وقال:” تنشىء الوزارة مشروع دعم مراكز الرعاية الصحية الأولية والتي تتبع لجمعيات وبلديات تنتشر في المناطق، عددها 90 مركزا وقريبا سيرتفع العدد إلى 250 مركزا، وتتلقى المساعدات بعدد كبير من الأدوية التي يحتاجها المواطن وخصوصا من هم فوق ال ـ 65 عاما الذين يعانون أمراض الضغط والقلب والسكري، والمشروع مشترك بين منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة PRIMARY HEALTH CARE ويؤمن المركز خدمات الاستشفاء من فحوص وأدوية لقاء مبلغ زهيد يدفعه المواطن وبخاصة المسن”.
أضاف: “منذ عام، كانت مقومات هكذا مراكز ضعيفة وينقصها كل المواد الأساسية ولكن يتم تطوير هذه المراكز باستمرار بحيث يفرض الربط بين المركز اي عيادة الطبيب والمستشفى لتخفيف العبء عن المواطنين”.
شعبان
أما رئيسة دائرة الشؤون الاجتماعية في وزارة الصحة نوال شعبان فأكدت “عدم وجود برنامج محدد في الوزارة اسمه استشفاء معمم لكل مسن، هناك مستوصفات تابعة لوزارة الشؤون تؤمن الاستشفاء والدواء لكل مسن فقير ومعظم الأدوية الأساسية غير متوافرة وبالمقابل ما من دعم لتأمين دخول المستشفيات لإجراء عمليات جراحية في حال وجود حالات مستعصية، والسبب الشح القاسي في الدعم”.
وأضافت: “هناك دور فعال لدور العجزة التابعة لنا وهي مدعومة بشكل ممتاز من الدولة حيث تؤمن كل الاحتياجات الطبية والترفيهية للمسن”.
أرشيف
في العامين 2017 و2018 تلقت منظمة العمل الدولية طلبا رسميا من كل من وزير العمل والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ورئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان ومن شركائها الاجتماعيين لدعم إصلاح نظام التقاعد، وبدورها شكلت دعم أوسع في نطاق يشمل العاملين في القطاع الخاص. وأسست مشروعا لدعم الحكومة لتطوير تغطية الحماية الاجتماعية ومنها المسن والطفل والعمال المستضعفين والمعوقين وتطبق الخطط بشكل عملي حيث تبدأ بزيارة المناطق التي تتضمن مسنين مهملين. واللافت ان لبنان يعيش تحولات ديموغراغية من مجتمع شاب نحو مجتمع مسن حيث ستتخطى نسبة كبار السن الـ 14% سنة 2035 في ظل سياسات قانونية هشة على صعيد الشيخوخة. لذا قامت الإسكوا بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية في 21 حزيران 2018 في الأمم المتحدة في بيروت بإنجاز ورشة بعنوان “الإطار القانوني وواقع الأعباء المالية المفروضة على كبار السن في لبنان وسبل امكانية إعفائهم منهم”، في حضور مجموعة من المختصين والمسؤولين تشمل النقاط حول حقوق كبار السن والخصائص الاجتماعية لهذه الفئة والتطرق الى طبيعة النظام الضريبي في الدولة وكيفية انعكاسه على أحوال المسنين، في هذا السياق يتوسع البحث لناحية أنظمة التقاعد والضمان الصحي اي ضمان الشيخوخة والتغطية الصحية الشاملة والسكن والنقل ومشاركة كبار السن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويعتبر الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي في حديث صحافي أن “الدولة ليست صديقة لشعبها. فهي ليست داعمة لشعبها وساهرة على ابنائها، فكيف المسنون؟”.
وتشير الدراسات التي نظمتها “الإسكوا” إلى أن “لا قانون خاصا بكبار السن يعرف هذه الفئة المجتمعية او يحدد الحقوق والخدمات الحكومية العائدة لها. هناك فئة عمرية ممتدة بين 65 الى 75 وفقا للدراسة حوالى 70 في المئة من مجمل كبار السن في لبنان هذه الفئة تعيش بمعظمها في ظل غياب شبكات الحماية الاجتماعية لكبار السن، ما يدفعهم للذهاب الى العمل بعد سن التقاعد وبخاصة أن الذكور بين 65 و70 عاما هي الأعلى عالميا. ذلك يستمرون بتكبد مصاريف المستلزمات الأساسية للحياة كالماء والكهرباء والمحروقات والنقل والصحة.
ويشدد المسؤولون على ضرورة حصول المسنين على حقوقهم، في الوقت الذي تفرض هذه النفقات على السلطات في دول العالم لتأمينها للمسن. ويعقب على ذلك ممثل الهيئة الوطنية الدائمة لرعاية شؤون المسنين في لبنان نبيل نجا انه لا “يمكن الحديث عن اصلاح سياسات في لبنان انما يجب بناء سياسات الشيخوخة”، ويعتبر أن “سوق العمل في لبنان يؤدي الى تفاقم الأزمة حيث أن أكثر من 50% من العمال غير نظاميين، هؤلاء في سن التقاعد ليس لديهم تعويض تقاعد ولا ضمان شيخوخة”.
نقاط الخلاف
يشهد الملف خلافات من أكثر من طرف حول مضمونه حيث لقي اعتراضا من الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية والضمان الاجتماعي إذ تم إعادة هذا القانون ومنذ العام 2008 وهو يقبع في أدراج مجلس النواب.
وأعاد النائب السابق عاطف مجدلاني البحث في الملف لتقديمه الى الهيئة العامة لتعجيل اقراره، وأكد ان الخلاف السياسي سيتحدد لذا اشترطت الهيئات الاقتصادية معاودة البحث في القانون.
وكان مجدلاني أكد أن “هناك بوادر للبحث في هذا الموضوع وستجرى تعديلات من الواجب ادخالها”، لافتا الى “عناية يبذلها رئيس المجلس نبيه بري لإنجاح هذا المشروع وتسريع إقراره حيث يتابع عن كثب أعمال اللجنة”. وشرح أن “مشروع القانون من شأنه أن يقدم راتبا تقاعديا للمسنين ، وتحسين أوضاعهم المعيشية”.
في ظل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المواطنون من غلاء وفقر وصعوبة الإستشفاء وتأمين الحاجات الأساسية، حملنا المسنون رسائل يناشدوننا فيها الإهتمام بقضيتهم وقالوا بالحرف الواحد: “عم نموت من الوجع لا تتخلو عنا”. نداء برسم المعنيين. فهل من مجيب؟.
الوكالة الوطنية