ميسم رزق |
لم يُغيّر خروج «القوات» و«المستقبل» من الحكومة واقع التحالف بينَ 8 آذار والتيار الوطني الحر. يستمر هذا التحالف بتطويق نفسه بخلافاته القديمة في أعسر مخاض تخوضه البلاد، بدلاً من استغلال الفرصة لتحقيق إنجازات في ملفات أساسية
أمضى التيار الوطني الحر السنوات الماضية في صراع دائم مع الأخصام والحلفاء على حدّ سواء. وعدا عن حزب الله، فإن التيار صادم الجميع في البلد، لكنّه هادن أخصامه أحياناً كالرئيس سعد الحريري ورئيس القوات سمير جعجع حتى النائب وليد جنبلاط، لكنّه استمر بالاشتباك مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي على مواقِع النفوذ والكهرباء وإدارة التوازنات. ومنذ أن فتحت المعركة مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فإنها تتجدّد دائماً وتزداد شراسةً. ويكفي الخطاب السياسي الذي يطلقه النائب جبران باسيل، ليبعد باقي حلفاء 8 آذار عنه
كان يمكن للتيار الوطني و8 آذار، لولا المناكفة، أن يحققوا كفريق واحد إصلاحات مطلوبة، إلا أن هذا الخلل في العلاقة، جعلهما يلتقيان فقط في الملفات الإستراتيجية، ويتباعدان في غالبية الملفات الداخلية. ويتعثر هذا الفريق حالياً بسوء إدارتِه. ما كانَ سائداً قبلَ 17 تشرين، انسحَب على حكومة الرئيس حسان دياب المحسوبة على هذا الفريق. وبدلاً من أن يستغلّ فرصة خروج الخصوم من الحكم لتنفيذ سياسات إصلاحية، تراه يستمرّ في سياسة تطويق نفسه. فما الذي يمنعه من تغيير سلوكه في أعسر مخاض تمُر فيه البلاد؟
حتى الآن لا تزال قوى 8 آذار تضع للأزمة المُستمرة عنواناً واحداً، هو «تسلّط باسيل». فهو يُريد كل شيء لنفسه ولا يقبَل بأواسط الأمور. غير أن المُشكلة الأساسية حالياً، أو تحديداً بعدَ تأليف الحكومة الجديدة، هي في أن فريق 8 آذار لم يتصرّف على قاعدة أنه فريق واحد. يرجِع بعض السياسيين فيه إلى دياب نفسه الذي لا يتعامل أيضاً مع 8 آذار بوصفها فريقاً واحداً. يناقِش مع ميشال عون بصفته رئيس جمهورية، ومع نبيه بري بصفته رئيس مجلس نواب، ومع المردة على حدة ومع حزب الله مُنفرداً. أمر آخر يرده بعض هؤلاء إلى غياب التنسيق بينَ المكوّنات. فبعدَ خروج الحريري من السلطة، لم تندرج هذه المكوّنات ضمن إطار تنسيقي مُرتبط بالحكومة أو بشؤون البلاد ككل، باستثناء حزب الله وحركة أمل اللذين هما على تشاور دائِم. هذا التقصير، حاول الفريق التعويض عنه باللجنتين الثلاثيتين بينَ الحزب والحركة والتيار الوطني الحر للوصول إلى تصوّر مشترك في ما خصّ الموضوع المالي وملف الكهرباء.
مصادر التيار: القول بأن هناك سطوة لباسيل على الحكومة فيه الكثير من التجني
عمر الانقسام حول ملف الكهرباء من عمر التحالف تقريباً. مرّ بعراقيل كثيرة منذ تسلّم التيار وزارة الطاقة والمياه مع الوزير السابق آلان طابوريان. وعلى مدى السنوات الماضية أُقرت ثلاث خطط للكهرباء في 2010 و2017 و2019 لم تدخل أي منها حيز التنفيذ، باستثناء الحل المؤقت المتمثل بالبواخر، نتيجة خلافات بين التيار وحركة أمل. استمر التعطيل إلى ما قبل 17 تشرين، قبلَ أن تنص الخطة الأخيرة على إنشاء معمل في دير عمار ومعملين في الزهراني وسلعاتا، إضافة إلى إنشاء ثلاث محطات عائمة للتغويز في كل من دير عمار والزهراني وسلعاتا، لاستيراد الغاز المسال وتخزينه وإعادة تحويله إلى غاز. ومع أن مصادر 8 آذار تحاول دائماً تصوير الخلاف اليوم بأنه «تقني»، يتناول الجميع الخلاف من وجهته السياسية. لكن هل ستنجح اللجنة الحالية بالتوصل إلى تفاهمات بعيداً عن الحسابات؟ تؤكد المصادر أن هامش الخلاف يضيق، مع أن أعضاء اللجنة لم يتوصلوا الى صيغة مشتركة. لكن تشير إلى «تراجع التيار عمّا نتفق عليه، وقوله في السر ما لا يقوله في العلن». وتشتكي المصادر من أن «الخطة التي وضعتها الوزيرة السابقة ندى البستاني نُسفت، والوزير الحالي يُنفذ ما يطلبه باسيل، ويعمل وفقَ طروحات جديدة، وهذا ما لم يتوضح سببه حتى الآن». وتضيف: «بعد أن كانَ الاتفاق على تنفيذ خطة مشتركة بين القطاعين العام والخاص، يجري العمل حالياً للحصول على قروض بقيمة 800 مليون دولار وبفوائد 6 في المئة، وهذا الأمر يحتاج إلى التفكير بطريقة أخرى، لأنه أعادنا إلى الصفر. ومع ذلك يتهمون الآخرين بالتعطيل»؟
باقي الحلفاء، من تيار المردة إلى بعض نواب اللقاء التشاوري، ينتقدون أيضاً العلاقة مع التيار، «يشعر هؤلاء بأنهم دائماً في حالة دفاع عن النفس، بسبب عقلية باسيل في إدارة الملفات». وتضيف مصادر من المردة «نحن لسنا فريقاً واحداً، ولم نكُن يوماً. لطالما كانت 8 آذار منقسمة في داخلها، والأصح أنه لم يكُن هناك يوماً رؤية مشتركة مع التيار الوطني الحر. فهو يتصرف على قاعدة أنه حليف حزب الله لا حليف 8 آذار، وفيما لا يستطيع أن يدخل في صراع مباشر مع حزب الله يركز معاركه على الآخرين، مختصراً الفريق بنفسه وبالحزب». هذا بالضبط سبب الأزمة «يتصرف باسيل وكأنّ هناك فريقين أساسيين والباقي ملحقات». وإن كانت التعيينات المالية سبباً في الخلاف المُستجد بين المردة والتيار، لا تُخفي مصادر اللقاء التشاوري استياءها من إدارة رئيس التيار للملف أيضاً، مُستغربة «تزكية باسيل لبعض الأسماء في المواقع السنية، فهو يفعل مع دياب ما كانَ يفعله مع الحريري بشكل غير مقبول».
من جهتها تؤكد مصادر التيار الوطني أن «8 آذار ونحن لم نكن يوماً فريقاً واحداً كي نقارب الأمور من زاوية موحّدة»، مؤكّدةً أن «تحالف التيار و8 آذار هو من يمسِك بزمام الأمور حالياً بعد خروج مكوّنات أساسية من السلطة، لكن ذلك لا يُغير في حقيقة أن التيار يملك حيثية سياسية وشعبية تجعله الأقدر على التأثير في مجريات الأمور». وبالتالي، تضيف، أن «الظروف التي تمُر بها البلاد لا تفرض عليه التنازل». المشكلة من وجهة نظر العونيين أن بعض الجهات في فريق 8 آذار «تريد أن تحصّل لنفسها ما يحصله التيار رغم الفرق الكبير في الأحجام، وهو أمر غير مسموح». في موضوع التعيينات مثلاً، تقول المصادر إنه «من الطبيعي أن يقترح التيار أسماء في المواقع التي تعود له وهو ما يفعله الآخرون، والقول بأن هناك سطوة لباسيل على الحكومة فيه الكثير من التجني». أما في ما يتعلق بالملفات المالية والاقتصادية «فإن رؤيتنا لطالما كانت مختلفة عن رؤية الآخرين وسياستهم التي أثبتت فشلها وأودت بالبلاد إلى الواقع الذي نعيشه اليوم، وبعض من هذه الجهات موجود داخل 8 آذار ومن الطبيعي أن لا نوافق على ما تطرحه». للتيار سياسة محدّدة «يناقشها اليوم على طاولة مشتركة مع الحلفاء للوصول إلى قواسم مشتركة، لكنه سيبقى يقارب الأمور من الزوايا التي يراها هو مناسبة».
هي إذاً معارك مستمرة على المواقع والتوازنات والمغانم، في تكرار للسياسات الماضية، هذه المرة في داخل الفريق الواحد، بما يهدّد الحكومة الحالية كآخر معالم السلطة، ويضع حزب الله في موضع الإطفائي.
جريدة الأخبار|