على شاكلة الازمة السياسية اللبنانية في انتاج قانون انتخابي جديد يراعي التمثيل لجميع الطوائف دون الغاء او تحجيم قبل منتصف ايار الجاري، يبدو المشهد الفلسطيني في لبنان مأزوما، شمالا من مخيم نهر البارد وعدم استكمال البناء والاعمار، مرورا بمحاربة تجار المخدرات في مخيم البداوي، مرورا بقلب العاصمة بيروت والاحتقان في برج البراجنة وصولا الى عين الحلوة والتوتر الامني جنوبا، ثمة شعور مقلق ان الملف الفلسطيني وضع على نار حامية بين محاربة الارهاب واسقاط العنوان الفلسطيني الذي يشكل مظلة حماية سياسية.

في عين الحلوة اليوم، تقف القوى السياسية الفلسطينية الوطنية والاسلامية امام اختبار جديد، في تعزيز انتشار “القوة المشتركة” وتموضعها في “حي الطيرة” استكمالا للاتفاق الفلسطيني الموحد الذي اعلن من صيدا لإنهاء حالة الاسلامي المتشددبلال بدروتفكيك مربعه الأمني واعتباره مطلوبا يجب اعتقاله حيثما وجد، ويتأرجح المشهد بين تذليل العقبات التي تحول دون ذلك وبين جولة جديدة من الاشتباكات، لم تلتئم بعد جراح ابنائه من اثارها التي بدت جلية في تضرر المنازل والمحال التجارية وعدم عودة الاهالي اليها حتى الان.

الاختبار الجديد، لا يتعلق بتموضع “القوة المشتركة” ونجاحها من عدمه، وانما في تصفية ذيول الاشتباكات التي انتهت دون نتائج واضحة، “فتح” تريد أن تستعيد هيبتها وقوتها التي إهتزت امام القوى اللبنانية والفلسطينية السياسية منها والأمنية، وبدر يريد الحفاظ على بقائه حتى الرمق الاخير ليعيد بناء نفسه مجددا، غير ان الاوساط الفلسطينية تؤكد هذه المرة ان ما بعد الاشتباكات ليس كما قبله، وان المعادلة الامنية تغيرت دون العودة الى الوراء والصمت على تصفية الكوادر والعناصر بين الحين والاخر.
“فتح” استكملت عدتها هذه المرة لمعركة حاسمة، اذ انجز موفد الرئيس الفلسطيني محمود عباس “ابو مازن”، مسؤول الحرس الرئاسي في رام الله اللواء منير الزغبي الى لبنان، التقرير المفصل والتقييم العسكري، فتبين ان الخلل في الاشتباكات الاخيرة تمثل بنقص عدد الضباط في قيادة المعركة امام شجاعة العناصر المهاجمة، وانهت دورة تدريبية عسكرية عاجلة لنحو 40 ضابطا وكادرا نظمتها منذ عشرة ايام في معسكر “ياسر عرفات” في مخيم “الرشيدية”، لتكون على اهبة الاستعداد لاي تطورات امنية في المخيم وغيرها من المخيمات الفلسطينية في لبنان.


بالمقابل، شهد الامن الوطني الفلسطيني تغييرات طفيفة ولكنها هامة، اذ أقال قائد الامن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب، رئيس غرفة العمليات العميد مناور الحلواني الذي عينه مستشارا وعين مكانه العميد عصام ابو عامر، وقائد “كتيبة شهداء شاتيلا” العميد احمد النصر التي تتمركز في منطقة جبل الحليب والطرف الجنوبي للمخيم حيث جرت المعركة وعين مكانه العقيد مصباح.
مع الاستعداد، تجري اتصالات سياسية كثيفة تسبق الساعات الاخيرة، لتأمين انتشار هادىء لـ”القوة المشتركة” في “حي الطيرة”، بعد رفدها بنحو 50 عنصرا جديدا تطبيقا لقرارات اجتماعي “القيادة السياسية الموحدة” في لبنان ومنطقة صيدا، حيث من المقرر ان تتموضع في ثلاث نقاط اضافية، لطمأنة ابناء الحي وتمهيدا لدخول فرق الاغاثة لاجراء المزيد من المسح الميداني وتقديم المساعدات للنازحين الذين يتفقدون منازلهم ولم يعودوا اليها بعد بسبب عدم صلاحيتها من جهة والهاجس الامني من توتر جديد من جهة اخرى.
واوضحت مصادر فلسطينية لـ”النشرة”، ان ثمة اعتراضات من بدر ومجموعته من الناشطين الاسلاميين لانتشار وتموضع “القوة المشتركة”، تتمثل بالمطالبة بانسحاب حركة “فتح” من “حي الصحون” المحاذي والمشرف على “حي الطيرة” وهذا ما ترفضه على الاطلاق، اضافة الى وقف عملية الجرف والتدشيم الجارية في موقع “النفق” التابع لـ”القيادة العامة” بزعامة احمد جبريل، والتي يشرف عليها مسؤول الساحة اللبنانية الجديد “ابو كفاح”، فيما يرابط نحو 60 مقاتلا مدربا في موقع “الجبهة” القريب من “سوق الخضار” لمنع الاستيلاء عليه مجددا كما حصل في الاشتباكات الاخيرة.
بالمقابل، ابلغ قائد القوة المشتركة العقيد بسام السعد، “اننا نجري المزيد من اللقاءات والاتصالات من اجل ضمان نجاح الانتشار والتموضع وفق ما قررته القيادة السياسية التي هي مرجعيتنا”، قائلا “همنا تحقيق أمن واستقرار الناس ولو تطلب الامر المزيد من الوقت”، مشيرا الى ان “الامور تتجه نحو الاحسن واستكمال بعض الترتيبات اللوجستية”.
وفي خطوة لافتة، وبعد دراسة أمنية اكثر من مرة، بوشر تنفيذ مشروع الطريق الآمن لتلاميذ مدارس وكالة “الاونروا” في عين الحلوة، باشراف “اللجنة الشعبية الفلسطينية” لفصائل “منظمة التحرير” وبتمويل من الصليب الأحمر الدولي، حيث انجز العمال رفـع سور المجمع السكني في منطقة بستان “القدس”، وفتح باب من مدرسة مرج ابن عامر، ليصل وعبر المجمع إلى المدارس الأخرى حتى مدرسة قبية، ما يضمن لتلاميذ مدارس “الاونروا” الخروج الآمن من مدراسهم بإتجاه بيوتهم خلال الأحداث الطارئة، الامر الـذي يعفيهم من الإضطرار إلى سلوك الشارع العام الفوقاني الذي شهد اكثر من مرة اشتباكات عنيفة.

ومع وقع التحضيرات الميدانية واللقاءات السياسية، يحبس أبناء المخيم انفاسهم مجددا أملا بالخلاص من التوتير،  فيما يعتزم وفد من القيادة السياسية الفلسطينية الموحدة في لبنان لقاء مدير عام وكالة الاونروا في لبنان الايطالي كلاوديو كوردون، لتنسيق الية التعويض عن الاضرار، سيما وان الوكالة انجزت مسحها الميداني حيث اكدت فيه ان نحو 577 منزلا متضررا، بينها 57 غير صالح للسكن، اضافة الى 141 محلا تجاريا.

تقرير واسباب

هذا، وخلص تقرير ميداني أعدته المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) وتناول مسح الاضرار التي اصابت المخيم وابناءه، الى أن ثمة أسباب ذاتية وراء معركة الأيام الستة، وان الظروف الحياتية، والتهميش، والتضييق، وضعف المرجعية الرسمية، والفقر، والحرمان، كلها توفر ظروفاً خصبة للتوتر والعنف وإن المعركة كشفت وضعاً خطيراً للغاية، وهو غياب العقل والاستخدام المفرط للقوة وسهولة افتعال المشاكل، واستخدام السلاح، بغض النظر عن الدوافع، وعن حقوق السكان المحليين أنه يصعب تحقيق أي هدف من خلال المعالجة الأمنية من دون توفر قرار سياسي جامع، ومن دون أخذ كل الظروف بمخيم عين الحلوةبعين الاعتبار، لا سيما قضية تسوية ملف المطلوبين، وقضية محاربة الارهاب الدولي، وقضية الأزمة السورية، والأزمة السياسية اللبنانية الداخلية.


وقال مدير المؤسسة محمود حنفي لـ”النشرة” ان التقرير رفع توصيات ابرزها دعوة الدولة اللبنانية إلى أنسنة إجراءاتها الأمنية، وعدم التضييق على سكان المخيم، وتغليب الجوانب الإنسانية دائماً، وفسح المجال أمام الطاقات الفلسطينية، والكفاءات المهنية، للانخراط أكثر في عملية الانتاج، بما يحقق المصلحة اللبنانية، وينزع فتائل التطرف والعنف. وأن يكون تدخل الدولة اللبنانية إيجابيا والاعلام اللبناني للتعاطي بمسؤولية ومهنية مع وضع المخيمات، بعيداً عن التهويل، الذي يحول المخيمات وكأنها بؤر أمنية، وسكانها وكأنهم مطلوبون للعدالة ومنح الفلسطينيين حقوقهم المدنية كاملة، التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والصكوك الدولية الأخرى، وعلى رأسها حق العمل والتملك، وتشكيل الجمعيات، والحق في مسكن لائق.
واكد الحنفي، ان التقرير دعا الأطراف الفلسطينية كلها إلى عدم السماح لأحد بالعبث بأمن واستقرار المخيم، ودعم القوة الأمنية المشتركة في كل المخيمات الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بما تمثل من إنجاز وطني، لأخذ دورها الحقيقي في رعاية مصالح اللاجئين الفلسطينيين على مختلف المستويات، ووكالة الأونروا إلى زيادة خدماتها، بما يلبي احتياجات اللاجئين، وإشراك منظمات دولية خدمية أخرى لتقديم مزيد من الدعم للاجئين الفلسطينيين، والعمل الجاد مع السلطات اللبنانية إلى زيادة مساحة المخيمات وإلى إنشاء صندوق طوارئ خاص بالأزمات، بعيداً عن الموازنة التقليدية، بحيث يستخدم هذا الصندوق عند الكوارث والطوارئ الأمنية وسواها وضرورة أن يلعب المجتمع المدني الفلسطيني دوراً أكثر حيوية في المصالحات والتعويضات.