الرئيسية / أخبار صور / الطريق طويل…

الطريق طويل…

الصيف حارٌ هذا العام، المباريات أسرت الجماهير وأنستهم حرارة الطقس. “منتخبنا المفضل يقوده أفضل لاعب في العالم”، يرّدد دائمًا، “رونالدينيو أفضلهم”. اشتريت ملصقين لرونالدينيو. في الأول يرفع الكرة عاليًا بخفة ومهارة، وفي الثاني يَمرّ بين لاعبين بابتسامة عريضة تُظهر أسنانه غير المتناسقة. كنت في حيرة أيّهما سأختار.

“لا تنسى أريد ملصقاً كبيراً. وأفضل أن يكون بلباس نادي برشلونة، فالمنتخب قد خسر الكأس، سنعوّل الآن على النادي”.

أدقق في الملصقين، أتأملهما جيدًا قبل اقتنائهما. الحرّ شديد في السوق. الرطوبة العالية تحمل رائحة السمك، وتُفرض على أنوف المارة. صور المدينة وشهر تموز ليسا مزيجين متناسقين. حسمت أمري، سآخذ المُلصقين. أحملهما تحت إبطي كمتخرجٍ يحمل شهادته ويشقّ الجموع بفخر.

أخرج على عجالة من وطأة المكان. السوق مزدحم اليوم، يُقبل الناس على شراء السمك بكثافة يوم الأربعاء كمستحب تحوّل إلى عادة بحكم التكرار. انتهى كأس العالم منذ يومين “الشامتون” كثر. لم يفز رونالدينيو باللقب، ولم تُتوّج البرازيل للكأس. يصرخ بائع وسط الزحام: خبر عاجل!! يرفع صوت التلفاز، يتسمّر المارّة أمامه. أقف على رؤوس أصابعي، أحاول مدّ رأسي بين الجموع، فأنا أقصرهم. أرى مُذيع قناة المنار يقرأ بيانًا: أعلنت المقاومة الإسلامية عن أسر جنديين إسرائيليين*…… تصاعد هُتاف الجماهير على غرار الهتافات التي شهدتها بعد فوز المنتخب الإيطالي. يغمرني المشهد. تتلاشى رائحة الأسماك من المكان. أتفقد الملصقين، وأعود مسرعًا نحو المنزل أحمل البشرى. والدي مسمَّر أمام التلفاز، أمي في المطبخ تحضّر طعام الغداء. أتجه مباشرة نحو غرفتي، أعلّق الملصق الأول على الحائط قرب صورة للسيد. أعلم في قرارة نفسي أن لا مشترك يجمعهما، قائد منتصرٌ ولاعب لاهٍ. أهاتف فياض. أخبره بأنّ والدي يتوقع حرباً. يضحك ويعلّق بفخرٍ: “ما بيعملو شي”. يسألني عن الملصق، أطمأنه، أصبح بحوزتي: “اخترت واحداً وسأرسل لك الآخر غداً، فالوضع اليوم غير مستقر “.

التقينا بعد شهر ونصف تقريباً. أتيته بالملصق. رونالدينيو ما زال يلاعب الكرة ضاحكاً بخفة.
المبنى الملاصق لمنزل فياض سُوّي أرضًا، ركامه وصل الى شرفة منزلهم. “ستعلق الملصق؟” يهزّ رأسه مؤكداً. أصرّ على كونه أفضل لاعب في العالم. أمّا أنا استبدلت صورته بصورة أخرى للسيّد المنتصر مجددًا حصلت عليها بعد انتهاء الحرب مباشرة، ذُيلت بعبارة “نصر من الله”.
شغفي بالملصقات ازداد سنةً تلو السنة، مطبوعةً أم نسخاً رقمية. ربّما هذا ما دفعني إلى دراسة التصميم الغرافيكي لاحقاً كاختصاص جامعي. أما فياض فقد أخذه شغفه إلى مكان آخر..

تحدثنا كثيراً في لقاءاتنا الأخيرة. كان قد أصبح أباً لطفل وينتظر مولوده الثاني. يوماً، التقطت له صورةً واحدة دون أن ينتبه. قال لي بمعرض الحديث أنه مؤمن بالنصر وأن اللقاء قريب..

يختار أصدَقُنا عباراتهم ويتداولونها بعفويّة دون أن يعوا أنها تختصرهم في لحظة زمنية ما. وضع على تطبيق الواتسآب عبارة اختصرته: “اما حان القاء يا صاحب الزمان ؟”. لاحظت الخطأ الإملائي في الجملة، أرسلت له مصححًا: “اللقاء يا فياض وليس القاء..” لم تصل الرسالة ووصلتني أخرى من صديق مشترك بعد يومين، جاء في نصها: “زفّت المقاومة الإسلامية الشهيد المجاهد فياض عباس فياض..**”.
توقفت عن متابعة مباريات كرة القدم منذ مدة طويلة. لم أعد أهتم للأخطاء الإملائية. ازددت شغفًا بالتصوير وجمع الملصقات، لكنني أزلتها من غرفتي. كلما بحثت في أرشيف الصور عن صورة لفياض، لا أجد غير واحدة التقطها دون علمه، يرتدي فيها قميصاً دُوّن عليه عبارة باللغة الانكليزية: “الطريق طويل..”.

*(عملية الوعد الصادق يوم الأربعاء في 12-07-2006 )
**(استشهد فياض عباس فياض يوم الخميس في 26-12-2013)

رواد الامين

شاهد أيضاً

فرصة عمل في صور

Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم