لم تعد مهمة ضبط الدولار مهمة السلطات النقدية والمالية بعدما تحولت هماً أمنياً وقضائياً، الى حد الاعتراف انه لو لم تكن وزارة الصحة منهمكة بجائحة كورونا لكانت متورطة في الملف. ولكن الأهم هو ما يمكن ان يقود اليه ارتفاع سعر الدولار في ظل السيناريوهات المتعددة وسط إجماع على انّ حصر سقفه لم يعد ممكناً، وانّ الجهد المبذول هو لفرملته وحسب. فما الذي يعنيه ذلك؟
ليس صعباً على أيّ مراقب يسعى الى مقاربة حجم الاهتمام الواسع بالأزمة النقدية التي يعانيها لبنان ان يكتشف مزيداً من الغرائب. فبعدما تهاوى سعر صرف الليرة وتجاوز كل السقوف المتوقعة وعجزت السلطات النقدية والمصرفية عن مواجهته، باتَ من مسؤولية السلطات الأمنية والقضائية، الى أن تداخلت الأمور في ما بينها الى الدرجة القصوى. فعندما انفجرت الأزمة النقدية بعد ايام على انتفاضة 17 تشرين الأول الماضي وإقفال المصارف ابوابها امام المواطنين لأسبوعين، ظهر انّ وراء الأكمة ما وراءها، وانّ الأزمة لن تقف امام حدود معينة وهي بلا سقف محدّد وليس هناك من هو قادر على لملمتها ومحاصرتها.
وعلى هذه الخلفية، فقد أظهرت كل المعطيات التي تكشّفت حول الازمة النقدية انها قديمة ومؤجلة، وانها كانت تتفاعل خلف الابواب المغلقة وتم التعتيم عليها منذ سنوات عدة. وانّ ما اتّخِذ من إجراءات مالية ومصرفية في السنوات الخمس الأخيرة لم يكن سوى لتأجيلها ومعها ساعة الصفر قدر الامكان. فقد سقطت كل الرهانات على سلسلة من الإصلاحات المالية والإقتصادية التي تعهدت بها السلطة السياسية قبل عقدين من الزمن امام اللبنانيين اولاً، وثانيها امام مجموعة الدول والمؤسسات المانحة التي تعهّدت بمساعدة لبنان على تجاوز أزماته ووفّرت له مظلة واقية تغنّى بها اللبنانيون على مدى السنوات الماضية. وانّ ما اتخذ من إجراءات مالية ونقدية، والتي قادها مصرف لبنان ومعه جمعية المصارف ووزارة المال، كانت لاستيعاب الموقف في انتظار تلك اللحظة السياسية للتعويض على نتائجها الكارثية والتي لم تأت حتى الأمس القريب.
الجمهورية