«بلّوها واشربوا ميّتها»، بهذه العبارة ردّ الصحافي الاقتصادي الزميل محمد زبيب، أمس، على الرسالة التي أُريد إيصالها إليه. شكل الرسالة اتّخذ البعد الأعنف والأوقح والأكثر شبهاً بمرسليها، ضدّ من يواجه بالكلمة والأرقام والوثائق منذ سنوات طويلة، وعبر شرح الاقتصاد للجميع وتبسيطه لشعب يمرّ بـ«أكبر أزمة اقتصاديّة في تاريخه»، كما وصفها زبيب، أمس، خلال «الوقفة الشعبيّة» التي نظّمت دعماً له أمام مصرف لبنان.
شبّان ثلاثة بوجوه مكشوفة وعصا، محترفون من حيث الأداء وعدم التلميح لفظاً إلى أي جهة أرسلتهم، انتظروا زبيب ليل الأربعاء، قرب سيارته في أحد مواقف شارع الحمرا، ليعتدوا عليه بالضرب ويغادروا «مؤقّتاً».
المعتدون راقبوا الموقف قبل الحادثة وبعدها، وهو ما أظهرته كاميرات المراقبة، وتصرّفوا بـ«راحة تامة» في شارع «مزروع» بالكاميرات، وهو ما يفرض على الحكومة الجديدة، ووزير الداخلية محمد فهمي تحديداً، كشف هويّات الفاعلين الكاملة والجهات التي تقف خلفهم. الاعتداء نُفِّذ، إثر ندوة عقدها زبيب في الحمرا، بعنوان «اقتصاد السلطة ينهار: من يدفع الثمن؟»، فنّد فيها ارتكابات جمعيّة المصارف والمصارف وحاكم مصرف لبنان، وكذلك شرح فيها نتائج اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وقيام 1% من كبار المودعين بسحب 98% من الودائع وتبخّر 49 مليار دولار من ودائع الناس. إضافة إلى ما قاله في الندوة، فإن زبيب، الماركسيّ المعروف بنضاله وكتاباته التي تفضح سلطة رأس المال، يمثّل تهديداً حقيقياً لاستمرار عملية تهريب أموال كبار المودعين ودفع الديون من أموال الطبقات الدنيا. لذلك، ولأسباب أخرى، قرّرت «الطبقات العليا» وأذرعها إيصال رسالتها بالشكل الذي تتقنه، وكأنها تقول عبرها «إن من سيدفع الثمن هم الأحرار وأصحاب الخطط البديلة المنحازة للشعب والفقراء وذوي الدخل المحدود». لكنّ الجواب جاء على لسان زبيب نفسه، في الوقفة أمس، إذ كرّر عبارته «سيُهزمون، سيُهزمون، سيُهزمون!».
زبيب قال أيضاً، إن «كل دولار يُدفع لخدمة الدين أو تسديده، يُدفع من ودائع الناس وأجورها، وعلى حساب القمح والخبز والغذاء والدواء والحاجات الأساسية. سنقول لهم لن ندفع، بل أنتم من ستدفعون الخسائر التي تسببتم بها والفواتير التي راكمتموها، وهذه الانتفاضة لن تنطفئ إلا بتحقيق أهدافها». وتابع: «المطلوب موقف واضح من هذه السلطة التي فقدت شرعيّتها، في أن تتوقف عن سداد كلّ الديون الجائرة وأن تبدأ بالاهتمام بهذا المجتمع الذي يعاني أكبر أزمة في تاريخه. الدائنون راكموا أرباحاً باهظة ومكلفة جداً على المجتمع اللبناني وأدّوا إلى إفقاره وتهجير شبابه ولا يمكن الاستمرار والقول إن الأمور بتمشي، لا الأمور مش ماشية!».
وعن الكلام عن قانونيّة تحويل الودائع من لبنان إلى الخارج، ردّ بالقول: «هذه جريمة، تحويل ودائع الأوليغارشيين بملايين الدولارات إلى الخارج جريمة، ويجب أن يُعاقب عليها المصرف والمودع الكبير والنظام الذي يحميهما والسلطة القمعية والأمنية التي تقمع الشعب لأنّه يطالب بحقوقه. إذا كان التحويل شرعياً، فليتفضّلوا ويدفعوا ودائعنا ومدّخراتنا وأجورنا وتعويضات الضمان الاجتماعي وصناديق التعاضد للمهندسين والأطباء وسواهم… السطو على حقوقنا ومدّخراتنا وأجورنا هو الأمر غير الشرعي، وقد حان الوقت ليوقف الشعب هذه العمليّة من النهب المنظّم الذي نشهده على مرّ سنوات».
وبشأن تعميم حاكم مصرف لبنان، أمس، أجاب «إن إعادة رسملة المصارف، العبارة التي أعيد صياغتها في البيان الوزاري مرات عدة، تعني أن كل الفوائد على الودائع ستنخفض إلى متوسّط 3 أو 3.5 بالمئة، في وقت تُبقي فيه قرارات حاكم مصرف كل الفوائد على سندات الخزينة بالليرة وبالدولار على نفس مستوياتها وهي تقارب 7 إلى 8 بالمئة… وتالياً وبحساب بسيط، يصل هامش العائد الذي ستجنيه المصارف إلى 4% ويساوي إيرادات بمليارات الدولارات ستضخّ من حساباتنا وأموالنا لترميم رساميل المصارف وتكبيرها وإكمال عمليّة النهب… هذا كلّه سيؤدي إلى زيادة الأزمة وإفقار الناس وتركّز الثروة والدخل والملكيّة لدى الأوليغارشيّة».
خلف زبيب، ارتفعت أصوات من دعوا إلى الاعتصام: تجمّع مهنيّين ومهنيّات، تجمّع نقابة الصحافة البديلة، المفكرة القانونية، ومجموعات يساريّة وغيرها. المعتصمون قالوا: «إلكن رياض (سلامة) وإلنا زبيب (محمد)»، وردّدوا مفاهيم ساهم زبيب في ترسيخها: يسقط حكم المصرف، تسقط الأوليغارشية الحاكمة، لن ندفع… وذلك بغياب نقابتَي المحرّرين والصحافة، وبشأن هذا الغياب، علّق زبيب بالقول: «سمعتُ ببيان صدر عن نقابة المحررين، هذه النقابة تخلّت عن كل أدوارها بتمثيل العاملات والعمّال في الصحافة وخدمت مصالح رأس المال والنفوذ السياسي والأوليغارشية، وقد حان الوقت لأن تسقط. نقابة الصحافة البديلة ستولد وستعبّر عن مصالح العمال والعاملات في مختلف مجالات الإعلام». وهو لم ينسَ التذكير بـ«الاعتداءات والممارسات الإرهابية التي يتعرّض لها الناس والصحافيون والمصوّرون، وسنواجهها بكل الوسائل. وهذه فئة لديها وسائلها لممارسة الضغط». وحذّر بالقول: «إذا لم تنجح هذه الانتفاضة في أن تتحوّل إلى حركة ثوريّة ذات طابع اجتماعي طبقي، في عمليّة صراع محدّدة لإزالة هذه الطبقة التي جرّبناها على مدى مئة سنة منذ نشوء ما يسمّى دولة لبنان الكبير»، فإن كل المؤشّرات تدلّ على أن المجتمع يزداد فقراً وأن الوقت ينفد قبل أن «نتحوّل إلى مجتمع غير قادر على تجاوز أزماته، وقد يعيش فترة طويلة في حالة بؤس».
وقد اختتم التضامن مع زبيب بانتقال المعتصمين من أمام مصرف لبنان إلى مدخل وزارة الداخلية.
الاخبار