تداعيات وباء كورونا على لبنان كثيرة مع قرار الإغلاق التام وإعلان التعبئة العامة في ظل أزمات البلاد المتعدّدة، الاقتصادية منها والصحية والاجتماعية أو حتى التقنية الحديثة… وتماشياً مع المقررات في ظل هذه الأزمات، هل يمكن مثلاً تعطيل مجلس النواب الى تاريخ غير معلوم، في وقت يحتاج المواطن أكثر من اي وقت مضى الى سلطة تُشرّع له قوانين مستعجلة وتنقلها من الأدراج الى الاقرار وهي كثيرة وملحّة؟ وعليه، كيف سيتعاطى مجلس النواب مع حصار التعبئة العامة وكورونا؟ وهل سيتجاوب رئيس المجلس مع دعوات الاحزاب وبعض الأقطاب لعقد جلسة نيابية إلكترونية لتشريع الضرورة؟ وهل من إمكانيات تقنية لموقع مجلس النواب لعقد جلسات مماثلة؟
دعا رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل الأسبوع الفائت رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى عقد جلسة عامة إلكترونية لإقرار قوانين ملحة.
والجدير ذكره انّ الجميّل كان قد تقدّم في شهر ايلول 2011 باقتراح قانون التصويت الالكتروني، لكنّ الطلب لم يتحقق بحجّة انّ الاقتراح يحتاج الى تعديل في النظام الداخلي وموافقة من مجلس الوزراء.
وتجدر الإشارة أنّ التصويت في جلسة انتخاب الرئيس الراحل الياس الهراوي تمّ إلكترونياً وليس برفع الايدي. واليوم تُستبعد فرضية مسألة التصويت إلكترونياً التي تستوجب تقنية حديثة او حتى تعديلات قانونية، فتبدو بكل بساطة بحاجة الى قرار سياسي.
وتقول المستشارة القانونية لرئيس «الكتائب» الآنسة لارا سعادة إنّ الامر من أبسط ما يكون، وانّ الحزب وغيره من مؤسسات عدة تلجأ إليه اليوم، ولا سيما في ازمة كورونا، فتنعقد الاجتماعات من خلال منصّات إلكترونية جامعة، كاشفة عن انّ جلسة الحزب الاخيرة عقدت عبر تطبيق zoom software الذي يمكّن الأفراد من إتمام المناقشات والتصويت واتخاذ القرارات بكل سهولة، ومن خلال هذا التطبيق يمكن متابعة جميع الاعضاء الاساسيين المشاركين في جلسة النقاش كذلك يمكنهم المشاركة في طلب الكلام وحَجبه. وتؤكد سعادة انّ استعمال هذا التطبيق سهل، وإرسال فيديو صغير الى النواب يسهّل عليهم فهم آلية التطبيق برمّتها، إن من حيث النقاش او التصويت، مضيفة انّ «الرئيس يمكنه أيضاً التحكّم في إعطاء الكلام او حَجبه عن النواب اذا أراد»، مشيرة انّ «تجربة الحزب مع هذه التقنية أثبتت انها ليست مستعصية، وانّ تطبيق SOFTWARE ZOOM ليس الوسيلة الوحيدة للتواصل الالكتروني إذ انّ هناك وسائل وتطبيقات مماثلة عدة».
هل الموقع الالكتروني للمجلس مهيّأ؟
يقول المراقبون انّ المطلوب اليوم من فريق «تكنولوجيا المعلومات»، أي الـIT الخاص بالموقع الالكتروني الرسمي للبرلمان، ان يعمل على تنظيم برنامج خاص لحماية الموقع وتحصينه من الخروقات في حال تمّ اللجوء الى اعتماد الجلسات الالكترونية عبر الموقع الرسمي للبرلمان اللبناني.
وفي الوقائع، تؤكّد المستجدات المتسارعة انّ رئيس مجلس النواب قد يضطر عاجلاً أم آجلاً إلى اللجوء لعقد جلسات إلكترونية في ظل غياب اي حلول للأزمة الوبائية العالمية، ولأنه، في رأي خبراء دستوريين، لا يمكن لرئيس المجلس النيابي مع ممثلي الشعب تعطيل عمل المجلس ودوره اذا انتشر وباء عالمي! بل المطلوب في المرحلة الراهنة استمرار عمل المجلس أكثر من أي وقت مضى.
تعطيل المجلس مخالف للدستور
يشير خبراء دستوريون الى «أهمية دور مجلس النواب الموازي في أهميته لدور مجلس الوزراء، بمعنى اننا لا نتكلم عن تعطيل مؤسسة إدارية او تجارية عادية بسبب وباء مُستجد، بل عن تعطيل مؤسسة رسمية وسلطوية تمثّل شؤون المواطن المُلحّة ومن واجبها تحمّل المسؤولية في اتخاذ التدابير القانونية التي تمنح المواطن الحماية القانونية الكافية عند الحاجة».
فلا يمكن للنواب على سبيل المثال، التعطيل أو أخذ فرصة أو التذرّع بحالة التعبئة، مثل غيرهم من المواطنين فيتوقفون عن ممارسة مهامهم! في المقابل، تلفت أوساط نيابية الى انه «لا يمكن للنواب ايضاً المجيء الى مجلس النواب ونقل العدوى الى أعضاء المجلس والموظفين، خاصة انّ معدّل أعمار غالبية النواب تعرّضهم لالتقاط العدوى أكثر من غيرهم».
لكن في المقابل يتساءل البعض هل الامر يعفي هؤلاء النواب من مسؤولية تأمين انعقاد جلسة تشريعية من أي مكان من خلال اللجوء الى التكنولوجيا العصرية في ظل طرح قوانين طارئة تستوجب العجلة في الإقرار؟
القوانين الملحّة
أمّا أبرز القوانين التي هي في حاجة الى تصويت وإقرار من قبل مجلس النواب، فهي:
– قانون تعليق المهل المقدّم من النائبين ايلي حنكش وبولا يعقوبيان، والذي قدّمت عنه وزيرة العدل ماري كلود نجم نسخة طبق الاصل الأسبوع الفائت مطالبة بإقراره.
– قانون الاعفاء الخاص في السجون الذي يحتاج بدوره الى تصويت وإقرار من قبل النواب، إذ انّ أي قانون تتخلّله رسوم أو اموال او غرامات او إعفاءات يتوجب تعديلاً او إقراراً من السلطة التنفيذية، خاصة اذا لم يكن مطروحاً في الموازنة. وهنا تجدر الإشارة الى الأصوات التي عادت تتعالى وتطرح موضوع قانون العفو العام في ظل تخوّف جدّي من انتشار الوباء في السجون، ومن أبرز هؤلاء: المفتي دريان والنائب وليد جنبلاط…
– إجازة الاقتراض، يجب أن تأتي من البرلمان. بمعنى أنّ ايّ قرض تتقدم الحكومة بطلبه من اي مصرف دولي او صندوق دولي بهدف إرسال ادوات صحية او اجهزة طبية للتنفّس او غيرها ممّا يُشابهها، يجب أن تأتي اجازة الإقتراض هذه بطلب من البرلمان.
وبالتالي، يبدو انّ مجلس النواب قد يضطر الى إيجاد طريقة للانعقاد إلكترونيّاً، خصوصاً انه لا يمكن إيقاف عجلة الدولة في مواجهة الكارثة الصحية.
وتشير مصادر موثوقة أنّ الادارات الاخرى الامنية والبلدية والاجتماعية والقضائية وكذلك الادارات في الوزارات ستستجيب مرغمة الى مبدأ الانعقاد إلكترونياً لتبية حاجات المواطن اللبناني اذا استمرت الازمة، وفي وقت بدأ التحوّل في وزارة التربية من خلال الشروع بتطبيق النظام التعليمي عن بُعد.
كورونا يسرّع الحكومة الإلكترونية؟
وفي حال تمّت دعوة المجلس الى الإنعقاد إلكترونياً، يكون قد بدأ بتطبيق جزء من أبرز آليّات الحكومة الالكترونية التي تطالب بها غالبية الكتل النيابية. والمرجّح أنه عاجلاً أم آجلاً، ستقوم إدارات الدولة برمّتها بتطبيق آليات الحكومة الالكترونية بسبب انعدام الخيارات. وقد يكون «عدو البشرية» اليوم سبباً أساسياً يُرغم لبنان على البدء باتخاذ تدابير والانتقال الى الخطوة الاولى في الحكومة الالكترونية، فيوقف وباء «كورونا» من حيث لا يدري الزبائنية السياسية والوظائف الوهمية في الدولة اللبنانية..
الجمهورية