كشفت التحقيقات الأولية مع الصرّافين الموقوفين ونقيبهم ومدير العمليات النقدية في المصرف المركزي أنّ مصرف لبنان كان المسؤول الرئيسي عن تدهور سعر الليرة، إذ كان يشتري الدولارات من الصرّافين بسعر مرتفع، بدلاً من ضخّ الدولار في السوق. الأداء المريب لمصرف لبنان تسبّب برفع سعر صرف الدولار في مقابل الليرة
ما تكشّف من التحقيقات يشكّل القرينة الاولى على تورط سلامة بتهديد سلامة النقد الوطني، ما يعني مخالفة واضحة للموجبات التي يفرضها عليه قانون النقد والتسليف وانشاء المصرف المركزي. وربما يفسّر هذا الأمر شيئاً من كلام رئيس الحكومة حسان دياب، عندما تحدّث عن «غموض مريب» في أداء حاكم مصرف لبنان حيال سعر صرف الليرة.
قانون النقد والتسليف (في المادة 70 منه)، يضع على رأس أولويات المصرف المركزي مهمة الحفاظ على سلامة النقد. ولشدة أهمية هذا الامر، فإنه يرد مرتين في المادة، على الشكل الآتي: «مهمة المصرف العامة هي المحافظة على النقد لتأمين اساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم وتتضمن مهمة المصرف بشكل خاص ما يلي: – المحافظة على سلامة النقد اللبناني». وبعد ذلك، تأتي المهمات الاخرى، كـ«المحافظة على الاستقرار الاقتصادي»، و«المحافظة على سلامة اوضاع النظام المصرفي». وفي القانون نفسه، تنص الفقرة «ب» من المادة 83 على الآتي: «يمكن المصرف ان يقوم مباشرة في حالات استثنائية وبالاتفاق مع وزير المالية بشراء العملات الاجنبية من الجمهور وبيعها منه». إذا، القانون يحدد هذا الامر بالحالات الاستثنائية، ويربطها بالاتفاق مع وزير المال، لما لهذا الامر من خطورة. وإذا كان رئيس الحكومة ووزير المال قد طلبا من سلامة، في اجتماعهما به يوم 22 نيسان الماضي، التدخل في سوق القطع، فإنهما قالا له إن واجبه يحتّم عليه عرض الدولارات للبيع، بهدف الحفاظ على سعر الليرة وتخفيف حدة الانهيار، فإذا بالتحقيقات تكشف انه فعل العكس: تدخّل لشراء الدولارات لا لبيعها.
هذا الاداء يدفع إلى طرح أكثر من سؤال:
1- هل يعلم وزير المال غازي وزني بما يفعله سلامة، وهل هو موافق عليه؟ وزني مطالب بتوضيح ذلك.
2- ألا تجد الحكومة نفسها معنية بعقد جلسة استثنائية تستدعي إليها سلامة لاستجوابه بشأن ما يقوم به، ومنحه أمراً واضحاً ومباشراً بضرورة التدخل للجم انهيار سعر الليرة؟
3- هل سيجرؤ المدعي العام المالي، القاضي علي ابراهيم، على استدعاء سلامة للتحقيق معه بصفته مشتبهاً فيه بالتلاعب بسلامة النقد الوطني، بما يشكّل مخالفة واضحة وصريحة لواجباته الوظيفية؟
4- ماذا تنتظر الحكومة لإقالة سلامة وتعيين بديل عنه؟ ما هو الثمن المطلوب من المجتمع اللبناني دفعه بذريعة الخوف من تداعيات إقالة سلامة؟
5- ألا يعد اداء سلامة مؤشراً إلى كونه يدير حالة إفلاس في المصرف المركزي، وإلى أنه كان يكذب طوال الفترة الماضية بشأن حجم الموجودات في مصرف لبنان بالعملات الاجنبية؟ إذا كان لديه نحو 20 مليار دولار كما زعم امام رئيس الحكومة ومسؤولين آخرين، وبعد قراره مصادرة اموال اللبنانيين المحوّلة من الخارج بالعملات الاجنبية، وبعد التعميم رقم 148 الذي يحوّل فيه عملياً الدولارات في الحسابات التي تقل عن 3 آلاف دولار إلى ليرات لبنانية، فما حاجته إلى «لم الدولارات» من السوق؟ تمويل الاستيراد والتحويل إلى الخارج لا يحتاجان إلى أوراق نقدية، إذ تكفي الدولارات الموجودة في القيود وعلى شاشات الكومبيوتر.
من المتوقع ان يبرر سلامة ما يقوم به بالتعميم رقم 149، الذي قرر فيه، خلافاً للقانون، إنشاء منصة للصيرفة. لكن ذلك لن يعفيه من مساءلة قضائية هي اليوم في عهدة القاضي علي ابراهيم. فهل سيقدم عليها الأخير؟
متابعة التحقيقات
من جهة اخرى، أشار المدعي العام المالي بختم شركة رامز مكتّف للصيرفة وشحن الأموال بالشمع الأحمر. وفي موازاة التحقيق التي تُجريه القوى الأمنية بإشراف النيابة العامة المالية، استجوب قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا موقوفين اثنين في ملف التلاعب بالليرة، هما ف.ظ وع. ق، وقرر تركهما بكفالة مالية قدرها مليون ليرة بعدما تبيّن أنّهما اشتريا مبالغ مالية من الدولار لتسديد قروض أو دفع أقساط جامعية. وأحال الملف إلى النيابة العامة المالية. كما سبق لأبو سمرا أن استجوب سبعة موقوفين بينهم صرّافون ووسطاء صرافة وأخلى سبيلهم بكفالة مالية قدرها 10 ملايين ليرة عن كل موقوف. كذلك استجوب قاضي التحقيق في بيروت وائل صادق أحد الصرّافين وأخلى سبيله بموجب كفالة مالية، إلا أنّ النيابة العامة المالية استأنفت قرار إخلاء السبيل.
الاخبار