التعيينات المالية لم تنضج بعد، لكن المعركة صارت معركة تحجيم رياض سلامة. فهل تنجح الحكومة في فرض أمر واقع في المجلس المركزي لمصرف لبنان وفي لجنة الرقابة على المصارف يسمح بإعادة تفعيل المؤسستين اللتين تحولتا، خلال الفترة الماضية، إلى منفّذ لسياسات الحاكم؟
وفيما لم يتم التطرق إلى ملف التعيينات، ولا سيما المالية منها، أوضحت وزيرة العدل أنها وجّهت الى مجلس القضاء الأعلى بعض الملاحظات في شأن التعيينات القضائية، وعقدت اجتماعاً مثمراً مع رئيسه وأعضائه للتباحث بهذه الملاحظات، مع رفضها التام الدخول في طرح الأسماء. وأفادت بأنها تنتظر رد مجلس القضاء الأعلى في هذا الموضوع، آملة «أن تصبّ الجهود كافة في تعزيز قدرات السلطة القضائية في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ البلاد».
ويبدو أن الحكومة استعملت «كورونا» كقنبلة دخانية لتغطية قرار بتثبيت سعر صفيحة البنزين عند سعرها الحالي، ما يعني سلب المستهلكين الوفر الذي كانوا سيحققونه نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً. وخلّفت هذه الخطوة سجالاً قانونياً، لجهة ما إذا كان تثبيت السعر يُعتبر بمثابة فرض رسم جديد، وهو ما يحتاج إلى قانون، أم أن الأمر منحه القانون مسبقاً لمجلس الوزراء ووزارة الطاقة.
من جهة أخرى، يفترض أن تحط التعيينات المالية رحالها في مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، وخاصة أن ولاية أعضاء لجنة الرقابة على المصارف تنتهي في 25 آذار الحالي. لكن حتى اليوم، لا يبدو أن أي اتفاق بشأنها قد نضج، إذ لا يزال الخلاف على أسماء نواب حاكم مصرف لبنان مستمراً. ويبدو أن وزير المال غازي وزني لم يُعِدّ بعد لوائح المرشحين للمناصب (نواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان). ويفترض بوزني أن يحمل أسماء ثلاثة مرشحين لكل منصب قبل عرض الملف على مجلس الوزراء الخميس المقبل.
ووسط حديث عن سعي الرئيس ميشال عون إلى عدم تغيير كامل أعضاء لجنة الرقابة، فإن الرئيس نبيه بري يريد إعادة تعيين النائب السابق للحاكم رائد شرف الدين وعضو لجنة الرقابة أحمد صفا في منصبيهما. بينما تواجه الحكومة سؤالاً حول مفوّض الحكومة الذي يقول العرف إنه من طائفة الروم الأرثوذكس. وتتضارب المعلومات بشأن نية دياب التعامل مع الملف. ففيما تجزم مصادر مطلعة بأن رئيس الحكومة يريد أن يختار النائب الثالث للحاكم بنفسه (موقع يشغله، عرفاً، مواطن ينتمي إلى الطائفة السنية) بما يناسب تطلعاته للمرحلة المقبلة، تشير مصادر أخرى إلى أنه مصرّ على عودة محمد بعاصيري كي لا يتستفزّ الأميركيين. فواشنطن سبق أن أبلغت لبنان، منذ الحكومة السابقة، تمسكها ببعاصيري، كونه متعاوناً معها في مجال «مكافحة تمويل الإرهاب»، و«يسهّل تبادل المعلومات معنا»، بحسب ما قال مسؤولون أميركيون لوزراء لبنانيين. في المقلب الشيعي، أعيد طرح اسم طلال فيصل سلمان ليكون نائب الحاكم، بالتزامن مع كلام عن اتجاه الحكومة إلى إلغاء مكاتب «برنامج الأمم المتحدة للتنمية» (UNDP) في الوزارات، علماً بأن سلمان يدير «مشروع الإصلاح المالي» التابع للبرنامج المذكور في وزارة المال. لكن حتى هذا الطرح، اصطدم بمعلومات عن استمرار دعم الرئيس نبيه للنائب الأول المنتهية ولايته رائد شرف الدين. أما مصادر حركة أمل، ورداً على هذه الأنباء، فأكدت أنه لم يتم التواصل معها في ما يتعلق بالتعيينات. وأكدت أنها لم تعط أي موقف منها، وهي تنتظر طرح الملف من قبل الحكومة.
سلامة يسمح للمصارف ببيع الدولارات للمودعين بأعلى من السعر الرسمي!
ومن ضمن بازار التعيينات، خرجت أخبار تتحدّث عن تسويق وزير الاقتصاد راوول نعمة لاسم أمينة سرّه تانيا مسلّم لتكون عضواً في لجنة الرقابة على المصارف، علماً بأن مسلّم تعمل مع نعمة منذ أن كان في مصرف سوسيتيه جنرال وانتقلت معه إلى المصرف اللبناني للتجارة، ثم إلى بنك البحر المتوسط.
وفيما تلوح في الأفق محاصصة على الطريقة السابقة، ثمة من يؤكد أن القرار يقضي بعدم تكرار نموذج نواب الحاكم المهادنين، مع التركيز على ضرورة أن يعبّر هؤلاء عن السياسة المالية والنقدية للحكومة، أي بمعنى آخر ضرورة أن يكون المجلس المركزي لمصرف لبنان حجر عثرة في طريق السيطرة المطلقة لرياض سلامة على المصرف وقراراته.
وكل هذه النقاشات تجري في ظل إدراك الجميع أن التعيينات الحالية تتسم بأهمية خاصة، ولا سيما مع إعلان إعادة هيكلة المصارف والدين العام وتخفيض ميزانية المصرف المركزي واحتمال إجراء «هيركات» على الديون والودائع. وتبعاً لذلك، فإن المهمات المطلوبة من المجلس المركزي وهيئة الرقابة على المصارف ستكون شديدة الأهمية.
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن وزير المال وزني عاد الى نغمة الصلاحيات الاستثنائية لحاكم مصرف لبنان. وقالت مصادر مصرفية إن وزني حمل الى الاجتماعات الحكومية اقتراحاً جديداً بمنح الحاكم صلاحيات استثنائية، ناسباً إلى الرئيس نبيه بري موافقته على الأمر، علماً بأن المصادر نفسها أكدت أن أي صلاحيات استثنائية تتطلّب تعديلات في قانون النقد والتسليف، وأن دور الحكومة يصبح بلا فعالية في هذه الحالة.
وذكرت المصادر أن جمعية المصارف تعوّل على دور خاص للحاكم في تحديد آليات العمل بالودائع والتحويلات المالية. وهي طلبت من الحاكم واستجاب لها بقرار جديد يسمح للمصارف ببيع الدولار الأميركي للمودعين بسعر يزيد 30 بالمئة عن سعر الصرف الرسمي. والحجة أنه بهذه الطريقة تبقى الدولارات في المصارف ولا تخرج الى السوق السوداء.
وزني يكشف عن انخفاض خدمة الدين بقيمة 300 مليار ليرة
وفي ما يخصّ عمل الصرّافين، طلب رئيس الحكومة من جميع الأجهزة الأمنية والقضائية العمل على ملاحقة الصرّافين الذين أبلغوا المصرف المركزي التزامهم بسعر الـ 2000 ليرة، لكنهم يستخدمونه في عمليات الشراء ولا يبيعونه، بل يلجأون الى سوق سوداء يباع فيها الدولار بنحو 2500 ليرة. وحذّر رئيس الحكومة من أن لبنان سيكون عملياً أمام ثلاثة أسعار للدولار، واحد رسمي، وواحد عند الصيارفة وثالث في السوق السوداء. وقد وعد النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بالعمل على مكافحة هذه المخالفات. وتحدّثت المصادر المصرفية عن سعي من جانب جمعية المصارف لأن تكون عملية إعادة هيكلة القطاع منوطة فقط بالمصرف المركزي وحاكمه، وهو الأمر الذي ترفضه الغالبية الوزارية التي باتت تتصرّف على أن الحاكم يعمل في خدمة المصارف.
الاخبار