ليست المرّة الأولى التي يُحكى فيها عن “معركة الشقيقيْن”، في إشارة إلى العلاقة “الملتبسة” بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وشقيقه رجل الأعمال بهاء الحريري، الذي “يتقنّص” الفرص على ما يبدو لتحقيق “طموحه” بالدخول إلى معترك السياسة.
وإذا كان “الشيخ سعد” نجح في تجاوز “المطبّات” السابقة على هذا الصعيد، متّكئاً على “مجموعة دعم” قوامها “التيار الوطني الحر” ومن خلفه “حزب الله”، فإنّ عوامل بالجملة تدعو إلى الاعتقاد بأنّ الأمر نفسه قد لا يتكرّر هذه المرّة، نظراً لاختلاف الظروف، فضلاً عن “الانقلاب” الحاصل في الخريطة السياسيّة.
ولهذه الأسباب ربما، “يندفع” بهاء الحريري أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فيخرج تدريجياً من “الكواليس”، ويُصدِر البيانات الرسمية، ويمهّد لإطلالةٍ عامّة في غضون شهريْن، كما يجزم المقرّبون منه، فهل يحقّق مبتغاه، ولو تطلّب “الإطاحة” بشقيقه من قيادة “الزعامة الحريريّة”؟ وهل يُترَك “الشيخ سعد” وحيداً في هذه المواجهة، إن فُرِضت عليه؟.
الظروف مختلفة…
عندما يُحكى عن طموح بهاء الحريري السياسيّ، يعود المتابعون رأساً إلى “مفارقة” بروز اسمه للمرّة الأولى، كـ”وريثٍ” لشقيقه، بعيد الاستقالة “المُريبة” التي أعلنها من العاصمة السعودية الرياض في تشرين الثاني 2017، والتي لا تزال تحيط بها “الألغاز” حتى يومنا هذا، لرفض رئيس الحكومة السابق “بقّ البحصة”، بعد الكثير من الأخذ والردّ.
ومع أنّ التسريبات السياسية أكّدت يومها أنّ بهاء الحريري لم يتردّد في “استغلال” الفرصة، ولو على حساب شقيقه، عارضاً نفسه أمام “المرجعيّة” السعوديّة كـ”بديلٍ” مكتمل المواصفات والمقوّمات، إلا أنّ هذه المحاولات لم يُكتَب لها النجاح، بعدما اصطدمت بالتفافٍ داخليّ قلّ نظيره حول رئيس الحكومة الذي لم يقدّم استقالته، “وفقاً للأصول”.
وليس خافياً على أحد أنّ “شبكة الأمان” التي أعادت سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، تصدّرها “التيار الوطني الحر”، بشخص رئيس الجمهورية ميشال عون تحديداً، الذي صوّر الحريري وكأنّه “أسيرٌ”، وأصرّ على اعتبار الاستقالة التي لم يقدّمها له شخصياً كأنّها لم تكن، إضافة إلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي قاد، من موقعه كوزيرٍ للخارجيّة يومها، اتصالاتٍ رفيعة المستوى للإضاءة على واقع الرجل، ما مهّد الطريق أمام الوساطة الفرنسيّة التي عاد الحريري إلى البلاد بموجبها.
اليوم، لا يبدو الواقع مشابهاً، بعدما أصبح الحريري “وحيداً”، بل “مُجرَّداً” إن صحّ التعبير من “شبكة الأمان” هذه، بل من “معزّزاتها”، سواء في بيئته الداخليّة أو الخارجيّة، خصوصاً بالنظر إلى الدور الذي لعبه “حزب الله” أيضاً في الدفاع عن رئيس الحكومة السابق قبل زهاء ثلاث سنوات، معطوفاً على دور النائب نهاد المشنوق الذي لم ينسَ أحد خطابه الشهير رفضاً لـ “مبايعة” بهاء الحريري، بعنوان “لسنا قطيع غنم، وتحكمنا انتخابات لا مبايعات”، وهو أيضاً الذي “اختلف” مع سعد الحريري، وانتقل إلى “ضفّةٍ” أخرى.
مجرّد “إنذار”؟!
قد يكون الظرف الحاليّ هو “الأسوأ” بالنسبة للحريري، لتُفرَض عليه “معركة” داخلية، كتلك التي يمهّد لها شقيقه، خصوصاً بعدما بات “شبه وحيد”، بين الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، فهو قطع “شعرة معاوية”، إن جاز التعبير، مع “العهد”، ولكن أيضاً مع سائر أطياف “المعارضة”، بعد تفرّده بقرار مقاطعة الحوار الوطنيّ الماليّ الذي دعا إليه رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي، وذهابه بعيداً، على المستوى الشعبويّ، في معارضة حكومة حسّان دياب، من دون أيّ تنسيقٍ مع من كان يفترض أن يشاركوه الموقف الواحد.
ولعلّ ما يزيد من “فداحة” الظرف أنّ الحريري بدا الأسبوع الماضي، في “خصامٍ” شديد، حتى مع حلفائه المفترضين، على غرار “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي حطّ رئيسه وليد جنبلاط “مكرَّماً ومعزَّزاً” في قصر بعبدا، حيث “انقلب” على معارضته، رافعاً الصوت ضدّ التفكير بإسقاط الحكومة في الوقت الحاليّ، وكذلك حزب “القوات اللبنانية” الذي لم يتردّد رئيسه سمير جعجع في المشاركة في لقاء بعبدا، في “رسالةٍ” اعتبرها البعض مُوجَّهة إلى الحريري مباشرةً، علماً أنّ “الحكيم” كان من أوائل المهلّلين لاستقالة “الشيخ سعد” الغامضة في العام 2017، على رغم أنّه كان جزءاً من حكومته.
وإذا كان “المستقبليّون” حاولوا التخفيف من “القلق” الذي عمّ أوساطهم وبالتالي أنصارهم، عبر الترويج لزيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى “بيت الوسط”، وكأنها حملت “الكلمة الفصل” في المعركة المستجدّة، فإنّ حرص الأخير على عدم التصريح بعد اللقاء، أبقى “الغموض البنّاء” في مكانه، خصوصاً أنّ ثمّة من قال إنّ الزيارة كانت مجدولة مسبقاً، ولو حرصت مصادر “المستقبل” على التأكيد أنّ الحريري سمع من ضيفه تأكيداً على أنّه يبقى “الحليف الأول” للمملكة العربية السعودية في لبنان، ما أوحى وكأنّ لا علاقة للرياض بـ”الاندفاعة المستجدّة” لبهاء الحريري، ما يفرغها تلقائياً من مضمونها برأي الكثيرين.
لكن، ثمّة من يمتلك “قراءة” مغايرة للواقع، تصل إلى حدّ اعتبار “الصمت” السعودي عن هذه “الاندفاعة”، والذي قد لا يرقى إلى مستوى “المباركة” لها في هذه المرحلة، بمثابة “إنذارٍ” لرئيس الحكومة السابق، باعتبار أنّ “البديل” متوافر، وجاهزٌ لتسلّم زمام المسؤولية، بل “يتحيّن” الفرصة لذلك، ما يتطلب من “الشيخ سعد”، “مراجعة نقديّة” لأدائه، إن جاز التعبير، خصوصاً أنّه متَّهَمٌ بـ “التفريط” بكلّ مكتسبات “الحريرية السياسية”، بما يشمل حتى العلاقة مع السعودية، التي لم تعد كما كانت سابقاً، علماً أنّ هناك من يلوم الرجل أنّه، حتى حين انتقل إلى معارضة “العهد”، تمسّك بما يسمّيه “ربط النزاع” مع “حزب الله”، بل ثمّة من يجزم بأنّه حافظ على اتصالاته مع قياديّي الحزب ومسؤوليه، ولو من تحت الطاولة.
بين “الثورة” و”الوراثة”!
بُمعزَلٍ عن “معركة الشقيقيْن” سعد وبهاء الحريري، وما يمكن أن تفضي إليه واقعياً، قد يكون “أطرف” ما سمعه اللبنانيون عن “تبنّي” رجل الأعمال بهاء الحريري مطالب “ثورة 17 تشرين”، وأنّ الأخيرة قد تكون “ألهمته” لدخول معترك السياسة.
لعلّ اللافت في الأمر ليس أنّ بهاء الحريري “يتبرّأ” من شقيقه، بل “يتنصّل” من كلّ دورٍ لـ”الحريرية السياسية” التي انطلقت منذ عهد والده، ولكن أنّه يجد في مطالب “الثورة” ما ينسجم مع دخوله السياسة، كـ”بديلٍ” لوالده.
بمعنى آخر، يقول بهاء الحريري إنّ تجربة شقيقه في “وراثة” والدهما أخفقت، وبالتالي أنّ الوقت حان ليجرّب حظّه هو، وربما إن أخفق يحين دور شقيقهما أيمن، أو غيره، بحثاً عمّن يكون “الوريث الأفضل”، وكأنّ الموضوع يتعلق بقيادة “شركة” بجذورٍ عائليّة، ليس إلا.
لعلّ ما يغيب وسط ذلك، عن بال بهاء الحريري، وغيره من “داعمي الثورة”، كما يقولون، أنّ ما يطالب به اللبنانيون هو طبقة سياسية جديدة، مستقلّة بالكامل، لا وجود لـ”الوراثة السياسية” فيها، من قريب أو من بعيد…
النشرة