كتب حسين خليل في الجمهورية إقترب رمضان وهو حجة للتراجع قليلاً وليس للانكفاء او اليأس. ولكن يجب الاعتراف لأركان نظام المحاصصة انهم اقوى من اقوياء وأشرس من أشراس ومتحدين ضمن خلافات الحصص، لكن العلة الاساسية التي جعلت مجموعة الاشراس بهذه القوة، هي العناصر التدميرية الموجودة في تركيبة بعض الشخصية اللبنانية: عنصري، طائفي، أناني، مناطقي يصلي ويحتال، يلوم الآخر ويدّعي أنه مختلف، يُجاهر بالعلمانية وهو ليس كذلك، يبيع ويشتري، وأسوأها نرجسي وفردي بتفاهة الجاهل.
هذا كلام غير شعبي وكأنّ فيه من الفوقية التخاطبية. التهمة باطلة لأنّ الكلام هو استنتاجات واقعية وبالأدلة. من المفروض انّ كل عوامل التشرذم تنهار امام الجوع والقهر، وإذ بها، اضافة الى سرقة الودائع لا تزعزع التركيبة البشعة. تصدر اصوات اليوم للهروب من المسؤولية لإلقاء اللوم لعدم ولادة الدولة المدنية، على اسباب مذهبية او ملفات اقليمية. عاد الخطاب العنصري والتقسيمي. بموجز، بعد سنوات من المواجهة السياسية مع كل اركان النظام المحاصص، تمّ الاستنتاج قناعة وبالأدلة، لا نظرياً كما كان البعض يلفت الانتباه الى انّ جزءاً كبيراً من العلل هي في الضحية وليس في الجزّار فقط.
ضحية تسير الى نحرها برضاها، تنتفض بخجل النكران. تتألف مجموعات على التواصل الاجتماعي. اصبحت كطبيب نفسي لأعضائها يفشّون خلقهم لبعضهم البعض، ويتناحرون أحياناً وكأنهم على منابر خطابية «علينا، ويجب، ومن الضروري» إصدار بيانات ووثائق. «طرح حلول» الاستشهاد بحكم الحكماء ونشر فيديوهات عن بلدان اخرى. بعض مجموعات «الواتساب» طائفية منها شيعي والآخر سني بيروتي (نعم، ممنوع سنة خارج بيروت) وغيرها مسيحية. وهذه علمانية لكنها بالعمق يسارية. الكل يدّعي انه كاشف اللصوص ويجب مواجهتهم. عندما يُطلق شعار ضد الطائفية والمذهبية، الاغلبية توافق وتلعن النظام الطائفي البغيض، ثم تزخر رسائل الرسل والانبياء والأئمة والدعوات والصلوات. أيّ ازدواجية هذه؟ عندما يتحدث احدهم عن الفساد، تؤيّده الآلاف بشعارات «هم» لا يريدون بناء الدولة وكأنّ الآلاف بعيدون عن الفساد، إذاً من الفاسد؟
هل توصلت أغلبية الشعب اللبناني الى استنتاج انّ انتماءه الطائفي والمناطقي هو كارثة الكوارث، وانّ مصيره مشترك، على العكس ارتفعت اصوات وشعارات الحرب الاهلية المقيتة.
نعم، هذا الكلام يعرفه الكثيرون، وعلى الأرجح سيؤيدونه عند القراءة. لكن نعم ايضاً لن يتغيروا في عمقهم. مزيّفون في تدينهم، ومنافقون في فسادهم. جزء من الشعب ليس باليسير، عنصري وطائفي في العمق. كلمة «جماعتنا» سائدة عند الجميع وهذه بعض الدلائل:
– ألم يكن الشعب المقهور المنهوب اليوم كما في السابق جزءاً من الفساد السياسي؟ مجّد الزعماء فجعل بعضهم فوق الله او تحته، وجعل آخر أقرب الى نبي. وهذا يصرخ «إيّاك الزعيم، نفديه بالروح» إيّاك البيك والشيخ والاستاذ والفخامة والدولة والسعادة والمعالي. ألم يكن الشعب المقهور ايضاً جزءاً من الفساد المالي انتشى من سكرة الليرة والفوائد، يصرخ في وجه من يحذّره، ويطلب منه وقف التشاؤم؟ هل يخطر ببال احدكم اليوم أنه لولا تبخّر الودائع، والبعض ما زال حتى الآن في حالة نكران ذلك، لكان من يحذّر ما زال يصرخ في واد عميق حتى اليوم، متّهماً بالطموح الشخصي؟ نعم، هذا الشعب اليوم نفسه الذي تعرّض لأكبر عملية نصب في تاريخ الشعوب لسرقة ودائعه، لم يؤلف المودعون لجنة تبحث في مصير وحظوظ استرداد الودائع.
هل استمع احد ما للتحذيرات انّ من يعطيك فوائد عالية يعرّضك لمخاطر عالية ايضاً؟ هل استمع الى وَهم الليرة اللبنانية ومقالات كتب فيها وعنها وانّ لبنان غير مؤهل، بسبب صغر جغرافيته وتدمير اقتصاده وفساده السياسي واعتماده على التحويلات الخارجية بالعملات الاجنبية، ان يكون له عملة مستقلة بدون نظام صارم؟ لبنان أشبه بـ بنما ودول البلطيق وبلغاريا وهونغ كونغ. طرح مشروع مجلس النقد (ولذلك بحث مستقبلي مستقل) Currency board، رفضه السياسيون لأنه يمنعهم من اللعب بالفوائد وسعر الصرف. وحُذّر من عجز الموازنات والتشريع لها من قبل نفس المجالس النيابية والحكومات في نظام المحاصصة. كما حُذّر من انفلات وجريمة الدين العام… أين كان الشعب العظيم من كل ذلك خلال كل السنوات، بعضه مثل المصارف والسياسيين كان سكراناً في لعبة تلبيس الطرابيش، ولعبة الفوائد والليرة والدولار حتى عَلت الصرخة انّ هذا النمط سيطيح بالليرة والدولار معاً.
هل أخبركم أحد ما اليوم انّ ليرتكم مع الارزة اصبحت أفضل للف سيكارة او سندويش؟ يُرجى عدم السؤال يومياً عن مصير الليرة والى أين يمكن ان يصل سعر صرفها.
– «ثورة تشرين، و»الحراك» الذي أصبح حراكات».
أين اصبحت الثورة والحراك؟ نعرف انّ البعض سينتفض ويدّعي ان «الثورة» مستمرة. ايّ ثورة تتحدثون عنها لم تستطع بعد 7 اشهر من تشكيل الحد الادنى من رأي عام ضاغط من خلال تجمع او ائتلاف يجمع مكونات المنتفضين، تجمعهم ما يتفقون عليه ويضعون جانباً ما يسبب خلافات. ماذا حصل؟ 7 اشهر مرّت، مات زخم الشارع لأنّ خيماً بُنيت بَدل خيمة. هذا يدعو إلى الإنضمام إليه لأنه هو الحقيقة. يجتمع 10 اشخاص للتنسيق ويعلو الصراخ. هذا يشكو على ذاك انه مزروع من المخابرات، وهذا يشير الى آخر انه من فلول الوصاية السورية، وذاك يتصل سراً مع ذاك ليتبيّن انه يريد احتواءه ليركب على رصيده.
نرجسية، فردية، أنانية، حب ظهور اعلامي، تشكيك، غياب رؤية، عدم صياغة مشروع مشترك. تتم دعوتهم بالإسم الى وضع الايادي مع بعضها، فلا تسمع ردود فعل. يُصرخ فليكن المشروع هو الدولة المدنية وقانون انتخاب خارج القيد الطائفي على اساس النسبية لبنان دائرة واحدة، وإجراء انتخابات مبكرة لمواجهة نظام المحاصصة. ماذا يحصل؟ يدققون بمذهب الولادة. يتّهم فوراً انه واجهة لجهة ما، ثم تصدر اصوات ضد إلغاء القيد الطائفي، او استحالة بناء الدولة المدنية في ظل سلاح خارج الشرعية، او عدم الموافقة على اللامركزية لأنها تمهّد للتقسيم. يبحثون بحثاثة عن ما يفرّق الصف بدل الاتفاق على ما يوحّد.
يقرأ الجميع ما يكتب عن عيوب الحراك ويوافقون، ثم ينصرفون ليعودوا الى نفس الممارسة، وكأنهم مصرّون على ان يتذوق جيل اولادهم طعم الحرب بعد ان عانى جيلهم منه. ولكن هل هم مدركون انّ جيل الحرب السابق كان في زمن تمويل اقتصادي للحرب، بينما الخلافات اليوم هي في زمن جوع وقهر.
هذا الكلام اليوم ليس لرَمي اللوم، او للشماتة، بل للدلالة أنه بالرغم من كل ما حصل، ليس هناك من إشارات ايجابية توحي بالطمأنينة او التفاؤل بالمستقبل، مظاهرات بالسيارة لا تجدي، خيَم متفرقة لا تنفع، حتى أنّ الله لا يبارك بالعمل الفردي ويدعو الى عمل الجماعة.
يُقال هذا الكلام لنضع بين أيديكم الصورة البشعة الآتية ما لم تتحركوا اليوم وامامكم فرصة اسابيع فقط. يُقال هذا الكلام لأنه مع كل ما حلّ من كوارث ووقوع الانهيار فعلاً لا توقعاً، ما زال البعض يسأل عن الحل ويرجو وضع شرح في فيديو «ثلاث دقائق» بالحد الاقصى «لأنّ الناس «تزهق» من الفيديوهات الطويلة». هؤلاء أنفسهم الذين خسروا جنى عمرهم او وصلوا الى الفقر يقضون ساعات لمشاهدة مسلسل تركي او مكسيكي، ورمضان سيشهد على ذلك.
بعض هؤلاء ايضاً يتصلون ليطلبوا عدم رفع السقف ممّن يطالب بحقوقهم. يدعونه بالحرص والحماية بدل ان يكسروا خوفهم ويتلبّسوا الجرأة.
ماذا يمنع قيام لجنة مودعين وتحركات شعبية لهم كونهم الضحايا الذين لا ينامون الليل إلى أن يقلقوا نوم المسؤولين عن جريمتهم بالزمامير وافتراش الطرقات بمئات الألوف لا بالعشرات كي لا يُتمكّن من قمعهم؟
ماذا يمنع ولادة ائتلاف او تجمع لممثلي شعب تعرّضَ لأكبر عملية اغتيال أمن اجتماعي في تاريخ الامم المتحدة؟
أمامكم نافذة اسابيع معدودة، بادروا الى جَمع الصف ومواجهة هذا النظام الشنيع، وإلّا بعدها ستنزل الناس الى الشوارع ولكن بفوضى الجوع، وليس مواجهة مشروع السلطة البديلة. صرخة اليوم أمامكم ان تبادروا لأنكم اذا لم توحّدوا الصفوف لتنظيم انتفاضة الجوع، سينهار الامن والقانون، ويسود شارع الزعران، وتعود خوّات الزواريب ومن يدري أن يعود لبنان مناطق جغرافية أشبه بالكانتونات السابقة، يبحث كل منها عن أمنه الذاتي. سيعود تركيب ابواب الحديد امام الابواب الخشبية في البيوت، ويقلق رب العائلة على زوجته واولاده اذا ما خرجوا الى الشارع. أهذا ما تريدونه للبنان؟
إنتهى الكذب والتكاذب، إنتهى مسلسل إلقاء اللوم على غائب مجهول او على محلي او اقليمي. اسابيع إن لم تكن أيام تفصلنا عن امكانية دخول لبنان في مجتمعات تسودها شريعة الغاب او أبشع من الغاب يفترس الحيوان ليأكل. في لبنان قد يفترس الانسان اخيه ولو بعد الشبع. هذا ليس إلّا لأنكم في اول درب المآسي، والخوف مما هو آتٍ. عندها يصرخ المقهور ولا يجد إلّا من يشاركه القهر او يزيده. فرصة أخيرة للتعويض عن مشاركتكم ببراءة في الجريمة حتى ينهض لبنان الجديد.