قصة وجع جديدة لوالدة حُرمت من رؤية أولادها، خرجت من خلف الجدران لتصدم الرأي العام، بعد تداول مقطع فيديو يُظهر منع الأم حتى من لمس قبر ابنتها التي دُفنت داخل حديقة منزل والدها المسيّجة، وذلك بعد حرمانها من رؤيتها منذ طلاقها قبل نحو ثلاث سنوات… لينا جابر انضمت إلى مئات، لا بل آلاف الأمهات اللواتي دفعن ثمن إما حكم المحاكم الشرعية، أو جبروت الوالد ونفوذه، وفي الحالتين الألم واحد.
تفاصيل القضية
شرحت زينة شقيقة لينا لـ”النهار” أنه “في 24 أيار سنة 2017 حصل طلاق لينا من زوجها علي اسماعيل لدى الشيخ علي الأشقر في قانا. حينها تنازلت شقيقتي عن حقوقها باستثناء ولديها مايا ومحمد، وطلبت من الوالد أن يوقّع تعهداً لرؤيتهما، فقال لها إنه سيسمح لها بذلك ثلاث مرات في الأسبوع، إلا أنه لم يصدُق، وعلى العكس، أقنع ابنته بعدم التواصل مع والدتها. أما محمد وكونه أكبر منها سناً، فكان يزور والدته، الأمر الذي دفع والده إلى تسهيل سفره للخارج”. وأضافت: “لم ترفع لينا دعوى في المحكمة الجعفرية لرؤية ابنتها، لكونها لا تملك المال لتوكيل محام. تواصلت مع المحامية بشرى الخليل التي حاولت حل القضية حبّياً بناء على طلب محمد، لكن الأب رفض ذلك. عندها طلبت بشرى من شقيقتي أن تنتظر بلوغ مايا الرابعة عشرة من العمر لكي ترفع دعوى تخيير، لكن للأسف قبل أن تقوم بذلك، رحلت فلذة كبدها بطلقة نارية، قيل إنها من طريق الخطأ، في 25 كانون الثاني الماضي وكانت قد بلغت من العمر 14 سنة و14 يوماً”.
ما إن وصل خبر موت مايا حتى سارعت والدتها إلى المستشفى. ولفتت زينة إلى أن لينا “أمضت الليلة إلى جانب براد الموتى، لا بل عندما رأتها فتحت مايا عينيها، فصرخت لينا (جيبوا الحكيم بنتي عايشة)… الله أكبر على كل ظالم، لا بل عند دفنها وقّعت شقيقتي في المخفر على ذلك، شرط أن تُدفن في جبانة بلدة السماعية مسقط رأس والدها وأن تحضر تشييعها، ومع ذلك مُنعنا من حضور الدفن كما باقي أهالي بلدتنا قانا. ودُفنت مايا في حديقة منزل والدها لمنع والدتها حتى من لمس قبرها”.
توضيح شرعي
فيديو زيارة لينا الأولى لقبر ابنتها من خلف سياج بعد مرور ما يزيد عن شهرين على موتها أثار سخط الرأي العام، حيث تساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي” بأي حق وبأي دين وبأي شرع وبأي قانون يحصل ذلك؟ وأين العدل والرحمة والإنسانية”؟.. رئيس المحاكم الجعفرية الشيخ محمد كنعان أكد لـ”النهار”: “لا يوجد في الشرع ما يمنع الوالدين من رؤية أولادهما، فلا بد من الرؤية”. وأضاف: “لا أعلم أن لينا تقدمت بدعوى إلى المحكمة من عدمه، لكن بالتأكيد لا يوجد أب أو أم لا يُسمح له أو لها من رؤية أولادهما، الأمر يتعلق بتنفيذ قرارات المحكمة فيما إن نُفذت من عدمه، وهذا أمر يتعلق بدائرة التنفيذ وبالقوى الأمنية المجبرة على تنفيذ الأحكام الشرعية”. وتابع: “إذا لم تدَّعِ لينا من الأصل فأي علاقة للمحاكم الجعفرية بالقضية. وفي ما يتعلق بمسألة مكان الدفن، لا علاقة لنا بذلك، لا من قريب ولا من بعيد”. أما في مسألة الحضانة فشرح: “هي تتبع للموازين الشرعية، ونحن أطلقنا دفتر الشروط وجرى العمل به لتخفيف حدة المشاكل بين الزوجين. وبحسب ما قال: ما يرتضيه الزوجان نحن نلتزم به وننفذ شروطهما، والأساس هو غبطة الولد ومصلحته، فإن كانت مصلحته وغبطته تقضيان العدول عما يفترض سن حضانته سنقدم على ذلك، فهناك قرار محكمة مبرم صادر بالدرجة الأخيرة أُعطيت حضانة ولد يبلغ من العمر تسع سنوات إلى والدته، كوننا لم نجد مصلحة لبقائه مع والده”.
صرخة جديدة
قضية لينا دفعت رئيسة الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة زينة ابرهيم إلى دعوة للتحرّك أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السبت، للتعبير عن غضب الأمهات ولإيصال صرختهن من جديد برفضهن الوصول لما عانت منه لينا وندين جوني وغيرهما من الأمهات، اللواتي يعانين من ظلم الرجل الذي يستقوي كون الشرع والدولة الى جانبه يدعمانه ويعطيانه الفرصة كي يظلم”. وشرحت ابرهيم لـ”النهار”: تحركنا ضد القوانين التي تحرم الأمهات من أولادهن ولا تمكنّهن من رؤيتهنّ، لم يعد السكوت مسموحاً، وعدم الاستجابة إلى صرختنا سببه التمسك بالظلم والمكاسب التي يتم تحقيقها في المحاكم الجعفرية على حساب وجع الأمهات، كلنا نعلم الرشاوى التي تدفع ومقدار الاستفادة من هذه القضايا، لذلك عملنا أن نضيء على فساد المحاكم في سبيل التغيير الحقيقي”.
“سلام على من ناديتُها بالقلب المجروح فَردت عليّ بالروح”… عبارة كتبتها لينا في صفحتها على “فايسبوك”، عكست من خلالها صورة الألم والمعاناة لجروح غائرة في قلب أمهات استقوى عليهن رجل ارتضين يوماً أن يكون شريكاً لهن، وإذ به يغدرهنّ ويطعنهنّ بأفتك سلاح، ألا وهو فلذات أكبادهنّ، عسى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه القوانين في صفّهنّ وتحميهنّ من كل ظالم جبّار ومتعالٍ.