“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
خلال طرح موضوع التعيينات المالية ومن ضمنها نواب حاكم مصرف لبنان على طاولة مجلس الوزراء مؤخرًا، رنَّ هاتف رئيس الحكومة حسان دياب. رقمٌ مجهولٌ بالكادِ يعرفه. رنَّ الهاتف ثلاث مراتٍ، وكنتيجة لوجودهِ على رأس إجتماعٍ هام فضّلَ عدم الردّ. عُلِمَ لاحقًا أنّ الرقم يعود إلى السفارة الاميركية.
اعلان
بعد علمهِ بهوية المتصل، تعاطى رئيس الحكومة مع الأمر كـ “حدث وصار”. كان يجدر أن يتم الاتصال بمكتبه كما يقتضي البروتوكول لسهولة التواصل. أمرٌ مماثلٌ فيما لو حدث مع رئيس آخر للحكومة لكان سطَّرَ بلاغات الاعتذار وسعى لإثبات أن ما جرى خطأ وقع سهوًا لا أكثر.
في هذه الاثناء ظهر الامتعاض والاستياء على ملامح السفيرة الاميركية دوروثي شيا بعدما اعتقدت أن دياب يتعمّد عدم الرد عليها. أمرٌ آخر يزيد من الاستياء، لم يحدث أن حاولَ أي سفير أميركي التواصل مع رئيسِ حكومةٍ في لبنان ولم يجب.
المهم، تحركت فورًا. تواصلت مع احدى الوزيرات في الحكومة محاولة الاستفسار منها، فأجابت بعدم علمها بورود أسباب معينة. ثم حملتها رسالة فيها بذور استياء، مرفقة بإبلاغ دياب طلب التواصل معها للضرورة. توجهت الوزيرة إلى رئيس الحكومة على الفور ووضعته في صورة ما جرى وأجواء امتعاض السفارة. لكن دياب تعامل مع الأمر بهدوءٍ من باب انه سيحله وليس هُناك خلفيات.
لاحقاً، أعاد دياب الاتصال بالرقم، ومن دون الخوض في التبريرات تناول مع السفيرة اطراف الحديث. شيءٌ له علاقة طبعًا بحرص الولايات المتحدة على لبنان وما شاكل. سريعًا دخلت شيا في صلب الموضوع.
ألمحت إلى دياب بضرورة الأخذ في الاعتبار العلاقات التي تجمع بيروت بواشنطن واحاطتها بعناية شديدة. دياب متفهّم طبعًا. القليلُ من الوقتِ حتى مرَّت على موضوع التعيينات المالية إذ لفتت انتباه رئيس الحكومة الى ضرورة اكساب الأمر درجة عالية من الجدية لأن أسماء الشخصيات المطروحة تريح بقسمٍ منها المؤسسات الدولية وتجد واشنطن سهولة في التعامل معها نتيجة علاقة عمرها أعوام.
فهم دياب أن المقصود نائب الحاكم الثالث محمد بعاصيري الذي سعى لاستبداله من ضمن رزمة تغييرات أراد تمريرها في المصرف. ترك دياب شيا حتى تنهي حديثها ثم عقَّبَ على كلامها بـ”تشديده على إنسيابية العلاقة بين بيروت وواشنطن والمؤسسات الدولية وضروراتها”، ثم ذكرها في السياق أنه “يبحث تعيين نائب لحاكم مصرف لبنان لا مصرف نيويورك”.
عبارة فيها الكثير من الدلالات. فهمت شيا أن لا مجال للحديث في الأمر مع حسان دياب. تزامن ذلك مع ارتفاع حدّة المواجهة بينه وبين رياض سلامة والفريق الراعي سياسيًا للأخير.
المهم في نهاية المطاف طارت التعيينات المالية على الأرجح إلى غير رجعة، وحطت السفيرة الأميركية في السراي تتفقد أجواء البلاد والموقف من الحاكم وما يحضر للقطاع المالي فيما تولى دياب إرشادها إلى الجانب التقني وتأكيدها خلو محفظته من أي جانب يبعث عن أسباب شخصية ضد الحاكم، أما الموقف منه فـ”وظيفي” متصل بالفجوات التي ظهرت من خلال تقرير شركة التدقيق الدولية.
لقد كوّن متابعون ملفاً كاملاً حول أسلوب تعاطي دياب إن كان في مسألة التعيينات المالية أو الحادثة الأخيرة مع السفيرة الاميركية، طغى عليه العامل الاستثنائي الذي لم تلحظه أي علاقة سابقة بين رئيس لمجلس الوزراء ومندوب دبلوماسي أميركي، فيما آثار الندية وسعي دياب إلى تعميمها على علاقته مع الدبلوماسيين غلبَ طابعها وأخذت مداها.
بخلاف رؤساء الحكومات السابقين، تعاطى دياب مع واقعة التدخل الأميركي في الشأن المالي بكثيرٍ من الحيطة وقد أبعد “أذنه” عن سماح المطالب الأميركية. بدا أنه احتكم إلى مدرجات إتفاق الطائف فأعطت لرئيس الحكومة الحالي ما لم تعطه لغيره، وعلى الأرجح حاول خلق حالة متجانسة بين علاقة رجل الدول التي يجب أن تحكمه بالولايات المتحدة والاستقلالية المنشودة لأي مسؤول فضلاً عن مصالح الدولة التي يمثلها.
المطلعون على موقف رئاسة الحكومة، يشددون على أن “طابع دياب يغلب دائماً على تطبعه، فهو مارس مفهومه في العلاقة مع السفيرة الاميركية والمسألة ليست محصورة بها، بل أن النموذج قيد التعميم في العلاقة مع كافة الدبلوماسيين المعتمدين في لبنان، أي أننا أمام نموذج مختلف لرئيس حكومة تطغى عليه النظرة إلى مصالح الدولة لا النظرة للمصالح الفردية أو الخشية على المصالح الفردية”.
في مكانٍ آخر، يؤكدون أن العلاقة بين دياب والولايات المتحدة بعيدة عما يجري الحديث عنه، وبخلاف كل ما يُكتب حول رفض أو عدم تقبل أميركي لدياب، يُظهر مسار الأمور نجاحه في بناء إطار تنسيقي على شكل “خط مفتوح مع واشنطن” يحفظ مصالح لبنان.