حتى الآن لم تبلغ الأزمة أسوأ مراحلها بالنسبة الى البنوك اللبنانية. كان الأسلوب القديم في إدارة الاقتصاد متمثّلاً في جذب الأموال من خلال استثمارات اللبنانيين في المهجر، أساس قيام سادس أكبر نظام مصرفي في العالم من حيث حجم الأصول نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي إذ تضخمت الودائع لتبلغ نحو 280 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي.
غير أنه في ضوء توقف تدفّق الأموال من الخارج، وعجز الحكومة عن تمويل العجز في الميزانية، أصبحت البنوك محط الانتقاد في وقت يعاني لبنان أسوأ أزمة مالية يشهدها منذ الحرب الأهلية.
نضبت الودائع، وأصبحت البنوك في حاجة عاجلة لتدعيم قوائمها المالية. وتتراوح تقديرات المبلغ الذي يحتاجه القطاع لزيادة رؤوس الأموال بين 15 ملياراً و25 مليار دولار، كما أنّ أكبر هذين التقديرين قائم على افتراض التخلّي عن بعض ما في حوزة البنوك من الديون السيادية.
وقال جان رياشي رئيس بنك “إف.إف.ايه برايفت بنك” اللبناني: “إذا كنّا نريد خدمة الاقتصاد فنحن بحاجة لقطاع مصرفي قوي”. أضاف: “إنّ وجود نظام مصرفي ضعيف سيعني ضياع 10 سنوات على البلاد”.
ولم تحقق مساعي البنوك لزيادة رأسمالها نجاحاً حتى الآن، فقد حاولت زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة في نهاية حزيران، أو ما يعادل حوالى 4 مليارات دولار، من خلال ضَخ أموال سائلة وفق متطلبات المصرف المركزي. ووافقت بضعة مصارف على تدبير جزء من هذا المبلغ من المساهمين الحاليين.
وقال جاب ميجر المحلل لدى “أرقام كابيتال” إنه كان من المستبعد نجاح زيادة رأس المال لأنّ هذه الخطوة كانت ستقلّل من قيمة مراكز المساهمين بأكثر من 100 في المئة، إذ إنّ تقييمات البنوك أقل بنسبة 80 في المئة من القيمة الدفترية.
وفي ضوء خطة إنقاذ حكومية هدفها انتشال البلاد من الأزمة، من المتوقع أن يوافق عليها مجلس النواب هذا الأسبوع، أصبحت البنوك مطالبة ببيع استثماراتها في الخارج للمساعدة في تدعيم أوضاعها المالية.
ويجري بنك عودة محادثات مع بنك أبوظبي الأول لبيع وحدته المصرية. ويتمثّل أحد مصادر القلق الحالية لدى البنوك في كيفية تصرف الحكومة إزاء إصدار لسندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار يحين موعد استحقاقه في آذار.
وبعد سنوات من تحويل جانب كبير من الودائع إلى الحكومة بدلاً من إقراض القطاع الخاص، أصبح حوالى 70 في المئة من أصول البنوك مربوطاً بأدوات دين على الدولة.
وفي ضوء انكشافها على الحكومة والبنك المركزي بأضعاف رأس المال المُتاح، من الممكن أن يلحق عجز مُحتمل عن السداد ضررا بالغاً بالبنوك.
وقالت مصادر في وقت سابق لـ”رويترز” إن الحكومة تميل لسداد استحقاق السندات للأجانب واستبدال ما في حوزة البنوك المحلية بدين جديد. وتملك البنوك المحلية أكثر من نصف هذا الدين.
وقال ميجر إن “أي إنقاذ للبنوك يتوقف في النهاية على حجم الدين الحكومي الذي يتعين إعادة هيكلته، مضيفا أنه لا يستبعد عملية إنقاذ يتعين فيها على الدائنين وحائزي الودائع بالعملة المحلية والعملات الأجنبية قبول بعض الخسائر”.
تداعي الأسس
قبل تفجّر الأزمة كانت حصص المساهمين في البنوك، التي تعتبر منذ فترة طويلة أساس القوة المالية، تبلغ نحو 25 مليار دولار.
وتمتعت تلك البنوك بمستويات ملاءة مالية تزيد بقدر مريح على المعايير الدولية. غير أن مصرفيين قالوا إن المراكز المالية تآكلت مع اشتداد حدة الأزمة، وفقدت البنوك عشرة مليارات دولار من الودائع بين آب وكانون الأول. وانخفض المتاح للبنوك من النقد الأجنبي لدى البنوك المراسلة ليقل عن مستواه في نهاية تشرين الثاني والذي بلغ ثمانية مليارات دولار.
وإحدى الخطوات التي قد تساعد في تخفيف بعض الضغوط على البنوك هي إقتطاع جزء من الودائع وذلك رغم أن المصرف المركزي استبعد اتخاذ أي خطوة من هذا النوع.
ومع طول أمد الأزمة اللبنانية أصبحت البنوك تواجه النبذ على نحو متزايد في النظام المالي العالمي.
وقال رئيس سابق لوحدة الخزانة في واحد من أكبر بنوك لبنان: “نحن قرب الصفر من حيث الدولارات لدى البنوك المراسلة في الخارج وهو ما تحتاج إليه لتغطية سحوبات العملاء بالدولار في لبنان والسماح بالسداد العاجل للتحويلات الى الخارج”.
ويقدّر أن تكون السيولة الدولارية انخفضت لدى البنوك في الخارج منذ حوالي خمسة في المئة من مركزها المالي الإجمالي في تشرين الأول إلى ثلاثة في المئة. وقال مصرفي دولي إن مؤسسته تخفض مستوى علاقات المراسلة المصرفية الحالية مع البنوك اللبنانية ولا تزيد انكشافها على لبنان الى حين تحقيق تقدم ملموس في معالجة الأزمة.
وأشار رياشي إلى خفض وكالات التصنيف الائتماني تصنيفها لعدة بنوك، اذ “تعاني البنوك من مشاكل في فتح اعتمادات وعليها أن تقدّم ضمانا نقديا لتحقيق ذلك بسبب خفض التصنيفات الائتمانية”.