الإيجابية المباشرة للتوقف عن سداد سندات اليوروبوندز تتمثل في انخفاض العجز في الموازنة إلى حدود 2700 مليار ليرة. أما إيجابيات انخفاض أسعار النفط العالمية، فبالرغم من أنها لم تحتسب بعد بشكل دقيق، إلا أن استمرارها على المعدل نفسه سيؤدي إلى إراحة كهرباء لبنان، وكذلك إلى وقف استنزاف موجودات مصرف لبنان
مهما كانت النتيجة، فإن قرار التوقف عن دفع الديون لن يسهم في الحفاظ على الدولارات المتبقية في عهدة مصرف لبنان لضمان استيراد السلع الاستراتيجية وحسب، بل يسهم مباشرة في تعديل أرقام موازنة 2020. تلك الموازنة، بحسب المادة 56 من الدستور، أصبحت نافذة لمرور شهر على إحالتها إلى رئاسة الجمهورية من دون تصديقها أو ردّها. ولما كانت خدمة الدين جزءاً أساسياً من نفقاتها، فإن عدم الدفع سيعني تلقائياً خفض العجز المقدّر.
بالعودة إلى قانون الموازنة، يتبيّن أن إجمالي كلفة خدمة الدين في العام 2020 هي 4.694 آلاف مليار ليرة، وذلك الرقم يتضمن كلفة فوائد اليوروبوندز وكلفة فوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. الأولى يبلغ مجموعها 3633 مليار ليرة والثانية 1061 مليار ليرة. القيمة المنخفضة لكلفة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية بالمقارنة مع كلفتها في العام 2019 (5046 مليار ليرة)، تعود إلى الاتفاق الذي عقد مع مصرف لبنان أثناء إعداد الموازنة، والذي وافق المصرف (أكبر دائني الحكومة بالعملة اللبنانية) بموجبه على المساهمة في 4500 مليار ليرة. كل المعلومات تشير حالياً إلى أن رئيس الحكومة، في خطابه عن إعادة الهيكلة، إنما كان يشير إلى الدين الخارجي تحديداً، أي الدين بالدولار.
في النتيجة، فإن إعادة الهيكلة ستعني مباشرة التوقف عن دفع 3633 مليار ليرة، هي مستحقات خدمة الدين الخارجي (علماً بأن وزارة المالية دفعت جزءاً من فوائدها – نحو 70 مليون دولار – الشهر الفائت). ذلك المبلغ، ومع افتراض أنه لا يزال مستحقاً بكامله، سيسهم في تخفيض العجز بنفس قيمته.
هنا تجدر الإشارة إلى أن أصل الدين المحدد بـ2500 مليار دولار في العام 2020 لا يُدفع من الموازنة بل من الخزينة مباشرة، لأنه دين مُستحق لا نفقات جارية كالفوائد. وهذا الأصل لم تكن تسدده وزارة المالية من أموال الخزينة (لا تملكه أصلاً)، بل عبر إصدار سندات دين جديدة بآجال أطول تستبدل بها السندات المستحقة، في سلسلة لا تنتهي. خاصة أن مصرف لبنان اعتاد طبع العملة لتسديد هذه المبالغ.
بحسب الحسبة النهائية التي أجرتها وزارة المالية للنفقات والواردات لهذا العام، يتبين أن العجز المتوقع يصل إلى 4836 مليار ليرة. ولما كان قد تم التوقف عن دفع سندات اليوروبوندز، فهذا يعني حسم قيمة فوائدها لهذا العام من العجز المقدر، بما يبقي هذا العجز عند حدود 1200 مليار، يُضاف إليها 1500 مليار ليرة هي قيمة سلفة الخزينة المقدّمة إلى كهرباء لبنان، والتي لا تدخل ضمن نفقات الموازنة. مع ذلك، فإن الانخفاض يبقى كبيراً، وهو يصل إلى 57 في المئة. لكن المشكلة أن الـ2700 مليار ليرة المتبقية من العجز مرجّحة للازدياد، إذ إن التقديرات تشير إلى أنه، نتيجة الكساد والأزمة المالية، سيكون من الصعب تحقيق الإيرادات المتوقعة. لكن مع ذلك، فإن تغطية هذا العجز لن تكون صعبة، حيث يتوقع أن يكتتب مصرف لبنان في سندات خزينة لتغطيته، فيما يحكى أن الإجراءات الحكومية المنتظرة ستؤدي إلى تصفير العجز.
أما بشأن سلفة الخزينة المقدمة لكهرباء لبنان، فبالرغم من أنها لن تسهم في تعديل قيمة العجز في الموازنة، إلا أن الفارق سيحقق في موازنة المؤسسة. فبعدما كانت وزارة الطاقة قد أكّدت أن هذا المبلغ لا يكفي حاجة مؤسسة الكهرباء، وهو ما اضطر الأخيرة إلى القيام بإجراءات خاصة لتضمن أن يكفيها الاعتماد حتى نهاية العام، يُتوقع أن يؤدي الانخفاض الكبير في أسعار النفط (وصل سعر البرميل إلى 35 دولاراً)، إذا ما استمر لفترة طويلة، إلى إراحة المؤسسة بشكل ملحوظ، وربما يسهم في زيادة ساعات التغذية (اضطرت المؤسسة إلى زيادة التقنين لمواجهة عدم كفاية الاعتماد المالي لتأمين حاجتها من الفيول خلال العام الحالي)، علماً بأن موازنتها وضعت على أساس سعر برميل النفط ما بين 60 و65 دولاراً للبرميل.
فوائد انخفاض أسعار النفط لن تقتصر على كهرباء لبنان. مصرف لبنان بدوره أمام فرصة تخفيف وتيرة انخفاض موجوداته من العملة الصعبة التي يؤمن منها الاعتمادات الدولارية لاستيراد المشتقات النفطية. فهو، بحسب تعميمه الصادر في بداية تشرين الأول الماضي يتكفل بتأمين 85 في المئة من قيمة الاعتمادات المخصصة للنفط، وعلى افتراض أن سعر البرميل كان 60 دولاراً وصار 35 دولاراً، فإن ذلك يعني أن مصرف لبنان، بدلاً من تأمين 51 دولاراً عن كل برميل، ستقتصر قيمة مساهمته على أقل من 30 دولاراً، أي ما يعادل تخفيضاً يصل إلى 41 في المئة. وهذا سيعني أن موجوداته بالعملة الأجنبية ستكون أكثر استدامة، كون فاتورة النفط هي الأكبر بين فواتير السلع التي التزم مصرف لبنان بتأمين الدولارات لها. وهذا الأمر، في حال استمراره، لا يُعد إنجازاً لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بل هو نتيجة لحرب تجارية على سوق النفط في العالم بعد اندلاع أزمة فيروس كورونا.
الاخبار