«محروق قلبي أنّ المصرف لم يُحرَق». بهذه العبارة فاجأ الزميل محمد نزال آمر فصيلة البسطة الرائد خالد الوزان الذي كان يستجوبه مع رفاقه في الادعاء المقدم من مصرف لبنان والمهجر ضد مجهول بالاعتداء على فرعه في رأس النبع. لم يكتفِ نزال بذلك فحسب، بل دعا الضابط الوزان للمشاركة مع الناس في تحطيم المصارف لاستعادة حقوقها المسروقة. الصحافي الكادح مع مجموعة شبان آخرين «يقودهم» خضر أنور جرى توقيفهم صباحاً أمام مصرف الموارد في الحمرا حيث اقتيدوا إلى فصيلة رأس بيروت المشهورة بـ«حبيش». كانوا قد نفّذوا «الغزوة» الأولى على مصارف في رأس النبع قبل أن يصلوا إلى الحمرا. القوى الامنية اتهمت خضر بأنه «الرأس المدبر». جمع الشبيبة وتحرّك. نزّال تولى توثيق ما سيجري بكاميرا هاتفه. أما كارين، فكانت الأكثر إقداماً بينهم. وكذلك دانيال أبي جمعة الذي لا يزال يعاني من إصابته جراء كسر إحدى فقرات عاموده الفقري على أيدي عناصر مكافحة الشغب في تظاهرة سابقة، لكنه أصرّ على النزول للدفاع عن حقوق المقهورين. الدافع نفسه حرّك كلاً من عامر حرفوش وأحمد دعيبس ومحمد جلوس ووليد الرفاعي وآخرين.
القصة الحقيقية بدأت أمام مصرف الموارد. يبرز هنا لجوء هذا المصرف تحديداً إلى شبيحة مدنيين لحماية مصرفه. بلطجية يلعبون الدور القذر بداعي حماية المصرف. يُشبهون كثيراً المجموعة التي هاجمت الزميل محمد زبيب قبل أكثر من شهر. بل يُنقل أن بينهم من تهجم على زبيب أثناء إلقاء محاضرته في اللعازرية بعد الاعتداء عليه في الحمرا في شباط الفائت. وقد ظهر ذلك في الفيديوهات التي جرى تداولها.

طُلِب من أنور، دوناً عن باقي الموقوفين، التعهّد بدفع بدل الأضرار اللاحقة بالمصرف

هكذا لم يكد يصل الشبان حتى هاجمهم شبيحة المصرف بالضرب والشتائم ليقع اشتباك بالأيدي تدخلت على أثره القوى الأمنية. واللافت أنّ القوى الأمنية لم توقف سوى المتظاهرين. وثّق نزال صراخ إحدى السيدات تقول: «أعطوا الناس أموالها… عم تموتونا من الجوع مش من الكورونا»، احتجاجاً على وقوفهم في صفوف مكتظة. يقول الزميل نزال لـ«الأخبار»: «عوملنا معاملة سيئة من قبل القوى الأمنية». يروي كيف أصرّ عنصر الأمن على تقييد يديه من الخلف رغم إخباره بأنه يعاني من ألم شديدٍ في كتفه. ويكشف أنّ عناصر الفصيلة جرّدوه رغماً عنه من ملابسه باستثناء سرواله الداخلي ليضعوه في الزنزانة مع موقوفين آخرين. يقول نزال: «أخبروني أن هذه التعليمات كي لا أشنق نفسي ببنطلون الجينز، علماً أن باقي الموقوفين كانوا يرتدون لباساً رياضياً». ويضيف: «سألته لماذا أنا وحدي هكذا، فقال لي عندما يُحضر لك أهلك بيجاما نعطيك اياها»، فعقّب نزال: «إذاً أشنق نفسي حينها». وحده نزال من جُرِد من ملابسه بعدما بيّنت النشرة الجرمية وجود حكم غيابي سابق بحقه بالسجن ستة أشهر على خلفية دعوى عليه بجرم تحقير القضاء وغرامات مالية ناجمة عن أحكام صادرة عن محكمة المطبوعات يبلغ مجموعها ٥ ملايين و٧٧٠ ألف ليرة. إزاء ذلك، أعطى مدعي عام بيروت القاضي زياد أبوحيدر إشارته بتوقيفه لتنفيذ الحكم الغيابي بحقه ودفع الغرامات المالية الصادرة بحقه. غير أنّ مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات سجّل سابقة (يمكن البناء عليها في ملفات جميع الموقوفين)، إذ تدخّل ليكسر إشارة مدعي عام بيروت، وأشار بتعليق تنفيذ حكم صادر وأرجأه عشرة أيام تكون بمثابة مهلة لنزال للاعتراض على الحكم الغيابي و/أو دفع الغرامات، آخذاً بالاعتبار أزمة فيروس كورونا وتقريراً طبياً. غير أن إشارة القاضي عويدات بترك نزال رهن التحقيق لم تكف في ظل وجود ادعاء مقدم من مصرف لبنان والمهجر. لذلك نُقل مع أربعة من رفاقه إلى فصيلة البسطة للاستماع إلى إفاداتهم في دعوى تخريب المصرف. وهناك مكثوا لبضع ساعات قبل أن يُعطي القاضي غسان عويدات إشارته بتركهم بموجب سند إقامة. وحده الثائر خضر أنور بقي موقوفاً لأنه رفض التعهّد بدفع بدل «الأضرار» التي أصابت المصرف المدّعي في حال ثبت أنه شارك في تحطيمه. وللعلم، فقد طُلِب من أنور دوناً عن باقي الموقوفين التعهّد، على اعتبار أن القوى الأمنية تتهمه بأنه الرأس المدبر، لكن أنور اشترط مقابل تعهّده أن تتعهّد المصارف بإعطاء المودعين أموالهم. رفض التنازل عن هذا المطلب ولو كلّفه ذلك بقاءه في السجن.