طلبت دورية «فورين بوليسي» من مجموعة من المسؤولين السابقين والمفكّرين البارزين في مجال العلاقات الدولية تقديم تقديرهم الأولي المختصر لتداعيات جائحة «كورونا» على النظام الدولي وتوازناته. واللافت هو تقاطع الخلاصات الرئيسية لغالبيتهم، رغم تباين خلفياتهم الفكرية، وأبرزها تعزيز دور الدولة القومية وتزايد الضوابط والكوابح للعولمة وتسريع عملية انتقال مركز الثقل الدولي من الغرب إلى الشرق
ستيفان والت
(أكاديمي وسياسي أميركي)
سيقوّي الفيروس دور الدولة ويعزّز القومية وقبضة الحكومات التي فرضت إجراءات استثنائية للسيطرة على الفيروس، وسيكون من الصعب أن تتخلى عن سلطاتها الجديدة بعد انتهاء الأزمة.
سيعجّل الفيروس بانتقال القوة والتأثير عالمياً من الغرب إلى الشرق بعد نجاحات كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، وتجاوب الصين مع أخطائها الأولى، في حين أوروبا وأميركا لا تزالان تتخبّطان ما أدى إلى تلطيخ سمعة النموذج الغربي.
ريتشاد هاس
(دبلوماسي أميركي سابق)
أتوقع انكفاء على الداخل لمعظم الحكومات لسنوات عدة بعد «كورونا» والبحث عن الاكتفاء الذاتي، وربما معارضة الهجرة بأعداد كبيرة، وعدم رغبة في مناقشة القضايا الخارجية بما فيها التغير المناخي وتفضيل تخصيص الموارد للتعافي من الأزمة. وسيجد العديد من الدول صعوبة في التعافي مع ضعف الدولة، وستصبح الدول الفاشلة أكثر ضعفاً وانكشافاً وتصبح هذه الصفة الغالبة في العالم.
وستؤدي الأزمة إلى مزيد من الأضرار في العلاقات الأميركية – الصينية وستضعف التكامل الأوروبي. من الناحية الإيجابية، يمكن أن نلحظ تقوية متواضعة لحوكمة الصحة العامة في العالم، وبشكل عام مفهوم العولمة سيتأثر كثيراً.
نيكولاس بيرنز
(دبلوماسي أميركي سابق)
فيروس «كورونا» هو أكبر أزمة على مستوى العالم في هذا القرن، يهدد نحو 8 مليارات شخص هم سكان العالم. التداعيات الاقتصادية والمالية قد تفوق الأزمة المالية لعام 2008 – 2009. هي أزمة يمكن أن تغير بشكل دائم النظام العالمي وتوازن القوى كما نعرفه. وحتى الآن، التعاون الدولي غير كاف. إذا لم تترك الصين والولايات المتحدة تبادل الاتهامات حول من السبب وراء الأزمة وتتعاملا معها فإن مصداقيتهما ستتأثر. وإذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي حماية مواطنيه الخمسمئة مليون فإن الحكومات الوطنية ستسترد المزيد من الصلاحيات من بروكسل. وفي الولايات المتحدة، فإن الأمر الأهم هو أن تتمكن الحكومة الفيدرالية من اتخاذ إجراءات فعّالة للحد من الأزمة.
كيشور محبوباني
(أكاديمي ووزير خارجية سنغافورة السابق)
سيسرّع فيروس كورونا من التحول الذي بدأ بالفعل، من عولمة تتمحور حول أميركا إلى عولمة تتمحور حول الصين. ولكنه لن يغيّر أساسيات الاقتصاد. فالشعب الأميركي فقد إيمانه في العولمة والتجارة الدولية مع أو بدون الرئيس ترامب، بينما الشعب الصيني لم يفعل. اندماج الصين مع العالم في أواخر القرن الماضي أدى الى إعطاء الثقة للصينيين أنه يمكنهم المنافسة في أي مكان، وبالتالي أرى أن الصين انتصرت.
باختصار:
• فشل الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في قيادة العالم وتحول الدفة إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا.
• النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير.
• انتهاء نظام العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل والبحث عن شبكات توريد محلية تنسف القواعد الحالية لعمليات التصنيع والإنتاج العالمية.
• فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها الذي كان متوقّعاً في التحذير والتنسيق للحد من الأزمة.
• توقع تفكك الاتحاد الأوروبي بعد فشله في مواجهة الأزمة على مستوى أعضائه.
• مزيد من الانكفاء على الداخل وتراجع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
• تقوية مفهوم الحكومة المركزية وتعزيز قبضة الحكومات من دون معارضة.
• قوة الروح الإنسانية ونجاحها في مواجهة الخطر.
• المنتصر في الحرب ضد كورونا هو الذي سيكتب التاريخ ويحدد المستقبل بشكل كبير.
• سيكون العالم: أقلّ انفتاحاً، أقلّ حرية وأكثر فقراً.
جون ألين
(جنرال أميركي ومدير معهد بروكنغز)
ستعيد الأزمة تشكيل هيكل القوة العالمي بطرق يصعب تخيلها. سيستمر الفيروس في الضغط على النشاطات الاقتصادية وزيادة التوتر بين الدول، وعلى المدى الطويل سيخفّض الوباء القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي.
خطر العزلة سيكون عظيماً خاصة على الدول النامية والتي لديها جزء كبير من العمالة غير المحصّنة اقتصادياً. وسيتعرض النظام العالمي لضغط كبير ينجم عنه عدم الاستقرار وخلافات بين الدول وداخلها.
جون ايكينبري
(أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون)
على المدى القصير، ستعطي الأزمة دفعة للقوميين ومناهضي العولمة وأعداء الصين في العالم الغربي. الانهيار الاجتماعي، وكذلك الأكلاف الاقتصادية التي تتضح يوماً بعد يوم ربما تشابه تلك التي وقعت ما بعد الأزمة المالية في ثلاثينيات القرن الماضي. قد نتجه إلى بناء نظام عالمي جديد يحمل ضمانات لحماية الدولة ويدير الاعتماد المتبادل بشكل أكثر حماية لمصالحها. أو بمعنى آخر ستخرج الديمقراطيات الغربية من قوقعتها وتحاول البحث عن نماذج أكثر أماناً للتعاون المشترك.
شيفشانكار مينون
(دبلوماسي هندي ومستشار مجلس الأمن القومي للهند سابقاً)
رغم أنه لا يزال مبكراً الحكم، لكن هناك ثلاثة أمور تبدو واضحة:
أولاً: ستتغير سياساتنا بسبب «كورونا» سواء داخل الدولة أو بين الدول، فنجاح الحكومات في التعامل مع الأزمة سيقلل من القلاقل الأمنية والاستقطاب الذي برز أخيراً في المجتمعات. فالتجارب أثبتت حتى الآن أن الشعبويين والديكتاتوريين لم يظهروا مهارات واضحة في التعامل مع الأزمة. وجاءت كوريا الجنوبية وتايوان في المقدمة، وهما دولتان ديمقراطيتان. ثانياً: هذه الأزمة لا تعني نهاية الاعتماد المتبادل على المستوى الدولي. فالفيروس نفسه دليل على تشابك الأنظمة وتداخلها… لكن، مع ذلك، هناك اتجاه إلى الانغلاق، أي الى عالم أكثر فقراً وأنانية وضيقاً.
ثالثاً: هناك علامات إيجابية ومشجّعة، فالهند بادرت ودعت إلى مؤتمر عبر الفيديو لقادة جنوب آسيا للبحث عن رد فعل مشترك في مواجهة التهديد. إذا حفّزتنا الأزمة الحالية على التعاون، يكون هذا الأمر من إيجابياتها.
الاخبار