بعد ان اهتزت صورته على مدى اسابيع بفعل الضغوط التي مارسها الحزب الديمقراطي عليه، خرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب بكل ثقة من مجلس الشيوخ الذي اسقط عنه كل التهم باستغلال منصبه، وابعد بشكل رسمي شبح العزل، الذي لاح في الافق بفعل اصرار الديمقراطيين على استعماله. وبعد هذا الانتصار، يسأل الكثيرون عن حظوظ ترامب في امكان فوزه بولاية رئاسية جديدة.
في الواقع، لم يكن مفاجئاً عدم عزل الرئيس الاميركي لاسباب كنا قد ذكرناها في مقال سابق، علماًان الديمقراطيين انفسهم لم يكونوا متوهّمين بتحقيق هذا الانجاز، انما ارادوا ان يزعزعوا صورة ساكن البيت الابيض ومن خلفه صورة الحزب الجمهوري ككل. وقد اثبتوا بما لا يقبل الشك، انهم قادرون على اقلاق راحة ترامب في اكثر من مناسبة وعند كل مفترق طرق، الا انهم لا يتمتّعون بالقوّة الكافية لاسقاطه. في المقابل، يعوّل الرئيس الاميركي على هذا الانتصار للدلالة على ان مكانة هذا المنصب لا تزال تتمتع بالهيبة اللازمة، كما ان دعم الجمهوريين له لا يزال صامداً ولو خرج صوت او صوتين منهم ينادون بعكس ذلك.ولا يزال ترامب يراهن على رصيد المال والاقتصاد لتثبيت اصوات الاميركيين في صناديقه، وهو ينطلق حالياً بدعم نصفهم، وما عليه سوى تأمين العدد القليل من النصف الآخر كي يرسّخ فوزه الجديد بالرئاسة. وليس سراً على انه يعتمد كذلك على تنوّع المنافسة لدى الديمقراطيين الذين سيتقاتلون في ما بينهم للوصول الى شخصية يرونها قادرة على منافسة الرئيس الحالي في عقر داره وفي ملعبه. وليس بعيداً عن الملعب الانتخابي، يرى ترامب ايضاًانه سيحظى بأصوات اللوبي الاسرائيلي والتيارات المتشددة، بفعل كل ما قام به خلال السنوات الماضية ولعل ابرزها قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس والكشف رسمياً عن “صفقة القرن”.
وليس هناك من شك ان اي شخصية ستخلف ترامب، لن تكون قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه في الشقالمالي، فطبعه الغريب كان كفيلاً بسحب اموال العرب بألف طريقة وطريقة، والانسحاب من اتفاقات وموجبات ماليّة كان على الولايات المتحدة دفعها في محافل دوليّة، والى اصدقاء وحلفاء في قارات العالم. كل هذه المعطيات، تؤشر الى انه لن يكون من السهل ابداً ايجاد شخصيّة جديدة تسكن البيت الابيض الذي يبدو انه سيعتاد على ساكنه لولاية جديدة، رغم امتعاض نصف الاميركيين، واستياء المواطنين من اصول عربية ولاتينية، وعدم تقبّل اصحاب البشرة السوداء لمنطق ترامب بالاستعلاء وتبني نظرية تفوق اصحاب البشرة البيضاء… ولكن تبقى نقطة ضعف وحيدة قد تفشل كل مخططات الرئيس، وهي مرتبطة بالعلاقة التي تجمعه بروسيا بشكل عام وبالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل خاص، لان نار العصبية الاميركية اشتعلت بفعل القوة الروسية المضطردة، وعدم القبول بأي “تفوق” روسي على اي صعيد اكان الكترونياً ام عسكرياً ام دبلوماسياً وسياسياً. هذا العامل الوحيد الذي لا يمكن توقع نتائجه، فالاميركيون لن يقبلوا برئيس يهادن الروس ويتحمّل تصرفاتهم التي يعتبرونها مستفزّة وغير بريئة، وسينتفضون حتماً من اجل رفض اي شخص لا تطبّق عليه مواصفاتهم في هذا المجال، وعندها فقط، يمكن الكلام عن انتكاسة في معسكر ترامب، وازدياد الشكوك حول قدرته على تأمين ولاية جديدة.
حُكي الكثير عن ان بوتين كان مفتاح سر فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية السابقة على حساب هيلاري كلينتون، وها هو بوتين نفسه اليوم يعيد الكرّة حيث سيكون بيضة القبان التي ستطيح بالرئيس الحالي او ستهديه ولاية ثانية.
النشرة