أثبتت عمليات ​قطع الطرق​ التي شهدتها العديد من المناطق، أول من أمس، أن ​الحراك الشعبي​ الذي بدأ منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي لم ينته، لا بل هو، بالرغم من كل النظريات التي من الممكن أن تُطرح حوله، لا يزال قادراً على التحرّك وشلّ البلاد في حال وجود قرار واضح بذلك، خصوصاً أن أسبابه الموجبة لم تتراجع لا بل هي تتزايد يوما بعد آخر.

على مدى الأيام الماضية، سعت قوى الأكثرية النيابية إلى الحديث عن إستغلال قوى سياسية لتحركات المواطنين المحقة، وبالتالي محاولة وضع ما يحصل في سياق الصراع القائم في البلاد، بالإضافة إلى ربطها بالضغوط الإقتصاديّة والماليّة التي تمارسها بعض الجهات الإقليمية والدولية، لكن عملياً لم يلمس المواطنون أيّ إجراءات فعلية تساهم في الحد من محاولات “إستغلالهم” وفقاً لهذه النظريّة، لا بل على العكس من ذلك هم متروكون لمواجهة مصيرهم لوحدهم.
لدى بعض الأوساط السياسية والأمنية معلومات، منذ أكثر من اسبوعين، عن تحركات كبرى يجري الإعداد لها، وبالتالي ورقة الشارع لم تسحب من التداول، خصوصاً أن تلك المعلومات تفيد بأن بعض الجهات السّياسية ستكون حاضرة في تلك التحركات، رغم عدم وجود جبهة موحّدة تجمع مختلف القوى التي قرّرت الذهاب إلى المعارضة.
في هذا السياق، لا تزال الأمور على واقعها السابق، حزب “القوات اللبنانية” وحيداً في المعادلة، رغم أنه كان يفضل تشكيل جبهة موحدة مع كل من “​تيار المستقبل​” و”​الحزب التقدمي الإشتراكي​”، في حين أن التنسيق بين “المستقبل” و”الإشتراكي” هو في أعلى مستوياته، إلا أن الأوّل يركز حالياً على إعادة ترتيب بيته الداخلي، خصوصاً مع بروز منافسة مع بعض القوى والشخصيات الراغبة في الدخول على هذا الخط، بينما الثاني يسعى إلى ​الموازنة​ في علاقاته مع مختلف الأفرقاء المحليين، سواء كانوا من الداعمين للحكومة أو المعارضين لها.
من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، ما حصل ليل الأربعاء دليل على القدرة على إعادة تحريك الشارع في أيّ لحظة، وبالتالي ما ينبغي إنتظاره هو الشرارة التي قد تعيد المواطنين إلى الساحات من جديد بشكل أكبر، وهذه المرّة كان الإرتفاع المستمر في سعر صرف ​الدولار​ مقابل ​الليرة اللبنانية​، الأمر الذي ينعكس على القدرة الشرائيّة وعلى أسعار السلع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق حول كيفية التعامل مع بعض الإجراءات التي يتمّ الترويج لها من دون الكشف عنها بشكل مؤكّد، حيث عاد الحديث عن ضرورة الذهاب إلى النوع الموجع غير الشعبي.
وتشير هذه المصادر إلى أن هناك الكثير من الأسباب الموجبة التي تدفع المواطنين إلى التحرّك، خصوصاً أن حالة التدهور لم تتوقف منذ تشكيل ​الحكومة​، لا بل أنّ قرار تثبيت سعر صرف الدولار، في السوق الموازية، عند عتبة 2000 ليرة تبخّر، كما هو الحال بالنسبة إلى السعر الرسمي المتداول لدى ​المصارف​، أي 1515، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو إمكانية توسّع التحركات نحو مناطق جديدة، مثل ​الضاحية الجنوبية​، بالرغم من سعي “​حزب الله​” إلى تجنّب ذلك، وهو ما حصل، مساء الأربعاء، عند الدعوة إلى التجمع تحت جسر المشرفيّة.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، اليوم لم يعد من الممكن إقناع المواطنين بالدعوات إلى التروّي والهدوء وإنتظار الإجراءات التي تنوي الحكومة القيام بها، فالمواطن بحاجة إلى نتائج ملموسة بأسرع وقت ممكن، تحدّ من تداعيات ​الأزمة​ التي لم يعد لديهم القدرة على تحمّلها، ومن غير الوارد إقناعهم بنظريّة المؤامرة، نظراً إلى أن المطلوب الذهاب إلى مواجهتها في حال وجودها لا الإكتفاء بالحديث عنها فقط.
في المحصّلة، لم يعد ينتظر المواطنون من القوى السياسية المختلفة الشعارات أو المواقف التي لا تغني عن جوع، بل المطلوب هو الذهاب إلى الإجراءات الكفيلة بالحدّ من التداعيات السلبيّة في حال لم تكن قادرة على البدء في المعالجة، لأنّ الإكتفاء في إدارة الأزمة لن يقود إلا إلى تعقيدها وصولاً إلى إنفجارها بشكل أصعب.

ماهر الخطيب – خاص النشرة