كتب رأفت نعيم : مع اشراقة صباح كل يوم ، يشد رحاله حاملاً متاعه “الورقي” الى مدن وبلدات اصبح من كثرة تردده اليها جزءاً من ذاكرة بعض أمكنتها ، بسيارته القديمة الطراز ، يطوف بمكتبته المتنقلة على المناطق داعية معرفة وثقافة محاولاً اعادة ترويج بضاعة يعتقد كثيرون انها كسدت ، بعدما أحالتها ثورة ” الانترنت” وتقنيات التواصل الى رفوف المكتبات كتباً منسية تشكو الهجر والسلوان ..
متكئاً على سنوات عمره الثمانين وعكاز يستعين بها ، يفترش عبد الجليل ضاهر الأرض على قارعة رصيف الكورنيش البحري لمدينة صيدا ، باسطاً امامه عشرات الكتب ، مرتباً اياها من حيث العناوين والموضوعات ، ينتظر باحثاً عن معرفة او عن كتاب نادر ، كصياد يلقي بصنارته في بحر صيدا ولا يملك لها الا الصبر والأمل بأن تحمل اليه بعض الرزق .
على مقربة منه وقف بعض الصبية والفتيات يحمل كل منهم بيده هاتفه الذكي يقلب في شاشته ، دون ان يلفت انتباههم ذلك المرابط خلف متاريس الكتب المكدسة كجندي يحرس مملكة من الورق والحبر هجرهأ أهلها .. لكنها بالنسبة لإبن بلدة عربصاليم الجنوبية ليست مجرد كتب يعرضها للبيع متنقلا بها من مكان لأخر او من رصيف لأخر بل هي برأيه تضاهي كنوزاً لا يعرف كثيرون قيمتها .. وهو ليس مجرد بائع كتب يبغي من ورائها الربح وانما عاشق للمعرفة.. يجمع بين شغف جمعها كتباً وشغف قراءتها. تلك كانت هوايته منذ الصغر والتي رافقته كبيراً ولا تزال وتحولت الى مهنة يكتسب منها ..
تسأله عن ثقل سنوات عمره على همته وحركة تنقله فيتنهد ويردد شعراً ” ذهب الشباب فما له من عودة و أتى المشيب فأين منه المهرب”.. لكن تسليمه للشيب والكبر لم يحجب من كلامه ما اكتسبه من معرفة وثقافة وسعة اطلاع ، وهو ما يظهر من استشهاده بأبيات شعرية وأقوال مأثورة وحكم وما يرويه من قصص وحكايا واحداث تاريخية .
يقول عبد الجليل ضاهر انه صاحب رسالة هدفها تثقيف الناس في زمن لم تعد فيه الثقافة أولولية عند الكثيرين ، وفي زمن ينشغل فيه البشر بتكاليف الحياة ، ويتقدم الهم المعيشي اي شأن آخر .
يشارك عبد الجليل زبائنه ورواد مكتبته الجوالة الرأي في ما ينتقونه من الكتب التي يعرضها ، مستعرضاً امامهم مضمون بعضها ، مقترحاً عليهم هذا الكتاب او ذاك ، محاولاً اقناعهم بأن ما تحويه دفتا بعض هذه الكتب لا يمكن ان يجده في اي مكان آخر ولا حتى ” على الانترنت” !. وأن لا شيء او وسيلة معرفية مهما كانت متطورة يمكنها ان تحل مكان الكتاب او تنال من وهجه !.
رغم قلة الإقبال على ” بسطته ” ، يرى عبد الجليل انه لا يزال هناك من يهتم بالكتاب ، من باحثين او طلاب او ممن يشاركه شغف القراءة .. وتمضي ساعات النهار وعبد الجليل ملازم لمكتبته المتنقلة ، لا ينل منه ملل او شعور بالإحباط ، ويقضي معظم وقته بين مغادرة زبون واستقبال آخر في تصفح وقراءة بعض ما يعرضه من كتب او بإعادة ترتيبها وتصنيفها ..
وعن كيفية جمعه لكل هذه الكتب ، يقول عبد الجليل ” لدي في البيت اضعافها عشر مرات ، اشتريتها على مدى سنوات طويلة ” . وتتنوع عناوين ومواضيع ما يعرضه من كتب بين ” ادب وشعر وعلم وثقافة ودين وتاريخ وترفيه ” ، أما اسعارها فتتراوح بين الفين وستين الف ليرة على حد قوله .
يتنقل عبد الجليل ببسطة كتبه كل اسبوع في اكثر من منطقة ، متجولاً في العديد من البلدات مثل الخيام وجباع والنبطية بالاضافة الى عدة اماكن في مدينة صيدا ، وسابقاً في العاصمة بيروت، متخذاً من بعض الساحات والأرصفة نقاطاً ثابتة يتردد اليها بين الحين والآخر .
المصدر: رأفت نعيم- مستقبل ويب