Home / اخبار رئيسية / وقاحة ترامبية أم وضاعة عربيّة!؟

وقاحة ترامبية أم وضاعة عربيّة!؟

حسين غدار

يطالعنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كل محطة من فترته الرئاسية الخارجة عن المألوف، بمواقف هستيرية هوجاء تخرق كل الخطوط الحمراء ومكسرة لكل الحدود المفترضة لأصول التخاطب والأداء السياسي. فهو، بكل صلافة ووقاحة وقّع بما عُرف تسميةً ب “صفقة القرن” المشؤومة.
فهل توقيعه يلغي حقّاً القضية الفلسطينية؟ أم أنّه كشف عن حجم العجز والضعف والتطبيع الخائن لمعظم الحكام العرب؟ وهل بات قدسنا الشريف رهينة لهذا الأخرق والنتن ياهو؟ أم أنّ النفوس الأبيّة والمقاومة الشريفة ستسقط هذه المؤامرة؟
في استعراض بسيط لمجريات بضعة من الأحداث السالفة يتبين لنا التدافع والتهالك لحزمة القطر الخليجي بتسطير أقبح العلاقات والصداقات مع الكيان الغاصب. فهم لم يوفروا مناسبة إلا وأظهروا مدى تعلّقهم بالمحتل، كبطولة “التسامح” للجودو في “أبو ظبي” التي تم إقامتها في شهر تشرين الأول من العام 2019 المنصرم والتي شارك فيها فريقاً إسرائيلياً للتسامح!؟ والأسوأ أن نتائج هذه البطولة مكّنت العربي من رؤية العلم الإسرائيلي مرفرفاً على منصة التتويج على وقع ألحان النشيد لقاتل أحلام الطفولة الفلسطينية.
كما أن الكيان الصهيوني أعلن بكل وضوح عن البدء ببناء جناحه في “إكسبو دبي 2020″، ذاكراً أن عملية البناء الطويلة تتم بالتعاون والتنسيق الكاملة مع الإمارات. في حين أن تأسيس جمعية الصداقة السعودية الإسرائيلية في الرياض يندرج في نفس السياق الذي يظهر مدى الجهل والتغاضي عن الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني وعن الأراضي المسروقة والمتروكة في الجولان المحتل وعن إنهاء عودة اللاجئين إلى ديارهم.
لم تخجل معظم الدول الخليجية بفتح هذه القنوات للتواصل مع المحتل، فهم لم يروا فيه تهديداً، بل، وللتعمية عن شناعة قرارهم، اصطنعوا عدواً جديداً هو الإيراني، من ناصر الشعوب المقهورة وأمدّها بالعون والعتاد، والخارج منتصراً بعد ثورة الإمام الخميني الراحل الذي قام بتحويل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة دولة فلسطين. إيران هذه تكشف أقنعتهم الزائفة وشعاراتهم الواهية، لهذا كانت لهم، دون غيرها، عدواً لدوداً. ومن سخرية القدر أن إيران الفارسية في زمان الشاه كانت البوليس والحامي والمدافع عن المصالح الأميركية والإسرائيلية، وكانت كل الدول الخليجية تخضع لسلطة ملك الملوك المخلوع. طالما أن إيران تنفذ الأجندة الأمريكية لم تكن مصدر خوف وقلق في المنطقة، إلا أن تحول إيران إلى معادة الكيان الغاصب ومناصرة القضايا المحقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية كان كافيلاً بجعلها العدو الأوحد!؟
وللتأكيد هم لم يقفوا عند هذا الحدّ، بل سعوا إلى إشعال المنطقة العربية بحروب دموية إجرامية وسخروا لهذا كل إمكانياتهم وأموالهم واستجلبوا مرتزقات الشيشان والأفغان وو إلى العراق وسوريا وحتى لبنان. ولعل عاصفة الحزم التي شنتها السعودية في آذار من العام 2015 على اليمن بمعاونة عدد من الدول الشريكة في إبادة شعب بأكمله، تؤكد مدى ضياع البوصلة والوجهة الحقيقية للصراع الذي بات عربياً-عربياً للأسف.
هذه النبذة والعينة البسيطة من الأحداث التي شهدتها منطقتنا وغذّت النعرات الطائفية والمذهبية مدّمرة الحجر والبشر، تظهر بما لا لبس فيه التخبط الذي تعيشه أمتنا العربية والإسلامية المفترض أن تكون موحدة بسبب روابط الدم والعرق والجغرافيا والتاريخ واللغة والهوية والرسالات السماوية..
فغياب الرؤية الوحدوية جعل من العرب لقمة سائغة وسهلة القضم لمطامح الأمريكي اللاهث خلف نفطنا ومصادر قوتنا، فالمقابلات التلفزيونية لترامب، قبيل حملته الإنتخابية وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، تؤكد إصراره على سرقة أموالنا ومقدراتنا. فهذا الرجل المنغمس في المادية والنفعية الظرفية والمصلحية لم يترك مناسبة إلا وأظهر مدى حرصه على إستغلال الحكام العرب وتجرأ على القول بوضوح للملك السعودي، عبر تصريح مسجل، أنك تحتاج للمساعدة الأمريكية وإلا لن تبقى في منصبك أكثر من أسبوعين، ولهذا يجب أن تدفع لكي نحميك؟! وما هذا الأمر الفظيع والمهين إلا أحد النماذج لكيفية التعاطي الترامبي مع أكبر الدول الخليجية.
الأمر الوحيد أن دونالد “المصلحجي” يتسم بالوضوح بمواقفه ولا يخجل بالإعلان بكل برودة أعصاب عن نواياه، إلا أنّه لم يكن يجرأ على فعل ما يريد لو تيقن أن هناك من يعارضه أو حتى يناقشه. فهو أضحى ملماً أن العرب لهم قضايا الدخيلة التي استعرت بينهم وشتت إنتباههم، وباتوا أعجز من أن يتخذوا موقفاً واضحاً وحازماً، ف عبد الناصر مات..
فلولا البقعة المشرقة والمنيرة في خيباتنا المتكررة والمتمثلة بإندحار العدو الغاشم مذلولاً من جنوب لبنان في أيار من العام 2000، والنصر الإلهي المؤزر في تموز 2006 ، لكنا نتغنّى على أطلال بطولاتنا الوهمية المنسية وأمجادنا الكاذبة.
صفقة القرن، تم توقيعها منذ أيام خلت، وللأسف بعض الأعراب الخونة كانوا حاضرين وشاهدين على هذه التصفية المشينة للقضية الفلسطينية، فهم كانوا ولازالوا من الحريصين على إقامة أفضل العلاقات مع الإسرائيلي المحتل، إلا أن المؤكد أن الكلام المكتوب سيبقى بلا قيمة أو حاضنة شعبية لأن الفلسطيني يعرف حقه وأرضه . فالمعول الآن بعد الله، على النفوس الأبيّة والمقاومة الشريفة أن تسقط هكذا إتفاقية مصطنعة ورذيلة، والتي خطتها ألانامل القذرة، وتدفع شبح المؤامرة من الإنفجار في كل بقاع المنطقة العربية. كما أن شعوب منطقتنا، لا حكامها، مطالبة بأن تكن صفاً واحداً وموحداً في وجه هذه الغطرسة الأمريكية-الصهيونية، وتسعى جاهدة للدفاع بكل ما أوتي من قوة عن الشعب الفلسطيني.

Check Also

غزة ما بعد العصر الإسرائيلي: قيامةٌ لا رجعة منها

يمثّل تحرير قطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي محطّة مضيئة في الصراع المستمرّ مع العدو، كونه …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم