طاول الانهيار التاريخي في أسعار الخام الأميركي، الذي تهاوى إلى ناقص 37 دولاراً للبرميل، عقود أيار/ مايو التي انتهت مهلة بيعها أمس، كما أثّر في عقود حزيران/ يونيو التي هبطت من مستوى 21 دولاراً للبرميل إلى 9.7 دولارات، بانخفاض نسبته 52.47%
في هذا الوقت، لا تزال حرب أسعار النفط تثقِل بتبعاتها السوق المأزومة من جرّاء تهاوي الطلب على الخام بفعل إجراءات العزل المفروضة عالمياً لمكافحة «كورونا». في جزء منه، يعود الانهيار التاريخي الذي طاولَ أسعار الخام الأميركي حصراً إلى شراء المضاربين عقود أيار/ مايو بأسعار متدنيّة إبّان استعار الحرب النفطية، لبيعها لاحقاً بأسعار أعلى. لكن هؤلاء اصطدموا بالإحجام الكبير عن الطلب، ما كان سيضطرّهم إلى تسلُّم براميل نفط حقيقية، في وقت ارتفعت فيه أسعار التخزين إلى مستويات غير مسبوقة في السوق، نظراً إلى شحّ القدرة التخزينية، وهو ما يعني خسائر ثلاثية: كلفة التخزين، وكلفة التأمين، وكلفة النقل، التي قد تفوق عشر دولارات عن كل برميل. في هذا الإطار، يقول ستيفن إينيس من «أكسي تريدر»، إنه «نظراً إلى أن خام غرب تكساس الوسيط يجب تسليمه مادياً، وأن تكلفة الوصول إلى الخزانات باهظة، فإن تكلفة التخزين في أيار/ مايو تتجاوز القيمة الجوهرية للنفط في الشهر نفسه». ويشدّد إينيس على أنه «ما لم يكن هناك تدخّل منسّق، فقد يفقد عقد حزيران/ يونيو أيضاً كل قيمته، ومن هنا تتردّد صدى صيحات: احتموا في الأسواق العالمية».
يُتوقَّع أن يفقد عقد حزيران/يونيو أيضاً كل قيمته في تكرار للسيناريو الجاري
ولا يمسّ الانهيار سوى نفط «غرب تكساس الوسيط» الذي يُعدُّ مرجعاً في السوق الأميركية، فيما يحدّد خام «برنت» الأسعار بالنسبة إلى أوروبا ومعظم دول العالم. لكن العقود الآجلة لـ«برنت»، تسليم حزيران/ يونيو، مع تعرّضه لضغط شديد، هوت بنسبة 28% إلى 18دولاراً للبرميل، بينما نزلت عقود «تكساس» 52.47%، إلى 9.7 دولارات. الفجوة الكبيرة بين الخامَين المرجعيَّين، وإن تلاشت بعض الشيء نظراً إلى أسعار عقود حزيران/ يونيو، فإنها لن تختفي وقد تعاود الظهور خلال أربعة أسابيع، قبل انقضاء العقود الآجلة للشهر المقبل. يعود ذلك بصورة رئيسية إلى ضخامة الإنتاج الأميركي، وتراكم احتياطيات هائلة في محطة كوشينغ بأوكلاهوما، بعدما فاضت عن طاقتها التخزينية في وجه التباطؤ الحادّ لاقتصاد البلاد. بذلك، تصبح المشكلة مزدوجة: العثور على مشترين للنفطـ وتخزين الفائض.
ويستدعي السعر «السلبي» الآليات التقنية لسوق النفط، والتذكير بأنها من النوع الذي يسمى سوق «العقود الآجلة»، أي إنه يجري التفاوض على الأسعار قبل أسابيع من الموعد المحدّد للتسليم. لذلك، إن ما يجري تداوله ليس البراميل بحدّ ذاتها، بل عقود مدعومة بالنفط نفسه. هذه الآلية التي صُمّمت كتأمين ضدّ تقلبات الأسعار صارت موضوعاً للمضاربة. ولا يعني هبوط سعر البرميل إلى -37 دولاراً أن هناك خسائر حقيقية بالمقدار المعلن، بل هي عقود بيع ورقية من جانب المضاربين لا يقابلها شراء، بسبب نضوب الطلب في أسواق الولايات المتحدة والأسواق الإقليمية لها. لكن أسعار الخام خلال الأيام المقبلة من الشهر الجاري ستشهد تراجعات متباينة، مدفوعة بارتفاع حجم الإنتاج العالمي من جهة، وضعف الطلب الناتج عن تفشّي «كورونا» من جهة ثانية.
ما حدث في السوق النفطية، وإن كان بجزءٍ منه تقنيّاً وموقتاً، فإن وراءه أسباباً جوهرية، لعل حرب الأسعار السعودية ــ الروسية أبرزها. في اجتماع «أوبك+» في السادس من آذار/مارس، فرطت موسكو عقد التحالف بينها وبين الرياض. تحالفُ أمَّن على مدى ثلاث سنوات توازناً دقيقاً في السوق النفطية. وإلى هذا، أضيفت تبعات «كوفيد ــ 19»، وقرار المملكة فتح صنابير النفط في مواجهة الروس، لتدخل أسعار النفط منذ ذلك التاريخ دوامة تنازليّة، لم ينجح في وقفها الاتفاق الذي وقّعته دول «أوبك+» في 12 نيسان/ أبريل الجاري لخفض الإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل يومياً، اعتباراً من بداية الشهر المقبل، إذ تسبّب الركود العالمي في خفض الطلب على النفط بمقدار 29 مليون برميل يومياً في هذا الشهر، ما يعني تراجعاً نسبته 29% من إجمالي الطلب العالمي قبل الجائحة، البالغ مئة مليون برميل. يقول محلّل النفط لدى «مورغان ستانلي» مارتين راتس: «وصلنا إلى مرحلة بات فيها ما يحدث خارج سيطرة أيّ شخص… لا توجد مجموعة من المورّدين يمكنها التعويض عبر خفض الإنتاج».
الاخبار