وُلدت الزهراء (ع) في 20 جمادى الثاني في مكّة المكرّمة في السنة الخامسة من البعثة النبوية، على ما يرويه أكثر علماء الشيعة، توُفّيت أمها السيدة خديجة بنت خويلد في السنة العاشرة للبعثة، وذلك بعد خروجها من حصار شعب أبي طالب مريضة ضعيفة، وكانت الطفلة فاطمة معهم في الحصار فنالها الضعف أيضاً، عاشت الزهراء مع أمّها بعد الحصار قريباً من العام، إذ فُجعت بأمّها التي كانت تمنحها الدفء والحنان، وبقيت مع رسول الله (ص) تلوذ به، عن الإمام الصادق (ع) قال:فجعلت تلوذ برسول الله (ص) وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه اين أُمّي؟ فجعل النبي (ص) لا يجيبها ، فجعلت تدور وتسأله: يا أبتاه أين أُمّي؟ ورسول الله (ص) لا يدري ما يقول، فنزل جبرئيل (ع) فقال: إنّ ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إنّ أُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة (ع): إنّ الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام .
كان لفاطمة خمس سنوات من العمر حين فقدت والدتها، ليتبعها كافل النبي وحاميه أبو طالب في الرحيل، فسمّى رسول الله (ص) ذلك العام عام الحزن، حيث لم يكن أحدٌ – من قريش وغيرها – يجرؤ في حياة أبي طالبٍ أن ينال من رسول الله (ص)، فاضطر رسول الله (ص) بعد فقد أبي طالب أن يشرع في الهجرة من مكّة، وقد قال رسول الله (ص): ما نالت منّي قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب … فعندما كانوا يثيرون التراب على رأس رسول الله (ص) كانت فاطمة الطفلة ترى ذلك وتسمع استهزاءهم، فكانت تحنوا على أبيها وتفديه بروحها وتغمره بحنانها، روى مسلم عن ابن مسعود قال:بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلىجزور بني فلان فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه. فلما سجد النبي (ص) وضعه بين كتفيه فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة لطرحته عن ظهره، والنبي ساجد لا يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة (ع) فجاءت وطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تؤنبهم على ذلك.
وكانت (ع) تُخفّف عن أبيها بابتسامة، ويوماً كانت تصب له الماء ليغسل ما أصيب به؛ فدمعت عيناها، فالتفت إليها رسول الله (ص) مبتسماً ومُطمئناً لها قائلاً: لا تجزعي يا بُنيّة؛ إنّ الله ناصرُ أباك.
لقد أظهرت الزهراء (ع) أنها بعد أمها لم تكن تلك اليتيمة التي تشكّل عبئاً على أبيها، بل أدّت دورها الرسالي في الوقوف إلى جانبه (ص)، موقف العالمة بظروف أبيها وما يُحيط به من شدائد، فلم يجد رسول الله (ص) ما يُعبّر عن تقديره لها أفضل من تسميتها بأمّ أبيها، وفي السنة الثالثة عشر للبعثة، وبعد يأس قريش من التأثير على النبي (ص) قرّرت التخلّص منه بقتله، وقد أطلعه الله سبحانه على ذلك وأمره بالهجرة، وبات علي (ع) في فراش النبي (ص)، وفي اليوم الثاني نفّذ أمير المؤمنين (ع) وصايا رسول الله (ص) بتأدية الودائع والأمانات لأهلها، ومن بعدها خرج بالفواطم لاحقاً برسول الله (ص)، وقد كان عمر الزهراء (ع) حينها ثمان سنوات، في الرواية عن ابن عبّاس:هاجرت فاطمة مع أمير المؤمنين (ع) فقدمت المدينة، فأنزلها النبي (ص) على أمّ أيوب الأنصاري، وخطب رسول الله (ص) النساء، وتزوّج سودة أوّل دخوله المدينة فنقل فاطمة (ع) إليها، ثمّ تزوّج أُمّ سلمة فقالت أُمّ سلمة: تزوّجني رسول الله (ص) وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أدلّها وأؤدّبها، وكانت والله آدب منّي، وأعرف بالأشياء كلّها، وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء .
بعد استقرارها مع رسول الله (ص) في المدينة؛ تعرّض لخطبتها أكابر المسلمين، وكان رسول الله (ص) كلّما ذكرها أحدٌ أعرض عنه، في الرواية عن أنس بن مالك قال:جاء أبو بكر إلىٰ النبي (ص) فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي ، قال: وما ذلك ؟ قال : تزوجني فاطمة، فأعرض عنه. وأتىٰ عمر إلىٰ النبي (ص) فقال له مثل ذلك فأعرض عنه، وخطبها عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه، وكان (ص) ينتظر بها القضاء. ثم جاءه علي (ع) والحياء بادٍ عليه وجلس عند رسول الله (ص) واستحيا أن يكلّمه في أمر فاطمة (ع)، فبادره النبي (ص) بسؤاله عمّا جاء به، فقال علي (ع): ذكرتُ فاطمة يا رسول الله، فاستبشر وجه النبي (ص) ودخل على فاطمة (ع) ليستشيرها، وكانت قبل ذلك اليوم كلّما حدّثها رسول الله عن أحدٍ جاء ليخطبها تُدير وجهها جانباً، وعندما حدّثها عن علي (ع) بقيت تنظر إلى وجه أبيها مبتسمة وبقيت ساكتة، فقال رسول الله (ص): الله أكبر؛ سكوت البكر رضاها . والنبي (ص) العالم بحال علي (ع) وأنه لا يملك في هذه الدنيا إلاّ سيفاً ودرعاً غنمه في بدرٍ، فأمره أن يبيع الدرع ويأتيه بثمنه، وكان الزواج بأمرٍ إلهي لرسوله محمد (ص)، فقد قال رسول الله (ص) في خطبة الإمام علي (ع) لسيدة النساء (ع): إن الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لاحقا، وأمرا مفترضا، وشج بها الأرحام، وألزمها الأنام، قال الله تعالى ” وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ” ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي، وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة ان رضيت يا علي؟ قال:رضيت يا رسول الله .
هذا يؤكّد على أنّ هذا الزواج المبارك قد بدأ من السماء قبل الأرض، وأنّ الله سبحانه قد أمر نبيّه (ص) أن يزوّج هذين النورين، أخذ النبي (ص) المهر ودفعه لبعض أصحابه ونسائه ليشتروا جهازاً للبيت الجديد، فكان جهاز السيدة فاطمة عليها السلام جهازاً في غاية البساطة قوامه:*فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم.- نطع من أدم (جلد).- وسادة من أدم حشوها من ليف النخل.- عباءة خيبرية.- قربة للماء.- كيزان (جمع كوز) وجرار (جمع جرَّة) وعاء للماء.- مطهرة للماء مزفَّتة.- ستر صوف رقيق.- قميص بسبعة دراهم.- خمار بأربعة دراهم.- قطيفة سوداء.- سرير مزمَّل بشريط.- أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر (نبات معروف).- حصير هجري.- رحى لليد.- مخضب من نحاس.- قعب للبن.- شنٌّ للماء.فلما عرض المتاع على رسول اللَّه وكان في حجرة أُم سلمة جعل يقلِّبه بيده ويقول: بارك اللَّه لأهل البيت. جُلُّ آنيتهم الخزف…
عاشت سيّدة نساء العالمين (ع) حياةً متواضعةً، وكانت تعمل بيدها، عن الإمام الباقر (ع) قال:إنّ فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت ، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب : نقل الحطب وأن يجيء بالطعام . عن الإمام الصادق (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة (ع) تطحن وتعجن وتخبز . قال الإمام علي (ع) في حق الزهراء (ع):فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان. وقال أمير المؤمنين (ع) يوماً للزهراء (ع):يا فاطمة هل عندك شيء؟ .فقالت (ع): والذي عَظَّم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نُقرِيكَ به.فقال (ع): أفلا أخبرتني؟ .فقالت (ع): كان رسول الله (ص) نهاني أن أسألك شيئاً، فقال (ص): لا تسألينَ ابن عَمِّك شيئاً، إن جاءك بشيء وإلا فلا تسأليه.
فاطمة الزهراء (ع) كانت هي التي تقوم بأعمال المنزل كلّه مدّة طويلة، حتى قالت بعض الروايات أنّها (ع) استقت بالقربة، وطحنت بالرحى حتى مجلت يدها، وقمّت [كنست البيت] حتى اغبرت ثيابها، حتى أنها عندما صارت عندها فضّة لم توكل لها كلّ العمل لترتاح؛ بل ناصفتها (ع) العمل؛ فيومٌ على الزهراء (ع) ويومٌ على فضة، وليس هذا من فاطمة إلاّ مظهر من مظاهر التواضع والعدل في بيتها، وكان ثمرة الزواج المبارك الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم .سمّاهم رسول الله (ص) وأحاطهم بحنانه وعطفه وتربيته، فكانوا خيرة البشر، وحظي الحسن والحسين بمساحة كبيرة من حبّ رسول الله (ص)؛ فهما ريحانتاه، يشمّهما، ويُكثر من تقبيلهما، ويحملهما على عاتقه، فاستوحيا رسالته وروحانيته وأخلاقياته، حتى تجسّدت فيهما شخصية رسول الله (ص) .
وأما عبادتها (ع)؛فعن الإمام الصادق (ع) بسنده إلى الإمام الحسن (ع) أنه قال:رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، و سمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني، الجار ثم الدار. وفي تفسير الثعلبي عن الإمام الصادق (ع) قال:رأى النبي (ص) فاطمة وعليها كساء من أجلّه الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (ص) فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه. وقد وصف النبي (ص) عبادتها فقال:وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبَيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله، زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خِيفتي، وقد أقبلت بقلبها إلى عبادتي، أُشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النّار.
كانت (ع) عالمة عظيمة تخرج لإقامة الحجة على مَنْ تقمّصوا الخلافة وسلبوها فدكاً، توجّهت لمسجد رسول الله (ص) ووُضع لها ستار، فألقت خطبتها الشهيرة المعروفة بالخطبة الفدكية، وكانت خطبةً سياسيةً دينية عقيدية تاريخية اجتماعية ثورية، وبيّنت علل التشريعات العبادية، بدأت خطبتها بحمد الله والثناء عليه، وبيّنت فضل رسول الله (ص) عليهم وعلى سائر المخلوقات، وتحدّثت عن القرآن ووجوب محافظة المسلمين عليه، وبيّنت مقام رسول الله (ص) وجهاده، وبيّنت علل بعض العقائد والشرائع فقالت:فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، ” فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه ” إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ”.
لم يكن خروجها (ع) لأجل مطلب دنيوي؛ بل لتؤكّد أنه على المسلم والمسلمة أن يطالبوا بحقوقهم الخاصة، وحقوقهم السياسية، فلا يمكن أن نوفي الزهراء (ع) حقّها بالبكاء عليها وذكر مصيبتها والحديث عن مظلوميتها فحسب، بل يجب أن نأخذ منها العبر في مسيرتنا دفاعاً عن الحق، وعدم الانطواء، وهذا نفس الدور الذي قامت به ابنتها الحوراء زينب (ع)، يقول الأستاذ العقاد: في كلّ دينٍ صورةٌ للأنوثة الكاملة المُقدّسة، يتخشّع بتقديسها المؤمنون، كأنّما هي آيةُ الله فيما خلق من ذكرٍ وأنثى … فإذا تقدّست في المسيحيّة صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورة فاطمة البتول .
إننا نستنكر أعمال الشغب التي جرت في اليومين الأخيرين في بيروت والمناطق،ونطالب بحصر التحركات بالأمور المطلبية بعيداً عن الإهانات المتبادلة بين الناس وقوى الأمن وبعيداً عن قطع الطرقات.
إن تحويل الحراك الشعبي إلى صدام مع جزء من الشعب والقوى الأمنية يُخرج الحراك عن مساره المطلبي والمحق،ونعتبر أن من يقوم بالاعتداء والرد على الاعتداء هم شركاء للفاسدين.
إن على المسؤولين اللبنانيين أن يسارعوا إلى وضع حد لحالة الفلتان القائمة عبر تشكيل حكومة إنقاذية بكل معنى الكلمة، تُـنقذ المال والاقتصاد والأمن، بعيداً عن المحاصصات والحسابات الخاصة.
ونختم بالتمنّي على اللبنانيين مسؤولين ومواطنين السعي في إنقاذ البلد من حالة اللا إستقرار والفوضى القائمة،ونثمن جهود البعض في ضبط الشارع والسعي لمعالجة الأزمة، ونستنكر التعرض للإعلاميين،ونشدد على اعتماد المهنية من قبل الإعلام والأمن بعيداً عن الاصطفافات.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين .
تصوير رامي أمين