قرّرت جمعية المصارف الإقفال من 17 آذار حتى 29 منه. أعلنت البنوك «تعبئتها العامة»، مخالفة قرار مجلس الوزراء بفتح فروعها، لتسيير شؤون المواطنين في هذه الأزمة، فهل تتحرّك النيابة العامة؟
من هذا الموقع، أعلنت المصارف «التعبئة العامة» وإقفال جميع الفروع من 17 حتى 29 آذار، مُتفيّئة بحالة «التعبئة العامة» التي أعلنها مجلس الوزراء لمواجهة انتشار عدوى وباء كورونا، علماً بأنّ قرار الحكومة إقفال المؤسسات الخاصة أول من أمس استثنى «مصرف لبنان وجميع المصارف، وذلك بالحدّ الأدنى الواجب لتأمين سير العمل». قرار الإقفال تسرّب منذ أيام، حين انطلق البحث في إعلان حالة الطوارئ في البلد. وعلى هذا الأساس، أعدّت الجمعية سلفاً بيان الإقفال، من دون أن تحسب إمكانية تسريبه ووضعها «مؤقتاً» في موقف حرج. ففور انتهاء المجلس الأعلى للدفاع، وقبل انعقاد مجلس الوزراء وإعلان أيّ مقررات، تسرّب قرار «الجمعية» المُتضمّن شرحاً بضرورات الإقفال في ظلّ «حالة الطوارئ» (التي لم تُعلن) والإجراءات التي ستُتبع خلال الفترة المقبلة، وأبرزها منع خروج الدولار من حسابات المودعين… حتى «إعاشة» الـ50$ شهرياً، علماً بأنّه برز بين المصرفيين من رفض القرار واعتبره لا يتناسب مع الأوضاع المُستجدة. سارع رئيس «الجمعية» سليم صفير إلى محاولة التنصّل من البيان عبر نفيه. لكن كانت تلك «إبرة المُهدّئ» التي حقنت المصارف بها اللبنانيين، قبل أن تكشف أمس عن الخطة الأساسية بالإقفال التام للمرة الثانية في غضون أشهر قليلة. وعوض أن يكون «كورونا» دافعاً «إنسانياً» للمصارف لإعادة حساباتها، وانضمامها إلى حملة «التكافل الوطني»، وتسهيل وصول المواطنين إلى أموالهم لتأمين حاجاتهم في الفترة الراهنة، فضّلت الاستمرار في النهج نفسه: سرقة الناس والاستبداد بهم. حتى ولو تطلب ذلك وضع «الفئات الشعبية» بعضها في وجه بعض. استخدمت اتحاد نقابات موظفي المصارف، الذي أصدر أمس بياناً يطلب فيه، «حفاظاً على صحة وسلامة زملائنا المصرفيين»، أن يلتزم العاملون في الفروع بالبقاء في منازلهم «حتى عودة الأوضاع العامة إلى ما كانت عليه قبل انتشار الوباء»، مع الإشارة إلى أنّ «الاتحاد» المذكور لا يُقدم على أيّ خطوة من دون «تنسيق تام» مع جمعية المصارف. بعبارة أخرى، يُنفّذ ما يطلبه منه صفير وأعضاء الجمعية، ولكن يصمّ أذنيه عن موظفي القطاع الذين «يُخصم» من رواتبهم أو يُدفع قسمٌ منها، كما تفعل بعض المصارف حالياً، وأولئك الذين يُطردون من عملهم، فلا يصدر عنه أي بيان.
ثمّ صدر بيان جمعية المصارف، الذي «صدف» أنّه نسخة طبق الأصل عن البيان «المُسرّب»، ويتضمن: ١- خدمة السحب النقدي بالليرة من أجهزة الصرّاف الآلي، ٢- الاستمرار في العمل ببطاقات الدفع كما هو معتمد حالياً، ٣- تأمين دفع الرواتب بالليرة، ٤- تأمين العمليات التجارية المُلحّة، ٥- متابعة العمل في بعض أقسام الإدارة العامة التي تؤمّن العمل مع المصارف المراسلة في الخارج.
النقطة الأهم في القرار أنّه يحصر المعاملات بالليرة، من دون أي ذكر للحسابات بالدولار. فما لم تتمكّن المصارف من فرضه سابقاً، رغم كلّ القيود التي وضعتها على عمليات السحب والتداول بالعملات الأجنبية تحديداً، وجدت في «كورونا» ضالتها لتُحقّقه. وأخيراً، تمكّنت من منع الناس من سحب دولاراتهم، حتى ولو كانت رواتب أو «أموالاً جديدة» مُحوّلة من الخارج. وهو مشروع القانون الذي كانت المصارف، بالتعاون مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة ووزير المالية غازي وزني، تُحاول تمريره بوقف المعاملات بالدولار. وعليه، لا تترك المصارف الناس المحتاجة إلى المال إلا أمام خيار سحب الدولار من الصراف الآلي بالعملة الوطنية، وبناءً على سعر الصرف الرسمي، بعد أن تراجعت قيمة الليرة. إنّها عملية «قص شعر» غير مُقنعة تفرضها المصارف، على ما تبقى من ودائع بالدولار، بعد أن بدّدت قرابة 50 مليار دولار التي يملكها المودعون.
بعد بيان الجمعية، أدلى وزني بتصريح إلى «الوكالة الوطنية» يدعو فيه النيابة العامة إلى التحرك «سريعاً في ضوء قرار جمعية المصارف المُتسرّع بالإقفال من دون الالتفات إلى تسيير مصالح الناس، ولو بالحدّ الأدنى، كما جاء في قرارات مجلس الوزراء»، لتردّ عليه «الجمعية» ببيان توضيحي أنّ قراراتها «مُنسجمة تماماً مع توجيهات مجلس الوزراء… وللتذكير فإنّ القطاع المصرفي يضم 27 ألف موظف، يتمتعون كسائر المواطنين بحق الحفاظ على سلامتهم وملازمة منازلهم في هذه الفترة الاستثنائية». إجراءات عديدة كان بإمكان المصارف اتخاذها عوض هذا الاستغلال الرخيص، كأن تُعقّم المصارف وتُقلّل أعداد الموظفين، وتمنع دخول أكثر من عدد مُعين من الزبائن في الوقت نفسه إلى الفروع، وفرض مسافة مُعينة بين الموظفين والعملاء… وإذا ما سلمنا جدلاً بجدوى الإقفال، فلماذا لم تسمح بتزويد الصرافات الآلية بالدولارات؟
الاخبار