تلاحظ مصادر مصرفية مسؤولة استمرار الهجمة على القطاع المصرفي بشقيه: مصرف لبنان والمصارف الخاصة، بالتزامن مع تقاعس سياسي فاضح من جانب الحكومة ومجلس النواب عن تحمل المسؤوليات التشريعية والتنفيذية في التعاطي مع الأزمة السياسية بشقيها الداخلي والخارجي التي تتسبب بالأزمات الإقتصادية والمصرفية والنقدية الراهنة.
وتلفت المصادر الى أنه عوض تركيز الجهود على مطالبة الحكومة ومجلس النواب بتطبيق الدستور والالتزام بما تمليه عليهما واجباتهما ومسؤولياتهما، فإن هناك من يصر على مهاجمة حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وصولا الى المطالبة بإزاحته، ومنظومة المصارف التجارية العاملة في لبنان وصولا الى اتهامها بسرقة أموال المودعين!
وتتوقف المصادر في هذا المجال عند المادة 65 من الدستور التي تنص على ما حرفيته: “تناط السلطة الإجرائیة بمجلس الوزراء(…) ومن الصلاحیات التي یمارسها: وضع السیاسة العامة للدولة في جمیع المجالات ووضع مشاریع القوانین والمراسیم التنظیمیة واتخاذ القرارات اللازمة لتطبیقها”.
وانطلاقاً من هذه المادة الدستورية تتساءل المصادر المصرفية: إذا كان المأخذ هو على سياسة الحفاظ على سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، فهل أن مصرف لبنان والمصارف هم الذين وضعوا هذه السياسة أم الحكومات المتعاقبة؟ وهل يخلو بيان وزاري منذ الطائف الى اليوم عن ذكر التمسك بهذه السياسة؟ وهل قررت حكومة ما منذ الطائف الى اليوم تحرير سعر صرف الليرة ولم يلتزم بذلك حاكم مصرف لبنان والمصارف؟ وهل خالف فريق سياسي أو حزبي من الذين يهاجمون مصرف لبنان والمصارف سياسة الحكومات في هذا المجال يوماً وصولاً الى جلسة الحوار الإقتصادي التي ضمت كل الأحزاب والقوى السياسية برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا في 2 أيلول الماضي التي كان من أول قراراتها الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية؟ وماذا فعلت الحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية والحزبية التي أعلنت “حالة الطوارىء الإقتصادية” في نهاية هذا الإجتماع؟
وتضيف المصادر المصرفية: “فليدلّنا المنتقدون والمهاجمون على قرار اقتصادي ومالي واحد اتخذته الحكومة منذ ذلك الوقت الى الآن. وهل يجوز ألا تقدم الحكومة ومجلس النواب على أي قرار أو تشريع منذ 17 تشرين الأول الى اليوم لمعالجة الأزمة أو التعاطي معها؟
وتقول: “إذا كان تذمر الناس وسخطهم على مصرف لبنان والمصارف بسبب التدابير التي اتخذتها المصارف والقيود التي فرضتها على السحوبات النقدية مفهوما لأنها أثرت على حرية تصرف المودعين بمدخراتهم مفهوما ومبررا، فبماذا تبرر الحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية والحزبية تقاعسها عن التعاطي مع هذه الأزمة؟ وهل اتخذت الحكومة قرارا أو أصدرت مرسوما، وهل أصدر مجلس النواب قانونا ولم ينفذه مصرف لبنان أو المصارف”؟
وتضيف المصادر المصرفية المسؤولة: “إذا كانت التدابير التي لجأت إليها المصارف من جانب واحد في غير مكانها الصحيح بنظر الحكومة ومجلس النواب والسياسيين الذين يهاجمون مصرف لبنان والمصارف للحفاظ على أموال المودعين على المديين القريب والمتوسط، فما هي الإجراءات البديلة التي اتخذها السلطات الدستورية؟”
وتتابع: “ألم يقل رئيس لجنة المال النيابية النائب ابراهيم كنعان قبل يومين إن مجلس النواب يدرس وضع قانون لتنظيم ال”كابيتال كونترول” أي الحد من السحوبات النقدية من المصارف؟ وبالتالي كيف يكون قرار المصارف في غير مكانه الصحيح إذا كانت السلطات الدستورية تدرس وضع قانون بهذا المعنى؟ وإذا كان مثل هذا القانون ضرورة فلماذا لم تبادر الحكومة ومجلس النواب الى العمل عليه على مدى أربعة أشهر من الأزمة؟”
وتتساءل المصادر:”إذا كانت الحجة هي استقالة الحكومة وتأخير تشكيلها ونيلها الثقة على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، فهل أن حاكم مصرف لبنان والمصارف هم المسؤولون عن تأخير الإستشارات النيابية الملزمة وهل هم مسؤولون دستوريا عن تشكيل الحكومة ومنحها الثقة؟”
وتخلص المصادر المصرفية المسؤولة الى القول، “هل أن رياض سلامة وجمعية المصارف مسؤولان عن عدم تنفيذ الالتزامات الحكومية للدول المانحة في مقابل المساعدات الموعودة على مدى سنوات طويلة؟ وهل هما مسؤولان عن وضع السياسات الحكومية الداخلية والخارجية التي تفرض العقوبات المباشرة وغير المباشرة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية والخاصة؟”.
واضافت، “هل هما من يتسببان ب”الرقابة العقابية” العربية والدولية على لبنان أم أن تموضع القرار السياسي للدولة اللبنانية الى جانب محور إقليمي ضد محور إقليمي ودولي يتحكم بالدورة الإقتصادية والمالية العالمية هو المسؤول عن وقف تدفق الأموال والاستثمارات من الخارج، وإدراج بعض المصارف على لائحة العقوبات الأميركية، وعدم تنفيذ الالتزامات المطلوبة من مؤتمر “سيدر” وقبله من مؤتمرات باريس الثلاثة؟ وهل أن ارتفاع أسعار الفوائد سببه قرار اعتباطي من مصرف لبنان والمصارف أم حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في لبنان التي ترفع المخاطر على الديون وبالتالي توجب وتفرض ارتفاع أسعار الفوائد على الاستدانة؟”.
وتختم المصادر: “إن مصرف لبنان والمصارف التجارية الذين أحجموا عن الدخول في المهاترات، والذين لا يزالون يلتزمون الصمت والعض على الجرح حفاظا على الحد الأدنى من الأسس التي يمكن الانطلاق منها لاعادة إطلاق دورة اقتصادية متوازنة وطبيعية، والذين يتصرفون من موقع “أم الصبي” ويتحملون التهجمات والتجنيات والاتهامات الجائرة، باتوا على قاب قوسين أو أدنى من قلب الطاولة على السلطات السياسية والجهات الحزبية إذا لم تبادر فوراً الى تحمل مسؤولياتها في وضع برنامج سياسي – اقتصادي متكامل يسمح بإعادة لبنان الى التعاطي الإقتصادي والمالي الطبيعي والتفاعل مع دورة الاقتصاد العالمية التي يمكن من خلالها فقط استعادة دورة اقتصادية ومالية داخلية طبيعية بعيدا عن المزايدات الداخلية والارتهان السياسي الإقليمي الذي هو السبب الأساس لكل الأزمة الإقتصادية والمالية والمصرفية والنقدية التي انفجرت في 17 تشرين الأول الماضي”.
“ليبانون ديبايت”